الذي يبدو لغاية الان ان قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني في طريقه للمرور بليبيا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا والتي يتنازع عليها كل من اللواء حفتر وسيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي. هذا ما تشير اليه العديد من الصحف والمحللين خارج وداخل الكيان الصهيوني.
وهذا الامر لم يكن مستغربا على الاطلاق وخاصة عند النظر على من يدعم الطرفين. فاللواء المتقاعد خليفة حفتر والذي يسيطر على الشرق الليبي يقف مدعوما من قبل الامارات والذي امدته بالمال والسلاح بطرقها الخاصة طيلة الفترة بالرغم من حظر بيع الأسلحة على الطرفين المتنازعين في ليبيا باستخدام البترودولار وهي من يدفع بقطار التطبيع مع الكيان الصهيوني علانية دون خجل او وجل وتدفع مئات الملايين من الدولارات لحث القيادات المهترئة للقيام بذلك كما فعلت في السودان على سبيل المثال.
الى جانب ذلك فهو مدعوم أيضا من قبل مصر والتي إن كانت قد فقدت دورها الوازن والفاعل على الساحة العربية والدولية وأصبحت تابعة للسعودية والامارات فيما يتعلق بقضايا الإقليم فقد قام نظام السيسي يتقديم الدعم العسكري واللوجيستي لقوات حفتر وفي أكثر من مناسبة ربما كان أبرزها تلك الضربات الجوية بطائراتها على مطار طرابلس لتدمير الأسلحة والمعدات التي قدمتها تركيا الى حكومة طرابلس.
واللواء حفتر هو المفضل لتولي الرئاسة من قبل الكيان الصهيوني لأنه ابدى الاستعداد للسير بركب التطبيع وهي الرسالة التي حملها ابنه الذي زار مؤخرا الكيان الصهيوني لينقل هذه الرسالة الى الكيان والذي بدوره سيقوم بالدعاية له في البيت الأبيض وبقوة ليحظى بالتأييد الأمريكي. وسيف الإسلام من الجانب الاخر له اتصالاته أيضا من تحت الطاولة مع الأطراف التي تدعم اللواء حفتر وأبدى أيضا الاستعداد للسير في ركب التطبيع هذا بالرغم تفضيل الأطراف التي ذكرناها لحفتر.
ولكل من الأطراف الداعمة لحفتر على وجه التحديد مصالحه الخاصة. فالإمارات تسعى لمد نفوذها الى الشمال الافريقي ولم يعد خافيا من ان الامارات ومن خلال دعمها لنظام السيسي والجيش المصري على وجه التحديد بدفع عشرات المليارات على صفقات الأسلحة له قد أصبح له لها تأثير كبير ونفوذ في الداخل المصري هذا الى جانب الاستثمارات هنالك. والامارات تسعى أيضا لاختطاف الدور السعودي في المنطقة الذي بهت الى حد كبير بعد مقتل الخاشقجي في السفارة السعودية في تركيا الى جانب انشغالها في المستنقع اليمني منذ ان شنت عدوانها الهمجي على اليمن في شهر مارس 2015 وانفقت مليارات من الدولارات على هذه الحرب العبثية والظالمة والهمجية. وليبيا ستكون ورقة إضافية تضاف لسجلها في البيت الأبيض كأداة من ادواته. ويجب ان لا ننسى المكاسب الاقتصادية أيضا التي من الممكن تحقيقها من خلال إعادة إعمار ليبيا. وبتدخلها لصالح مرشح سيسير في ركب التطبيع سيقوي علاقتها مع الكيان الصهيوني أيضا الذي أصبح الحجيج اليه شرطا لاسترضاء قاطن البيت الأبيض.
أما مصر التي وقفت الى جانب حفتر منذ بداية الصراعات الداخلية في ليبيا كانت وما زالت لها مصلحة بالقضاء او تحجيم حركة الاخوان المسلمين في الشمال الافريقي الى جانب حماية حدودها من المجموعات الإرهابية التي كانت تأتي من ليبيا وتقوم بأعمال إرهابية داخل المدن المصرية. والى جانب ذلك فإن مصر تعتبر الساحة الليبية هي ساحة صراع مع تركيا الاخذة بسياسة تمدد نفوذها في المنطقة على حساب محور مصر السعودية والإمارات، هذا الصراع الذي وصل الى قمته اثناء حصار هذه الدول لدولة قطر حيث قامت تركيا بإرسال قوات تركية ولإقامة قاعدة عسكرية في قطر. ومصر تأمل بأن تحصل شركاتها على حصة في مشاريع إعادة الاعمار في ليبيا أيضا.
أما الكيان الصهيوني فإنه يسعى لتحقيق مصالح عدة من وراء دعم حفتر. اول هذه المصالح هي تثبيت مبدأ التطبيع مع الأنظمة العربية ومحاولة خلق واقع سياسي في المنطقة متقبل لوجود هذا الكيان وكي الوجدان الجمعي العربي المناهض للتطبيع للوصول الى قبول هذا الكيان الغاصب من قبل الجماهير العربية عن طريق هذه الأنظمة المستسلمة. هذا من جانب ومن الجانب الاخر فهي أيضا ساحة صراع مع تركيا وهذا الصراع ليس مقصورا على دخول الشركات الإسرائيلية على خط الاعمار وبالتالي موطئ قدم سياسي واقتصادي، بل انه يتعدى ذلك الى النفوذ في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وعلى تقسيم هذا النفوذ مع ما ظهر مؤخرا من دراسات تدل على كميات هائلة من مخزون الطاقة من غاز وبترول في المناطق البحرية. وقد استغلت تركيا علاقاتها مع حكومة طرابلس وسعت الى ترسيم الحدود البحرية من الجانب الليبي. ويجب ان نذكر أيضا ان ليبيا تعتبر من الناحية الجغرافية والاستراتيجية مدخلا هاما الى القارة الافريقية التي تتنازع عليها العديد من القوى ومن ضمنها الكيان الصهيوني الذي أصبح له موطئ قدم لا يستهان به كما اتضح من دخول الكيان الصهيوني كدولة مراقبة في منظمة الوحدة الافريقية هذا القرار الذي اتخذته المفوضية والتي تقوم الجزائر وجنوب افريقيا بمحاربته لكن دون تحقيق اية نجاحات بهذا الشأن.
والسؤال المطروح الان هو على ما يبدو ليس إن كانت ليبيا ستنضم الى ركب التطبيع ام لا بل متى سيتم هذا. وما يجدر الإشارة اليه هنا ان كل الدول المطبعة دون استثناء فرضت قياداتها السياسية هذا التطبيع على دولها بينما شعوبها كانت وما زالت ترفض هذا التطبيع وساء جاء حفت أو سيف الإسلام فإن هذا لن يغير هذه الحقيقة والسلوك.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني