ملخص
يتمثل التحليل المجالي في دراسة مجموعة من المعطيات الطبيعية والبشرية لتحليل التوزع المجالي لمختلف الظواهر دون الوقوع في الحتمية. يعتمد منطق التحليل المجالي بشكل كبير على البيانات الإحصائية والمجالات المتجانسة.
منذ تعميم منظومات المعلومات الجغرافية (SIG)، أصبح للتحليل المجالي العديد من الأدوات لدراسة المكونات المجالية المتوفرة أو لاقتراح محاكاة للتنظيم المجالي. وبالتالي فهو يجعل من الممكن تغيير المكونات المجالية، وقياس العلاقات بينها حسب تباعدها المسافي، والتعرف على مكونات معينة أو حتى تقديم العديد من أساليب الاستيفاء (interpolation) المجالي. يمكن أن يؤدي التحليل المجالي بعد ذلك إلى نمذجة إحصائية جغرافية.
ولد التحليل المجالي انطلاقا من فهم التمشيات التي تبرر التحكم في المجال. تطور خاصة منذ السبعينات من القرن العشرين كرد فعل على الجغرافيا التقليدية التي تهتم برسم وتفسير الظواهر الطبيعية والبشرية في مواقع حدوثها. هو مقاربة بحثية جديدة تعتمد على النماذج والقوانين العامة. يتم اعتماد التحليل المجالي في عدة مجالات علمية كالجغرافيا في توطن الأنشطة الاقتصادية. تتعدد أنواع التحاليل ورغم تعقد أغلبها يمكن اعتماد بعض هذه الطرق الأقل تعقيدا وهي الخوارزمية ((algorithme flou في تحديد المواقع المناسبة لتوطن الأنشطة الاقتصادية. فكيف يتم استعمال التحليل المجالي في توطن النشطة الاقتصادية؟
عندما يتفاعل علم الاقتصاد مع الجغرافيا الاقتصادية لدراسة المجال يولد التحليل المجالي لتوطن الأنشطة الاقتصادية. مهدت النمذجة في دراسة توطن الأنشطة الاقتصادية إلى تكميم الجغرافيا الاقتصادية وظهور التحليل المجالي. فماهي مكانة التحليل المجالي في منظومة المعلومات الجغرافية؟ وكيف حدث هذا التحول؟
1- تعريف التحليل المجالي
التحليل المجالي هي مقاربة جغرافية تدرس التوطن والتفاعلات المجالية كمكونات نشطة للوظائف المجتمعية. ينطلق من افتراض أن المجال هو فاعل منظم. يهدف إلى اقتراح مقاربة نموذجية للمجال الجغرافي من خلال تسليط الضوء على الأشكال المتكررة للتنظيم المجالي والنظريات، من خلال مفاهيم رئيسية مختلفة: المسافة، والشبكات، البنية، الموقع … لذلك لا يُنظر إلى المجال على أنه مجرد “وعاء” بسيط ولكن كعنصر هام في منظومة اقتصادية واجتماعية.
يتمثل في دراسة مجموعة من المعطيات الطبيعية والبشرية لتحليل التوزع المجالي لمختلف الظواهر دون الوقوع في الحتمية. يعتمد منطق التحليل المجالي بشكل كبير على البيانات الإحصائية والمجالات المتجانسة. منذ تعميم منظومات المعلومات الجغرافية (SIG)، أصبح للتحليل المجالي العديد من الأدوات لدراسة المكونات المجالية المتوفرة أو لاقتراح محاكاة للتنظيم المجالي. وبالتالي فهو يجعل من الممكن تغيير المكونات المجالية، وقياس العلاقات بينها حسب تباعدها المسافي، والتعرف على مكونات معينة أو حتى تقديم العديد من أساليب الاستيفاء (interpolation) المجالي. يمكن أن يؤدي التحليل المجالي بعد ذلك إلى نمذجة إحصائية جغرافية.
2- تطور طرق تحديد توطن الأنشطة الاقتصادية
منذ ظهور الجغرافيا الاقتصادية على يد الألماني جوتز Götz سنة 1882، اقترح منهجا تحليليا لدراسة موارد الثروة الاقتصادية آخذا بعين الاعتبار مبدا السببية، أي البحث عن الاسباب الطبيعية والبشرية والاقتصادية التي تفسر البيانات الاحصائية. لم يعد الجغرافي الاقتصادي يقتنع بالتعميمات التي يستنتجها من الخرائط فقط بل يتقدم خطوات في سبيل إيجاد تعميمات لفظية ورياضية قوية بخصوص دراساته، لم تكن متوفرة من قبل.
قبل جوتز Götz (سنة 1882)، كان فون توننVon Thünen أول من تطرق إلى البعد المجالي وأول من تحدث عن نظرية اقتصادية مجالية. ففي مؤلفه “الدولة المنعزلة” الذي صدر سنة 1826، تحدث عن نموذج استعمال المجال الفلاحي، ووضح بشكل دقيق كيف أن العلاقات والروابط بين الريع العقاري وتكلفة النقل وأثمنة المنتجات الفلاحية تشكل دوائر متراكزة للاستعمالات المختلفة للمساحة الزراعية حول تجمعات سكانية كبرى.
