كمين الطيونة الذي ارتكبه مجرمون محترفون، في عالم القتل بدم بارد، ذكّرنا بقناصة ثورات الربيع العربي الذين لم يعثر لهم على أثر إلى اليوم، كفص ملح ذاب في الطعام، وسط حالة من الانتشاء الجماهيري، فرحا بسقوط انظمة فاسدة وعميلة، لكنّه بحمد الله ويقظة رجال الله انكشفت المؤامرة بكامل تفاصيلها من انخرط فيها ومن يقف وراءها داخليا وخارجيا.
الفاعل جهة داخلية واحدة هي الكتائب، بقيادتها وعناصرها وتاريخها أسوأ من أن يذكر، بجرائمها التي طالت الفلسطينيين أوّلا في مذبحة صبرا وشاتيلا …. وهي منذ مدّة تعمل على تنفيذ مخطط أمريكي صهيوني، يسعى إلى تحييد حزب الله من المواجهة، وبنزع سلاح مقاومته، ويبدو أن هذه العناصر المتآمرة، وبدافع تأصّلها في الإنحطاط البشري، لم يعد لها ما يمنعها من تنفيذ جرائم بحق شرفاء لبنان، وهي تعتقد بانحطاطها بأن ميزان العمالة راجح على ميزان الوطنية.
وليس كمين الطيونة عملا منعزلا عما سبقه من إعداد لتوريط المقاومة اللبنانية ممثلة أساسا في حزب الله، الذي دفع أعداءه إلى اتهامه أولا باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في محاولة لنزع سلاح الحزب وتقديم قياداته للمحاكمة وحظره حتى سياسيا، لكن الإتهام الذي أُلّفت فصوله صهيونيا وأمريكا، لم تكن له مرتكزات صحيحة تدين حزب الله، فذهبت التحقيقات والمحاكمات السياسية أدراج رياح الفشل الأمريكي الصهيوني في إدانة الحزب بعملية الإغتيال تلك.
وكلما تقدّم هذا الحزب الإسلامي والوطني – الخادم لقضايا وطنه وأمّته – في تطوير آلياته وأساليبه الدفاعية، كلما ارتفعت أصوات نشاز خارج إطار محور المقاومة، تدعو إلى نزع سلاح الحزب، كضمانة لأمن لبنان، وحصره فقط بيد الدولة اللبنانية، ممثلة في الجيش والأمن اللبناني، وبمعنى آخر إعادة لبنان مجددا، لتكون مهيعا ومرتعا لعربدة الجيش الصهيوني، يقتحم حدودها متى ما بدا له، وتغزوها قواته كلما دعته حاجة إلى ذلك.
وحادثة الطيونة ليست بمعزل عن حادث مرفأ بيروت المدبّر، بل هي مندرِجة في إطار واحد الإعداد والتمهيد لخلق أجواء شبيهة بالحرب الطائفية التي اشتعلت بلبنان ذات سنة 1975 واستمرّت حتى 1990، (1)وكادت تنهي الدّولة اللبنانية، وبالتالي فإنّ الحادثة الاجرامية المخطط لها أمريكيا وضع لبنان تحت طائلة البند السابع لمقررات مجلس الأمن الدولي(2)
يبدو أن عملاء أمريكا لم يستوعبوا درس افغانستان، بتخلّيها عن عملائها هناك وخروجها السريع ليس لضعف منها، ولكن لخطة قامت بتغييرها، بالاعتماد على أدوات أكثر منها قذارة، بإمكانها أن تنفّذ جرائما اقسى دون أن تكون لها تبعات على ذلك….
وأمريكا التي تدّعي المدنية والدفاع عن حقوق الانسان، وتطلق صفات الإرهاب على الحركات الوطنية وخصوصا حركات مقاومة العدوّ الصهيوني، وفي المقابل تؤسس لاستدامة إرهاب تكفيري وآخر فتنوي، لفرض واقع معاكس لتطلعات الشعوب في الحرية والكرامة، وتزرع عملاءها في جميع دول العالم، ويستأثر العالم العربي والإسلامي بنصيب الأسد في أعداد المتعاونين مع اجهزة مخابراتها.
هؤلاء العملاء المجنَّدين من طرف هذه الأجهزة في داخل بلدانهم، مع الحكومات التي عُرِفتْ بعمالتها لأمريكا والغرب، لم يحصلوا على شيء يذكر، من سوء ما أقدموا عليه، حتى شعورهم بالأمن وهم تحت حماية القواعد والقوات الأمريكية، قد داخلهم اليوم شكّ بعد الذي حصل في أفغانستان، ولا أعتقد أن الذين وضعوا أياديهم في يد أمريكا سيسحبونها وإن بلغت نفوسهم التّراقِ، وفاقد الضمير ليس لديه ما يخسره بعد انكشاف حقيقته.
وفيما جاء البيان السعودي معَدّلا خاليا من اتهام حزب الله بالارهاب، حيث تضمّن تطلّع المملكة أن يعم لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين دون استثناء”.(3)
جاء بيان الخارجية الأمريكية مصِرّا على إدانة حزب الله وترهيبه، واعتبار انشطته سببا في تقويض أمن واستقرار لبنان(4)- كأنّما كان أمن لبنان غير مستباح من طرف الكيان الصهيوني قبل وجود حزب الله – ومردُّ ذلك حرصُ الإدارة الأمريكية على إضعاف الدّور الذي تقلّده الحزب في لبنان والمنطقة، المعادي لحليفتها إسرائيل، والذي تسعى بكل الوسائل إلى تفكيكه منظومة وانجازات، ضمانا لأمنها واستقرارها وبقائها على حالة استقوائها العسكري بالمنطقة.
لكن الذي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار، ما جاء في البيان السعودي الهادئ ظاهرا، والمتضمّن تطلّع المملكة إنهاء وجود السلاح خارج إطار الدّولة اللبنانية، بما يعني نزع سلاح حزب الله، وهو مطلب صهيو أمريكي دون شكّ، ويعمل النظام السعودي على الوصول إليه بواسطة عملائه، من حزب مستقبل سعد الحريري وكتائب جعجع، المتحالفين على محور المقاومة.
حادثة الطيّونة ليس بمعزل عن الدّسائس والمخططات الشيطانية، في إطار هدف واحد استهداف حزب الله من الداخل للإجهاز عليه في نفس الوقت من الخارج، واستفزازه بمثل هكذا كمائن اجرامية، قد يدفعه إلى ردّ الفعل التلقائي، بانفلات جماهيره في القصاص من القتلة، وهو ما يأمله هؤلاء المخططون وعلى رأسهم امريكا.
لذلك أقول إن تحديد توقيت المواجهة والحرب ضد مغتصبي فلسطين والقدس، لن يكون بيد أمريكا وحلفاءها، بل سيكون بيد محور المقاومة، وجاهزيته اليوم على أتمّها، واستعداداته أخذت نسقا متصاعدا، لا يعرفه سوى مخططوا غرف عملياته، وقادم الأيّام سيكشف لنا مقالة سيد المقاومة (إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت) (5)
في هذه المواقف يظهر حزب الله كقوة محكمة البناء قاعديّا، ورفيع المستوى قياديّا، متميّزا عن غيره بحكمة ثابتة في سياسته الداخلية والخارجية وهذا ما يفقده أعداؤه، ويتمنّون أن تكون خصاله عندهم، لكن انّى لهم ذلك؟
مشروع الشرق الأوسط الجديد حلم أمريكي غربي صهيوني، سوف لن يكتب له التحْقيق، ما دام هناك محور مقاومة ارتفعت راياته وقويت عناصره وأدواته، ليحول دون مخطط استعباد جديد للعرب والمسلمين، وهيهات أن تلحق شعوبنا ذلّة مستقبلا، في ظل وجود وتضحيات إيران الإسلامية.
المصادر
1 – الحرب الأهلية اللبنانية https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – ميثاق الأمم المتحدة/ الفصل السابع: فيما يُتّخَذُ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان
https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/chapter-7
3 –الخارجية السعودية: المملكة تتابع باهتمام الأحداث في لبنان ( – Sputnik Arabic (sputniknews.com
4 –لماذا تجنّبت السعوديّة ذِكر “ترهيب حزب الله” كما فعلت حليفتها أمريكا بعد “أحداث الطيونة” https://www.raialyoum.com/
5 – نصر الله عام 2000: إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.. الجنرال غلعاد 2019: الكيان منزلٌ محميٌّ بجدرانٍ قويّةٍ بينما يأكله النمل الأبيض من الداخل