البعض يرى ان المنطقة مقبلة على حرب وخاصة مع التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة ضد إيران ومحاولة تحشيد الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه التحديد الى جانبها والنباح الذي تصدره هذه الدول بشأن الضربة التي وجهت الى سفينة مملوكة لمياردير صهيوني في بحر عمان والتي تلتها مسرحية فاقعة من خطف 9 مسلحين لسفينة لبضعة ساعات في الجانب الاماراتي وانتهت “عملية الخطف” بترك الخاطفين السفينة وكأن شيئا لم يكن دون إعتقالهم أو التحقيق معهم وانتهت المسرحية.
الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم يكف نباحها على إيران والخطر النووي الايراني والدور الايراني في المنطقة وبرنامج الصواريخ الباليستية. ومنذ تسعينات القرن الماضي ونحن نسمع نفس الموال وعلى أن الكيان الصهيوني” لن يسمح” لإيران ان تمتلك سلاحا نوويا وعلى ان الكيان المسخ سيقوم بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية. ولقد صرفت مئات الملايين من الدولارات أيام نتنياهو عندما كان رئيسا للوزراء وعلى مدى اكثر من عقد من الزمان تخصيصا لهذا الغرض وقامت الطائرات القاذفة الاسرائيلية بالتدريب وبالتنسيق مع الناتو في اليونان وإيطاليا في مناطق جغرافية تحاكي الجغرافيا والتضاريس الايرانية. والان مع قدوم المستوطن الجديد نفتالي بينت لترأس الحكومة الجديدة التي مصيرها على “كف عفريت” كان من الطبيعي ان نسمع نفس النغمة وذلك على الاقل لثلاثة اسباب.
اولهما هو إظهار ان الحكومة الجديدة ليست أقل عداء لإيران من المجرم السابق نتنياهو حتى تبعد عنها المناكفات والمزايدات السياسية في الكنيست بهذا الموضوع مع نتنياهو شخصيا الذي يحاول إظهار هذه الحكومة انها ضعيفة ومترددة ولم تفعل شيئا حيال “التهديد” الايراني وعلى ان إيران ستمتلك السلاح النووي خلال بضعة أشهر وأن هذا يشكل تهديدا “للامن القومي الاسرائيلي”.
والسبب الثاني هو محاولة الابقاء على هذا الملف حيا بالنسبة للكيان الصهيوني وذلك لعملية الابتزاز المستمر للولايات المتحدة على وجه التحديد للحصول على مزيد من المساعدات الاقتصاديةوالعسكرية وتزويد الكيان بأحدث الاسلحة التي تنتجها الصناعات العسكرية الامريكية. وهو بمثابة إختبار للادارة الجديدة والى اي مدى يستطيع هذا الكيان ترويض الادارة الجديدة وإبتزازها بعد إدارة ترامب التي منحت ودعمت الكيان بشكل لم تعهده من الادارات السابقة سواء في مجال الاستيطان ونقل السفارة الامريكية الى القدس وصفقة القرن ورعاية وفرض عمليات التطبيع العلني مع النظام العربي الرسمي وخاصة الخليجي منها وضم الجولان السوري وقطع المعونات الامريكية المقدمة للانروا …الخ.
أما السبب الثالث فيكمن في محاولة الحكومة الجديدة استعادة ما فقدته “اسرائيل” من سمعة في الساحة الدولية وخاصة على المستوى الشعبي والجماهيري والذي تصاعد أثناء عدوانها الهمجي على قطاع غزة الذي ذهب ضحيته عشرات الشهداء من الاطفال بالقصف العشوائي من طائرات العدو مع تصميم واضح بقتل اكبر عدد ممكن من السكان المدنيين وإحداث أكبر تدمير ممكن للبنى التحتية والمساكن الشعبية. هذا بالاضافة الى سياسة التهويد والتطهير العرقي كما تجلت بابشع صورها في مدينة القدس الشرقية التي احتلت عام 1967 . لم يشهد الكيان الصهيوني ومنذ إقامته عام 48 مثل هذه الفضائح التي كانت تنقل مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي الى جانب الضغوط الشعبية العالمية عليه وظهور العديد من المثقفين والكتاب والعلماء والفنانين والسياسيين اللذين وصموا هذا الكيان بانه عنصري على غرار النظام العنصري في جنوب افريقيا على زمن الابراتهياد. وتصاعدت دعوات المقاطعة السياسية والاقتصادية لنظام الابرتهايد الذي تعرى أمام العالم قاطبة وخسر حربه الاعلامية التي حاول من خلالها وعلى مدى اكثر من سبعون سنة ان يظهر بمظهر المدافع عن نفسه وانه “واحة الديمقراطية” في الشرق الاوسط وانه المكان الامن ليهود العالم. الكيان الصهيوني يأمل من خلال النباح حول الخطر الذي تشكله إيران ومحاولة تحشيد الدول الغربية على وجه الخصوص ضدها أن يصرف الانظار عن العمليات العنصرية المجرمة لهذا الكيان خاصة تلك التي يقوم بها في الاراضي الفلسطينية المحتلة وعن وجهه القبيح الذي رأه العالم على حقيقته.
