لمن سأصوت…للأجدر…بقلم الرصافي المقداد

 لمن سأصوت…للأجدر…بقلم الرصافي المقداد

لم أكن أتصور أن تصل الانتخابات في تونس، الى هذا الحد من السقوط والتدني، لا من جهة عدد من المترشحين الذين لجأ منهم من لجأ، الى ركوب دابة الانتخابات، لأسباب شخصية متعلقة به، دون أن يكون همه الوطن والعمل في سبيل إنجاحه، ولا من عزوف الناخبين عن أداء واجبهم الانتخابي، في اختيار الأشخاص الاكثر كفاءة، ليحسن تمثيلهم في البرلمان، من اجل السهر على حقوقهم، ولم أكن أتوقع أن تسفر على نتائج مفزعة، وغير منطقية كالتي حصلت في معظمها، ويتحمل تبعاتها ونتائجها هذا الشعب بشقيه، من صوت للمافيا والمفسدين، والهاربين من القضاء والعدالة، الى الحصانة البرلمانية والحكومية والرئاسية، ولمن لم يصوت اصلا، متبرئا من تحمل مسؤولية، هي بطبعها ملقاة على عاتقه، سواء تقدم ليدلي بصوته او تأخر، ممتنعا عن القيام بذلك الواجب، فهو في كلتا الحالتين، احسن او أساء او تخلف، صاحب مسؤولية في فشل سياسة البلاد او نجاحها، بل هو طرف أساسي في عملية حسن اختيار أهلها، ومتابعتهم عبر نواب الشعب.

مفارقة هذه الانتخابات، أنها جرت في أجواء مشحونة بتنافس غير نزيه، ظهرت فيه بصمات المال السياسي، من لوبيات الداخل، وما يسمى بالحكومة العميقة، والاملاءات الخارجية باختلاف جهاتها الغربية والخليجية، وأسفرت في التشريعية، على فوز الفاشلين والفاسدين، لتدخل تونس من جديد، في خمس سنوات عجاف أخرى، يباع فيها ما بقي لم يبع من مكاسبنا، نعم لقد نجحت اللوبيات والمافيات من بقايا النظام البائد واعداء الثورة، ومع ذلك، امكن لشرفاء الوطن ان يجدوا موطئا معتبرا في البرلمان، ويحققوا تقدما ملحوظا في اطمئنان فئات من الشعب اليهم، بالمقارنة مع الانتخابات الفارطة، وهذا ما يدعو للتفاؤل بمستقبل الوعي الشعبي في النضال السياسي، وفهم الساحة الداخلية، وحسن التعامل مع عناصرها الايجابية.

الا ان المفارقة التي لا تقل خطرا، تتمثل في الدور الثاني من الانتخابات، حيث سيكون مرشحيه، شخصيتان متناقضتان تماما، رجل قانون يحمل رؤى جدية، وبرنامجا وطنيا حقيقيا، مبني على مبادئ اساسية، تستعيد بها تونس كرامتها وحقوقها، تفتك فيه استقلالها الحقيقي، من قوى الاستعمار الغربي فرنسا امريكا بريطانيا، وتخرج من دائرة العمالة لهؤلاء، وعملائهم في الخليج.

وشخصية مثيرة للجدل، متهمة بعديد التهم، كتبييض الأموال، والتهرب الضريبي، والعلاقات المشبوهة مع المافيا، والصهاينة، فضلا على تورطه في تبييض شخصيته، في المناطق المهمشة والمحرومة، ببرنامجه (يرحم خليل) الذي ركبه، ليصل به إلى مستوى مخادعة المواطنين بالمواد الغذائية، والأدوات المنزلية المستعملة، والتي غالبا ما يتبرع بها وبالاموال العينية، مواطنون انطلت عليهم حيلة المافيوزي نبيل القروي.

ولئن طويت صفحة التشريعية بسلبياتها وايجابياتها، فاننا نقف اليوم أمام استحقاق انتخابي، لا يقل أهمية عنها، وهي الرئاسية في دورها الثاني، والتي ستسفر عن انتخاب رئيس للبلاد، سيختاره الشعب، ليكون الساهر الأمين على حظوظنا، والوجه المشرف لتونس في العالم، فهل يعقل أن ينتخب الشعب مافيوزيا؟ وهل وصل بنا الأمر إلى حد عدم التمييز بين الرجلين أيهما الأكفأ؟

من هنا أدعو أبناء شعبنا العزيز الى تحمل مسؤولياته، في هذه المناسبة الفارقة من حياته السياسية، وقد داهمها خطر العبث السياسي، وركبها من لا وطنية ولا مبادئ لهم، تمنعهم من بيع البلاد للاجنبي، وتردعهم عن التلاعب بمستقبل اجيالنا، التي تعيش اليوم حالة من الضياع، وفقد السيطرة على حظوظهم، ادعوهم بكل حرارة هموم الوطن، الى اختيار الأستاذ قيس سعيد، لأنه الاكفأ كرجل قانون، وخبير بكل تفاصيله، نظيف للسيرة واليد والعقل، ومن اوساطنا الشعبية، يكفيه رجاحة عقل، انه لم يأخذ مليما واحدا لدعم حملته الانتخابية، فيما سمح له به القانون الانتخابي، وعبر لأول ومرة في تاريخنا السياسب، انه لن يسكن قصر قرطاج، وسيستعمله فقط في أداء وظيفته الإدارية، ليعود إلى بيته عند انتهاء دوامه.

يكفي قيس سعيد كفاءة ورجولة ونبلا، انه سيحارب الفساد بحق، وليس مجرد شعار، كما سبقه من رفعه، وسكت عنه لتورطه فيه.

ويكفي قيس سعيد وطنية ومبدئية، انه قال: ان التطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة عظمى، بما معناه ان تونس ستكون قلبا وقالبا مع اختها فلسطين، ولا تنازل عن القضية االفلسطينية، التي تتآمر عليها الان احزاب أصبحت معلومة لدى الجميع، كنا نعتقدها من قبل في محنتها ملتزمة بها، وحكام عرب رضخوا لاوامر امريكا والغرب.

ومن العار علينا كشعب، ان نترك استاذ القانون ومدير له ظهورنا فلا نتتخبه، ونصوت لمن ملفه مليء بالتجاوزات القانونية بحق البلاد، لذا يجب علينا أن نستعيد زمام المبادرة، ونأخذ بأيدينا خياراتنا، فلا نتلاوم بعدها على التفريط فيها، بقيت لنا فرصة أخيرة لتعديل الكفة قبل الانخراط في خمس سنوات اخرى من الضياع.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023