بقلم: محمد بن عمر |
لم يفاجئنا البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية التونسية، وتحديدا وزيرها خميس الجهيناوي، صاحب الباع والذراع في العلاقة مع الكيان الصهيوني، منذ ان كان رئيسا لمكتب العلاقات في تل ابيب، لأننا تعودنا على هذا النمط من الانبطاح، ومسايرة أهل الباطل، على حساب حقوق شعوب أخرى، كالشعب الفلسطيني واليمني. فما أصدرته الخارجية ببلادنا الى حد الان، يعكس ارتهان حكامنا الطوعي في مسار دول الخليج، مع ما ابتلينا به أساسا من تبعية للغرب – تحديدا فرنسا وأمريكا – ويراه كل منصف وصمة عار تتكرر كل في بلاغ، ما فتئت تلحقنا من وزارة الخارجية في كل بلاغ يخرج منها، ارضاء للسعودية والامارات، المعتديان الاساسيان على اليمن ارضا وشعبا وشرعية ثورية، يراد منع حكومتها من استكمال استحقاقاتها الثورية.
وفي بيان سابق صادر عن الوزارة، مجاراة للدعوى الكاذبة التي أطلقها النظام السعودي بشأن استهداف مكة بصاروخ بالستي، تحريضا منه على حركة انصار الله التي تقود حركة الثورة والتغيير في اليمن، وتهافت الدول المناصرة له بالتأكيد عليه، بخصوص الشأن اليمني، جاء بدوره تطييبا لخواطر حكام الحجاز، الذين ورطوا أنفسهم في العدوان على اليمن، وجمعوا له جمهم الباطل، وما انفقوه من أموال طائلة، تفوق مئات مليارات الدولارات، من أجل إخضاعه للمشيئة الامريكية الصهيونية، يكفي لحل المشاكل الاقتصادية ومديونية الدول العربية والاسلامية مجتمعة. وزارة الخارجية التونسية، اعتبرت استهداف ناقلتي نفط سعوديتين تصعيدا خطيرا، وتهديدا صريحا لأمن وسلامة الملاحة الدولية، وحركة التجارة العالمية، وعملا يعرّض الأمن الإقليمي للخطر، ويعيق الجهود المبذولة، من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية، وإعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق. التفتت الوزارة الى هذا الاستهداف، ولم تلتفت الى الجرائم التي ارتكبتها السعودية والامارات كل يوم، بمعية قوى تحالفها السيء الذكر على اليمن، باستهدافه المتعمّد لكل ما هو مدنيّ أودى بحياة آلاف الاطفال والنساء والشيوخ، وقد أبيدت عائلات يمنية بأكملها، من جراء ذلك، في بيوتهم واسواقهم وسيارات نقلهم واسعافهم، وحتى حفلات زواجهم، ووصل الأمر أخيرا، الى قصف خزانات المياه التي لم تسلم بدورها من قصف طيران العدوان.
خميس الجهيناوي عمي عما يجري في اليمن، فلم يلتفت يوما من 1215 يوما من بدء العدوان، الى شيء مما حصل فيها من انتهاكات صارخة، فلا قتلى غارات طيران التحالف السعودي من النساء والاطفال – الذين فاق عددهم العشرة آلاف ضحية – حركت فيه مشاعر الانسانية، ولا استهداف الاحياء السكنية والمدارس والمشافي والاسواق والمرافق الحيوية للمدن، وسارع للمرة الثانية، للتنديد بممارسة اليمنيين حقّهم المتبقّي في الدفاع عن النفس، وكأني به واثق تماما، بأن ما ترتكبه قوات التحالف السعودي في عدوانها على اليمن حق لها، سوف تخضع له اليمن حكومة ثورية شرعية وشعبا، يمن مظلوم من أهله قبل الاغراب، لم يعد له من خيار متاح أمامه، سوى استعمال كل وسائل الدفاع عن النفس، لإبعاد هذا البلاء الذي ركبه أشقاؤه، وعبّروا فيه عن عداء لا مثيل له. وزير خارجيتنا تجاهل ايضا الاوضاع الانسانية الكارثية التي تعرض لها اليمنيون جراء العدوان والحصار، وكأني به وزيرا خارجا عن سياسة الحياد، والنأي بالنفس التي عرفت بها ظاهريا السياسة الخارجية التونسية، مؤتمرا بأمر الوزير السعودي الجبير، وهي استجابات لا تخلو من أثمان، تقدمها السعودية عادة في شكل هدايا ذات قيمة معتبرة. وأعتقد أن وزير الخارجية الذي امضى على هذا البلاغ- ولا أشك قطعا في أنه صدر ارضاء للنظام السعودي كما جرت عليه عادة الحكومة – سيكون عند دحره بتحالف شرّه عن اليمن، وانتصار أهله على أكبر مؤامرة عرفها تاريخه، بعيدا عن وزارة الخارجية، في حال سقوط حكومة يوسف الشاهد، حينها لن يهمه من أمر الوزارة شيء، وتبقى التبعة فيما صدر منه ومنها على الشعب التونسي، وما سيترتب عليه تقديم اعتذار لليمنيين، عن سياسات حكومته الخاطئة، قد لا يكون مقبولا، في حال ما اذا كان هناك تورط آخر لا نعلمه في مستنقعه، عندها لا نملك الا أن نقول يا خيبة المسعى.
لذلك أقول، اننا نرفض أن تكون السياسة الخارجية لبلادنا، مركبا لمن يعطي أكثر، وتعبيرا عن مواقف دول – متخلفة عنا تاريخا وثقافة ومكانة بين الدّول – اثبتت أنها متورطة بشكل سافر، في دمار سوريا والعراق واليمن وليبيا، وقد تطول القائمة، إذا ما استمرت المجاملات السياسية المدانة بكل المقاييس، اذا لم ينتبه الشعب التونسي الى المخاطر التي تحدق به من كل جانب، جراء مجاراة السياسات العدوانية، التي تمليها عادة القوى الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا. نريدها سياسة خارجية تونسية، تستشرف الاحداث وتعطي كل ذي حق حقه، ولا تتسم بالتواطؤ مع اي معتد، مهما كانت درجة استقوائه وتأثيره، تحترم أواصر الاخوة في العرق والدين، ولا تقدم مصلحة زائلة على مبدأ ثابت.