الكيان الصهيوني يسعى الى الاستثمار السياسي لحادثة ناقلة النفط المملوكة للملياردير الصهيوني وكذلك في حادثة “إختطاف السفينة” التي تلتها والتي لا تخرج من انها مسرحية فاقعة بكل المقاييس. والكيان الصهيوني وجيشه “المغوار” يدرك تماما انه لا يقوى على ان يشن حربا عسكرية مفتوحة ضد إيران وحتى لو أعطي غطاء أمريكيا للقيام بذلك ونحن في تقديرنا المتواضع ان هذا لن يتم وأيضا للعديد من الاسباب وربما من أهمها:
اولا: أن أولويات الادارة الامريكية الجديدة هي صراعها مع الصين وروسيا كدولتين صاعدتين على الساحة العالمية إقتصاديا وعسكريا. هذا الصعود الكاسر لأحادية القطب في النظام العالمي التي تمتعت به الولايات المتحدة منذ انهيار المنظومة الاشتراكية التي تلت أنهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته. الهيمنة والسيطرة والتسلط الامريكي على الساحة الدولية بدأ بالانهيار ويكفي ان نرى ما دار ويدور في مجلس الامن الدولي لنرى فرملة العربدة الامريكية تجاه العديد من الدول مثل سوريا وفنزويلا وكوبا وإيران وغيرها. أمريكا في هذه المرحلة في مرحلة انحسار نسبي عن المنطقة للتفرغ لمجابهة الصين في بحر الصين الجنوبي وتايوان والخط التجاري “طريق الحرير” الذي يسعى لربط دول العالم تجاريا وإقتصاديا الى جانب مجابهة روسيا ومحاولة إحتواءها من خلال تطويق روسيا الاتحادية بقوات امريكية كما هو حاصل في أوكرانيا وبولندا ولنشر مزيد من القواعد الصاروخية في الدول الاوروبية وفرض عقوبات إقتصادية عليها. بمعنى ان أولويات الولايات المتحدة ليست بالضرورة هي أولويات الكيان الصهيوني والذي يشكل حقيقة ولاية من الولايات الامريكية بالرغم من بعده الجغرافي.
وثانيا: أن إيران ليست العراق عام 2003 ولا افغانستان عام 2001 حين قامت الولايات المتحدة بتدمير البلدين وأرجعت العراق الى العصر الحجري وانتهت الحرب سرعان ما بدأت ودخلت القوات الامريكية الى العاصمة بغداد بعد تدمير الجيش العراقي ومعداته العسكرية دون اية مقاومة تقريبا اللهم الا من جيوب هنا وهناك, وهي بالتاكيد ايضا ليست ليبيا عام 2011.إيران تمتلك قدرات عسكرية كبيرة وتمتلك من الصواريخ الباليستية الدقيقة ما يكفي لتدمير الكيان الصهيوني الذي في مساحته يعتبر ربما محافظة من المحافظات الايرانية. وإذا لم يقوى هذا الكيان عام 2006 على المقاومة اللبنانية التي بقيت تطلق الصواريخ في إتجاه فلسطين المحتلة لغاية آخر دقيقة قبل وقف إطلاق النار الذي طلبه الكيان وليست المقاومة اللبنانية, ولم تستطيع القبب الحديدة الامريكية تدمير العديد من الصواريخ التي اطلقت من غزة فكيف له ان يتعامل مع إيران وقدراتها العسكرية الهائلة. نحن لا نبالغ نعلم ان امريكا لديها قدرات هائلة ستؤدي الى تدمير هائل في ايران إذا ما دخلت في الحرب مع الكيان الصهيوني او بالاحرى إذا ما دخلت الحرب بالنيابة عن الكيان الصهيوني ولكن في المقابل فإن ما تمتلكه إيران قد يعرض هذا الكيان الى خطر وجودي حقيقي كما وانه سيعرض حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين الى خطر حقيقي.
