بقلم: فوزي حساينية – كاتب جزائري |
– من الأمانة والواجب أن أوضح من البداية أنني كتبتُ هذا المقال المُوجز مع بداية تقديم ملفات الترشح للإنتخابات الرئاسية في الجزائر التي جرت يوم 12ديسمبر2019 وأرسلته في حينه إلى بعض الصحف الجزائرية التي لم تنشره، ولأنَّ العهد لم يبعد بنا بعد عن تلك الانتخابات الرئاسية التي بالكاد مرَ عليها ستة أشهر فإنني أعتقد أن ما ورد في هذا المقال لا يزال صالحا في مضمونه، فالجزائر في حاجة إلى الكثير من الجهد والصدق حتىَّ تكون قادرة على مغادرة المآزق التي سِيقتْ إليها طوال السنوات الماضية، وهذا هو نص المقال:
بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن التحدي الرئيسي من بين تحديات أخرى عديدة، سيتمثل في وضع وإيجاد نمط جديد لتسيير الشأن المحلي، لكن ذلك سيكون أمرا بالغ الصعوبة ومستبعدا ما لم ينجح الرئيس القادم في تطهير الإدارات المركزية ( مثل الوزارات والدواوين الوطنية ) من مليشيا الفساد والجهوية، وعصابات التحكم في المواقع الأساسية المعنية بتسيير الموارد البشرية في الجزائر.
– وعليه فإن إحدى الخطوات الأساسية التي سيكون الرئيس القادم مطالب بها هي وضع معايير جديدة “للاستوزار”، أعني معايير سياسية وأخلاقية، يجب توفرها وفرضها فيمن سيكون مرشحا لمهمة وزير، إذ لا يوجد منصب أُسترخص وأُهين، وفقد رمزيته في الجزائر طوال السنوات الماضية مثل منصب ” وزير ” الذي صار متاحا أمام المرتشين والفاسدين، والانتهازيين والأشخاص ذوي الضمائر المُضمحلة، والمشهورين بالإعاقة الأخلاقية.
علما وأن تولي وزارة معينة هو في الأصل ” مهمة ” وليست منصبا، لكن في الجزائر وبحكم الاحتكار والمصالح الخاصة، وغياب المؤسسات والمحاسبة، وتواطؤ الأحزاب على الفساد، تحولت مهمة وزير التي هي في الأصل مؤقتة، إلى منصب دائم، إذ يوجد وزراء بقوا في مسؤولياتهم لما يقارب العشرين سنة، مما حول هذه الوزارات إلى أوكار حقيقية للفساد، وزارات تحولت إلى إدارات دشروية يحكمها ويهيمن عليها أبناء هذه المنطقة أو تلك، بل إن العديد من الوزارات تحولت إلى ما يشبه المؤسسة العائلية، إذ يقوم الوزراء، بمنح المناصب الأساسية في هذه الوزارات إلى أقاربهم وأصهارهم دون أن تتصدى لهم أية جهة تشريعية أو إدارية أو سياسية ! والصادم حقا على المستويين السياسي والأخلاقي بنوع أخص أن عددا من هؤلاء الوزراء قد عبروا وبكل وقاحة وجرأة لا أخلاقية عن رغبتهم في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، رغم أنهم وعلى مدار السنوات الماضية كانوا جزءً لا يتجزأ من النظام البوتفليقي، وأعربوا عن دعمهم المطلق للعهدة الخامسة التي أسقطها الحراك الشعبي العظيم..
– وبالفعل، لا يوجد بلد في العالم شهد كل هذا العدد الهائل من الوزراء المرتشين والفاسدين في ظرف عشرين سنة الماضية كما حدث في الجزائر، فأكثر من 760 وزيرا أُبتليت بهم مختلف القطاعات في الجزائر، ولا يوجد في الواقع مبرر لوجود أغلبهم على رأس مختلف الوزارات إلا عوامل الجهوية والفساد والقرابة…إلخ وما ينطبق على الوزراء، ينطبق حرفيا على منصب الأمين العام بمختلف الوزارات، فطوال السنوات الماضية، كان واضحا أن منصب الأمين العام بهذه الوزارة أو تلك هو مركز ومحور الرذائل السياسية والادارية، وهو ما يفسر احتكار منصب أمين عام بمختلف الوزارات لنفس الجماعات المُتنفذة والفاسدة، وأكثر ما كان يثير غيظ ملايين الجزائريين وسخطهم هو أن العديد من الوزراء وبعد أن يقضوا سنوات طويلة على رأس عدد من الوزارات أين يتسببون في تكريس أنماط مخزية من الفساد، ويُلحقون أضرارا فادحة بمختلف القطاعات، كان يجري تعيينهم مباشرة أعضاء في مجلس الأمة الذي تحول لفترة طويلة من الزمن إلى مأوى لتوفير الحصانة البرلمانية لكبار الفاسدين والمرتشين، وهذا هو سر كراهية غالبية الجزائريين لمجلس الأمة ومطالبتهم بحذفه من قائمة المؤسسات الدستورية في أي تعديل قادم لدستور الجمهورية.
– ستظل الجزائر تعاني من سوء التسيير، والتخلف، والعجز، إلى أن يتم فتح هذه المناصب- وما يرتبط بها – أمام مختلف الإطارات بكل شفافية، وعلى أساس الكفاءة والنزاهة، ومع الاحترام الصارم لمبدأ تكافؤ الفرص، أما في ظل الوضع الراهن الذي تحتكر فيه مجموعة صغيرة من الأشخاص حق التعيين، وحق شغل هذه الوظائف ” السامية ” كأداة أساسية لتوزيع الريع، والامتيازات غير المشروعة، والتي جرى شرعنتها بطريقة غير قانونية، فإن الوضع العام للبلاد، سيتجه نحو مزيد من الفساد والتعفن، وسيتراكم مزيدا من السخط والغضب، مهما كانت جهود بعض المخلصين لإنقاذ الوضع، والحيلولة دون مزيد من التدهور، لأن المشكلة الأساسية التي تواجهها الجزائر اليوم هي غياب البديل القوى والواضح والمقنع، وهو الغياب الذي لا يبدو أنَّه سيعالجُ قريبا….