قبل ان تصل سيارات الاسعاف لنقل جرحى وقتلى الانفجار الشديد والمدمر كما اظهرته شاشات التلفزيون سارعت أبواق الفتنة وجيشها الاليكتروني من المرتزقة ووسائل إعلامها بتوجيه اصابع الاتهام الى حزب الله اللبناني مدعية أن هذه الانفجارات ناتجة من أسلحة ومتفجرات متواجدة في الميناء تعود الى حزب الله. هكذا حكمت هذه الفئة الظلامية التي تتمنى ان يتجه لبنان الى حرب طائفية مقيتة لتدمير ما تبقى من لبنان نتيجة هذا الاعلام المضلل والموجه والذي تنفق عليه بعض الدول الخليجية مئات الملايين مدعمة من الكيان الصهيوني والإدارات الامريكية لادارة حرب الفتنة وغسل الادمغة وكي الوجدان الشعبي وحرف بوصلة الصراع في المنطقة.
ووريدا رويدا بدأت بعض الحقائق تتكشف حيث صرح وزير الداخلية ان هذا الانفجار ناجم عن مواد شديدة الانفجار كان قد تم مصادرتها منذ سنوات وقد يتجاوز وزنها ما يقارب من 50 طنا من المواد شديدة الانفجار. هذه المواد اغلب الظن ان تكون نترات الامونيوم وذلك من السحب الاورانجية والبنية التي صاحبت هذه الانفجارات وهذه السحب أغلب ظني وأنا كيميائي بحكم مهنتي هي غازات اكاسيد النيتروجين وهي احدى الغازات المسببة للتلوث الهوائي والمائي لانها تعود الى الارض على شكل أحماض تضر بالتربة ومصادر المياه.
أما عن السبب المباشر أو الفتيل الذي ادى الى الاشتعال والذي تبعه التفجير لان هذه المواد بحاجة الى حرارة للتفجير يبقى تخمينات الى ان تصل اللجان الذي تتولى التحقيق الى الوصول الى الاسباب الحقيقية وراء ذلك ونحن لا نريد الخوض في هذا المجال لان هذا يترك للخبراء والفنيين العاملين في الميدان وليس لجنرالات القهاوي واللذين اصيبوا بهلوسات وشطحات ذهنية وفتاوي لمن تسبب بالحريق والانفجارات المرعبة التي دمرت الميناء برمته وتسببت بمقتل ما يقرب من 80 شخص وإصابة الالاف كما تبين لغاية الان.
لكن السؤال الكبير الذي يجب ان يطرح على المسؤولين هو كيف تترك هذه الكميات الكبيرة من المواد المتفجرة في مكان واحد؟ هذه جريمة وعدم مسؤولية يجب عدم السكوت عليها وتحميل الجهات التي عملت على عملية التخزين المسؤولية الكبرى عن هذه الكارثة المأساوية على الصعيد البشري والإقتصادي والإنساني.
ولعل هذا الحدث الجلل يعطي فرصة إضافية للشعب اللبناني للتكاتف وتخطي الانقسامات والتقسيمات المذهبية والطائفية التي زرعت منذ عقود لتشويه الوجه الحضاري للبنان من قبل الاستعمار الفرنسي. وربما هذه فرصة تعطى للحكومة الشجاعة الكافية والجرأة للتوجه شرقا فعليا لاعادة بناء ما دمر ماديا والى ملاحقة الفاسدين الذين يعبثون بأمن وسلامة الشعب اللبناني من اجل مصالح ذاتية ومصالح مشغليهم الاقليميين والدوليين اللذين تفننوا في الفترة القريبة بعصر وخنق لبنان إقتصاديا وإفقار الشعب اللبناني الذي يعيش اكثر من نصفه تحت خط الفقر حاليا والابقاء على القطط السمان ومصاصي دماء “المعترين” من الشعب اللبناني. هؤلاء الان يتباكون ويذرفون دموع التماسيح ويعلنون تضامنهم مع لبنان والاستعداد لتقديم المساعدات له – المشروطة طبعا بالركوع والاستسلام لمشيئة قاطن البيت الابيض والكيان الصهيوني. ولعل هذا الحدث أيضا يفسح المجال للتقارب مع سوريا التي أمر الرئيس الدكتور بشار الاسد بفتح الحدود مع لبنان وتقديم كل التسهيلات والمساعدات للبنان, وسوريا تشكل الرئة الاقتصادية للبنان وخاصة في هذه المحنة التي تعطل فيها ميناء بيروت الذي يعتبر شريان إقتصادي رئيسي للبضائع المصدرة والمستوردة.
هذا حدث جلل بكل المقاييس والأصعدة البشرية والانسانية والاقتصادية وعلى الشعب اللبناني أن ينهي هذا النظام الاقطاعي الموروث من الاحتلال العثماني المتلفح بغطاء الطائفية الموروث من الاحتلال الفرنسي والقضاء على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للعائلات التي تحكمت في لبنان لقرون وليس عقود وإتباع سياسة لمصلحة لبنان وشعبه وليس لمصلحة أطراف خارجية والرضوخ الى إملاءات البيت الابيض والبترودولار. وحده هو الشعب القادر على ذلك إن اراد الخروج من كل الازمات التي يعاني منها لبنان حاليا ليصبح لبنان الدولة الديمقراطية التي يدعيها والتي لم تكن يوما كذلك.