توزع الزراعات في المجال الفلاحي حسب نموذج فون تونن
Von Thunen
الدخل الفلاحي (د/هك)
مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، بدأ بعض علماء الاقتصاد – قبل الجغرافيين – في إدماج دور المجال في تفكيرهم : دور المجال عبر مختلف مظاهر الحياة الاقتصادية مثل التجارة والاتصال والمواصلات وتوطن الصناعات. من جملة هؤلاء نجد أساسا فيبر Weber 1909 الذي بنى نظرية عن التوطن الصناعي (مثلث التوطن الصناعي).
نموذج فيبر weber للتوطن الصناعي
السوق ؟
يعتبر الألماني والتر كريستالار W-Christaller 1933 أول جغرافي يضع نظرية للتوزيع المجالي الجغرافي للمراكز الحضرية وهي نظرية الأماكن المركزية (طور الاقتصادي الالماني اوغست لوش 1940 هذه النظرية).
يعتبر الألماني والتر كريستالار W-Christaller 1933 أول جغرافي يضع نظرية للتوزيع المجالي الجغرافي للمراكز الحضرية وهي نظرية الأماكن المركزية (طور الاقتصادي الالماني اوغست لوش 1940 هذه النظرية).
خلال نفس هذه الفترة، (النصف الاول من القرن العشرين)، ساهم اقتصاديون أمريكيون في بناء الأسس النظرية للجغرافيا الإقتصادية مثل رييي Reilly 1931 (قانون الجاذبية التجارية) زيف Zipf 1949 (التراتب الحجمي للمدن).
في سنة 1956 صاغ صولوو – ريتشاردسون Solow – Richardson))
نموذجا للتوطن السكني يدرس توطن السكن و توزع الأسر داخل المجال الحضري.
يمكن القول أن البحوث العلمية التي أنجزت بين سنوات 1820 و 1950 ساهمت بشكل غير مباشر في تكوين الأساس والقاعدة للنظريات المعاصرة للاقتصاد المجالي.
كان الانجلوسكسون هم من شكّل هذا التخصص في دراسة المجال لا سيما والتر ازارد وادغار هوفر. يعتبر والتر ازارد أب الاقتصاد المجالي ومؤسس علم الاقاليم خلال سنوات 1950.
تعتبر نماذج توطن الأنشطة الإقتصادية التي تعتمدها الجغرافيا الاقتصادية، دليلا واضحا على تأثير هذه العلوم في الجغرافيا الاقتصادية. وإذا كان بول كلافال قد ساهم بأعماله في انفتاح الجغرافيين (الفرنكفونيين خاصة) على التحليل الاقتصادي، فإن “جمعية علم الأقاليم باللغة الفرنسية” التي أسست سنة 1961 من طرف الاقتصاديين فرانسوا بيرو وجاك بودفيل ومعهما والتر إزارد، قد قلصت البون بين المقاربات الجغرافية والاقتصادية. وقد انفتح على ابعاد جديدة في التحليل المجالي واقترح تجديد الجغرافيا الاقتصادية عبر الاقتصاد المجالي.
مثلت هذه النظريات والنماذج قواعد لما سيتحول بعد الحرب العالمية الثانية الى علم الاقاليم والتحليل المجالي. ولد التحليل المجالي انطلاقا من فهم التمشيات التي تبرر التحكم في المجال. تطور التحليل المجالي خاصة منذ السبعينات من القرن العشرين كرد فعل على الجغرافيا التقليدية التي تهتم برسم وتفسير الظواهر الطبيعية والبشرية في مواقع حدوثها. هو مقاربة بحثية جديدة تعتمد على النماذج والقوانين العامة.
3- تبنّي التحليل المجالي في توطن الأنشطة الاقتصادية
يتم اعتماد التحليل المجالي في عدة مجالات علمية كالجغرافيا في توطن الأنشطة الاقتصادية. يهدف التحليل المجالي لتسهيل خرائطية مواقع الأنشطة، لتفسير كيفية ارتباطها، والإجراءات التي يجب اتخاذها. لذلك يسمح لك التحليل الجغرافي باكتشاف وفهم العلاقات والأنماط المجالية في بياناتك. منذ تعميم منظومات المعلومات الجغرافية (SIG)، أصبح للتحليل المجالي العديد من الأدوات لتفسير المكونات المجالية التي لوحظت أو لاقتراح محاكاة التنظيم المجالي. وبالتالي فهي تجعل من الممكن تعديل المكونات المجالية، وقياس العلاقات بين تلك المكونات وفقًا لتباعدها، وتحديد مكونات محددة أو حتى تقديم طرق عديدة للاستيفاء المجالي.
انطلاقا من عمل قام به سارج لووم Serge Lhomme في مؤلفه Introduction à l’analyse spatiale يبرز كيفية استعمال التحليل المجالي لتحديد مواطن تركز الأنشطة التجارية في إحدى المدن انطلق من فرضية نظرية لوجود عدة مدن في مجال متجانس ثم أعدّ مصفوفة ثم خوارزمية و في النهاية خلص للتمثيل الخرائطي لتموقع تلك الوحدات التجارية في المجال.
رغم تعدد أساليب وطرق البحث في توطن الأنشطة الاقتصادية، يبقى البحث الميداني والتحليل المجالي أفضل تلك الطرق لما يكتسيه من واقعية لأنه يعكس ترابط وتفاعل مكونات المجال وتكون نتائجه أنجع في تحديد المواقع الأفضل لتوطن الأنشطة الاقتصادية.
* أستاذ-باحث في الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة