*الخامنئي يُطالب عبد المهدي بإخراج القُوّات الأمريكيّة بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ.. ماذا لو رفَض ترامب وأصرّ على بقائها؟ *
هل هذا “التّحريض” من القِيادة الروحيّة الأعلى في إيران ضُوءٌ أخضرٌ لاستهداف هذه القوّات من الحشد الشعبيّ وفصائله وإجهاض زيارة الوفد السعوديّ لبغداد؟
عندما يحُث السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثّورة الإيرانيّة العِراق على إخراج القُوّات الأمريكيّة من أراضيه بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ أثناء استِقباله السيد عادل عبد المهدي، رئيس وزراء العِراق، فإنّ القِراءة الأوّليّة لهذا “التّحريض” تُؤشّر إلى احتمال أن نشهد مرحلةً من اللّجوء إلى أعمالٍ عسكريّةٍ لترجمة هذه المطالب عمليًّا على الأرض في حال رفضتها الإدارة الأمريكيّة، وأصرّت على البَقاء، وهذا أمرٌ غيرُ مُستبعد.
تتواجد في العِراق حاليًّا قوّات أمريكيّة يزيد تِعدادها عن 5500 جندي نسبة كبيرة منهم من الخُبراء و”المارينز″ (قوّات البحريّة)، إلى جانب أعدادٍ كبيرةٍ من “المُتعاقدين” الذين يُوفّرون خدمات مُتعدّدة لها، وعدد هؤلاء غير معروف حتّى الآن.
البرلمان العراقيّ اتّخذ قرارًا بالإجماع قبل ستّة أشهر تقريبًا يُطالب الحُكومة بضَرورة الطّلب من الإدارة الأمريكيّة سحب جميع قوّاتها، وإلغاء الاتفاقيّة التي تُضفي الشرعيّة على وجود هؤلاء، ولكن لم يتِم اتّخاذ أيّ خطوات للتّنفيذ على الأرض، وجرى “تجميد” هذه المسألة حتّى الآن على الأقل.
***
مع اقتراب موعد تطبيق المرحلة الثّانية من العُقوبات الأمريكيّة ضِد إيران في الثّالث من أيّار (مايو) المُقبل، تطفو مسألة وجود هذه القُوّات الأمريكيّة على السّطح مُجدّدًا، وكلام السيّد خامنئي ولهجته التهديديّة بضرورة سحبها أثناء زيارة السيد عبد المهدي، قد يكون إعطاء ضوءًا أخضر للفصائل المُوالية لإيران لاستِهدافها بعمليّات هُجوميّة في حال تحوّل حالة التّوتّر في العُلاقة الإيرانيّة الأمريكيّة إلى مرحلةٍ من التّصعيد بعد تطبيق المرحلة المَذكورة من العُقوبات التي تعني منع الصّادرات النفطيّة الإيرانية كُلِّيًّا.
العراق بات عُضوًا أصيلًا في محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، وبمُشاركة كُل من سورية و”حزب الله”، ورئيس هيئة أركان الجيش العراقي شارك نظيريه السوريّ والإيرانيّ في اجتِماعٍ ثلاثيٍّ في دمشق بهدف التّنسيق بين جُيوش الدول الثّلاث في حال حُدوث أيّ تصعيد أمريكيّ في سورية أو إيران في المُستقبل المنظور.
ما يُؤكّد هذه الحقيقة حجم الاتّفاقات والمُعاهدات التجاريّة التي وقّعها السيد عبد المهدي مع نظيره الإيرانيّ حسن روحاني وتضمّنت إنشاء ثلاث مُدن صناعيّة على الحُدود بين البَلدين، ورفع مُستوى التّبادل التجاريّ من 12 مِليار دولار حاليًّا إلى 20 مليار في الأشهُر المُقبلة، وإلغاء رسوم تأشيرات الدّخول لمُواطني البلدين، وتشديد السيد عبد المهدي بأنّه لن يسمح باستِغلال أراضي بلاده ضِد أيّ دولة مُجاورة، في إشارةٍ واضحةٍ إلى إيران.
كان لافتًا أن زيارة السيد عبد المهدي إلى طِهران جاءت بعد أيام معدودة من زيارة وفد سعودي ضخم يضُم 9 وزراء وأكثر من مِئة من الاقتصاديين ورجال الأعمال، حمل معه منحه ماليّة من العاهل السعوديّ يتمثّل مليار دولار لإنفاقها في مشاريع مُتعدّدة من بينها إقامة مدينة رياضيّة.
لا نعرف ما إذا جاءت زيارة السيد عبد المهدي ردًّا على زيارة الرئيس روحاني الذي زار العِراق قبل شهر والتقى المرجع الشيعيّ العِراقيّ الأعلى علي السيستاني إلى جانب المسؤولين العِراقيين، أم أنّها جاءت لطَمأنة القادة الإيرانيين من أيّ أخطار لزيارة الوفد السعوديّ التي تهدِف إلى إبعاد النّفوذ الإيرانيّ في العِراق في ظِل التّنافس الحاد بين الرياض وطِهران، لكسب قلب العِراق والعِراقيين، ومُحاولة تعزيز الهُويّة العراقيّة العربيّة، ولكن ما نستطيع استنتاجه من خِلال هذا التّسابق المحموم أن القيادة العراقيّة باتت في “حرجٍ” طابعه التّشتت، وأنّ مُحاولتها لخلق توزان بين الجارين السعوديّ والإيرانيّ ليست عمليّةً سهلة الإنجاز ومحفوفة بالمخاطِر.
أن يُوقّع السيد عبد المهدي اتّفاقات بتعزيز التّعاون مع مُضيفه الإيرانيين في مجالات النّفط والغاز، وإقامة ثلاث مُدن صناعيّة كُبرى، فهذا يعني أن العراق لن يلتزِم بأيّ عُقوبات أمريكيّة ضِد إيران، ولن يقِف مع واشنطن في حال حُدوث مُواجهات عسكريّة.
***
تصريحات السيد خامنئي ليست رسالة الى أمريكا تُفيد بأنّ هُناك أوراق ضغط إيرانيّة يُمكن تفعيلها في العِراق وغيره، وإنّما هي أيضًا تهديد باستهداف هذه القوّات لإجبارها على الرّحيل فيما هو قادم من أيّام، وخلوّ العِراق من أيّ قوّات أمريكيّة بالتّالي، وهو البلد الذي استثمرت أمريكا فيه أكثر من ستّة ترليون دولار لبقائِه حليفًا تحت الخيمة الأمريكيّة، فجاءت النّتائج عكسيّةً تمامًا.
الصّراع على العِراق يتصاعد بين إيران وأمريكا، ودخول السعوديّة على الخط لا يُمكن أن يأتي عفويًّا، ومن غير المُستغرب أن يكون بطلبٍ أمريكيٍّ، وفي إطار التّمهيد لحربٍ ربّما تكون وشيكةً، محدودةً أو مُوسّعةً.. واللُه أعلم.