ثالثا: الجميع أصبح مدركا ان الحرب مع إيران أو اي إعتداء عسكري عليها أنها لن تكون لوحدها في الميدان . فمحور وجبهة المقاومة بأكمله سيكون حاضرا في المعركة وهذا من شأنه أن يشعل الحرب في كل المنطقة وربما تمتد الى خارج المنطقة. الحرب في حالة نشوبها ستشكل خطرا وجوديا على الكيان الصهيوني هذا الخطر قد اشار اليه الكثير من المحللين السياسيين ومنهم من داخل الكيان. هذا بالاضافة الى ان منطقة الخليج لن تكون بمنأى عن هذه الحرب. هذه المنطقة التي يعتمد على إمدادات نفطها وغازها الطبيعي المسال إقتصاديات دول العالم بأكمله, هذا الاقتصاد الذي ما زال يترنح منذ ان ظهر فيروس كورونا قبل اكثر من عام للان.
رابعا: الوضع والمناخ الدولي وموازين القوى على الساحة العالمية مختلفة بالكامل عن تلك عندما غزت القوات الامريكية العراق وأفغانستان. وإيران ليست معزولة عالميا ولها من الاصدقاء والحلفاء وخاصة الصين وروسيا اللذين لن يسمحا بتدميرها اولا لأن هذا يشكل تهديدا للسلام العالمي وتعدي واضح وسافر على القوانين والاعراف الدولية وثانيا لان لهم مصالح جمة مع إيران سواء إقتصادية او سياسية وأستراتيجية. ويكفي ان نذكر هنا من ان الاتفاقيات الاستراتيجية التي وقعت مع الصين مؤخرا بشقها الاقتصادي فقط تبلغ ما قدر 400 مليار دولار على مدى سنوات. فهل يعقل ان تترك الصين أو تسمح بتدمير استثماراتها في إيران؟
خامسا: وحتى لو إفترضنا وجود نية حقيقية في شن عدوانا عسكريا مباشرا على إيران يبقى السؤال هل الجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني متحضرة لمثل هكذا حرب؟ كل الدلائل على ارض الواقع والتحليلات من داخل الكيان تشير الى ان الجبهة الداخلية غير مستعدة لتحمل نتائج الحرب فيما إذا اندلعت بالرغم من كل التدريبات على عمليات الاخلاء ونقل السكان وبناء الملاجىء …الخ. وقد ظهر هذا جليا وكتب فيه عدد من المقالات أثناء العدوان على غزة. إذا كان هنالك خلل وعدم تحمل 11 يوما من حرب محدودة على قطاع محاصر ومراقب على مدار الساعة بحرا وبرا وجوا فماذا سيكون الحال إذا ما نشبت حربا إقليمية فعلا؟
رئيس وزراء الكيان الصهيوني صرح مؤخرا وربما تمهيدا لزيارته المرتقبة القريبة الى الولايات المتحدة على انه ” يجب على الايرانيين ان يفهموا بأنه لا يمكن الجلوس بكل راحة بطهران وإشعال الشرق الاوسط بأسره من هناك فهذا الامر قد انتهى”. وعلى ان جيشه يتحضر لشن حربا هجومية على إيران حتى لو استدعى الامر ان يقوم جيشه بمفرده. نقول سمعنا هذا الكلام وربما اقوى منه منذ تسعينات القرن الماضي وللان ولم نجد ولن نجد اي فعل على الارض سوى عمليات بسيطة هنا وهناك. نعم أنها تدخل ضمن الحرب على إيران ولكنها عمليات محسوبة خوفا من إندلاع حربا واسعة حقيقية يمكن ان تنذر بزوال دولة الكيان الصهيوني وإقتلاع هذه الغدة السرطانية من المنطقة نهائيا.
نستخلص ونقول ان التهديدات الاسرائيلية والامريكية والبريطاني ما هي الا زوبعة في فنجان تريد من خلالها تغيير معادلات وقوانين الاشتباك الجديدة التي فرضتها إيران على العدو الصهيوني. ولكن هذا لا يمنع التنبه والتحضير من قبل محور المقاومة لاي تهور وحماقة قد ترتكب من جيش الكيان الصهيوني.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني