الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

مأساة جمال خاشقجي: المفارقة الحزينة في اختفاء الصحفي السعودي: قد يحكم مصيره على ذلك القائد المتهور الذي انتقده

الترجمة : الدكتور بهيج سكاكيني |

 By KRISTIAN ULRICHSEN

المصدر: صحيفة Politico

ليس فقط جمال خاشقجي 

الإختفاء ومقتل الصحفي السعودي ذو الفكر الاصلاحي في القنصلية في اسطنبول ما هي الا الاخيرة في مسلسل تطورات التي القت شكوك جدية حول المسار الذي تسلكه السعودية تحت ولي العهد الامير محمد بن سلمان. فمنذ أن تخطى ابن الملك سلمان الذي لم يتجاوز عمره 33 عاما العشرات من أولاد عمومته الاكبر سنا والاكثر خبرة ليصبح قائد الجيل القادم للسعودية في عام  2015 وهو يترنح من خطا الى آخر. 

فقد أطلق حربا يبدو انه لا يمكن الفوز بها في اليمن. وقد أمر بفرض حصار على دولة قطر المجاورة والذي يبدو انه  لا طائل منه أكثر مع مرور كل شهر. وقد أمر بإعتقال المئات من الصحفيين ورجال الدين والنشطاء والمسؤولين ورجال الاعمال من ضمنهم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لفترة قصيرة. ولقد اشرف على القطيعة البدلوماسية مع كندا في ردة فعل غاضبة تجاه إنتقاد روتيني الى حد ما.

وهذا النمط من السلوك أكسبه سمعة رجل مندفع وحتى صانع قرار متهور ولكن حتى وقت قريب فهو جابه القليل من الضغط الداخلي او الدولي أو أنه تمادى الى حد بعيد ( قطع الجسر اكثر من اللازم كما يقول المثل). وبالفعل يبدو وكأنه البارحة فقط عندما كان هذا الشاب القائد السعودي يوصف في صفحات الراي الامريكية وصالونات السياسة الخارجية على انه الاصلاحي ذو الرؤية الذي أراد ان ينقل بلاده من التخلف الى القرن الواحد والعشرون. 

كل هذا من الممكن ان يتغير فيما إذا ثبت بدون ادنى شك ان الخاشقجي قد قتل أثناء زيارته للقنصلية السعودية في 3 اكتوبر أو ان صانعي السياسة رفيعي المستوى في الرياض قد امروا او كانوا على علم بالخطة لاستهدافه. الادلة الظرفية وحقيقة ان الخاشقجي ما زال مفقودا بعد اسبوع من رؤيته حيا وهو يدخل القنصلية قد تراكمت الى الحد ان عبىء الاثبات يقع على السعوديين لتوضيح أن الخاشقجي قد غادر القنصلية سالما وبإرادته. هذا ما لم يستطع السعوديون عمله للان تحت الذريعة الواهية من ان نظام المراقبة كان يبث مباشرة دون تسجيل لقطات فيديو. ومن الحكايات الاخرى التي تعطى بالتفصيل بالقطارة نقطة نقطة, مثل الاقتراح انه طلب من الخاشقجي العودة الى القنصلية ثلاثة أيام بعد موعده الاولي لاكمال اوراق العمل اللازمة لزواجه المقبل بإمراة تركية, او الطلب من الموظفين الاتراك بعدم المجيء للعمل في اليوم الذي إختفى به, واكتشاف ان فريق مكون من 15 رجل امني سعودي طار الى اسطنبول وكانوا متواجدين في القنصلية أثناء زيارة الخاشقجي, أضاف الى تصاعد الاتهامات التي لم يستطع السعوديين توضيحها أو تقديم مسار بديل مقنع للاحداث.  

فيما إذا قتل السعوديين الخاشقجي بالفعل واعتقدوا انهم من الممكن أن يفلتوا منها فإنهم قد إرتكبوا حسابات خاطئة خطيرة. فلم يكن الخاشقجي فقط كاتب مساهم في صفحة الرأي في جريدة الواشنطن بوست المؤثرة – والتي رفعت صوتها عاليا في مطالبتها بالمصداقية- ولكن الخاشقجي كان أيضا معروفا في الكونغرس الامريكي كرائد إصلاحي سعودي. أعضاء من الكونغرس الامريكي بما في ذلك جمهوريين بارزين مثل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بوب كروكر النائب عن ولاية تنيسي وليندي جراهام النائب عن ساوث كارولينا عبروا عن غضبهم على سلوك السعودية وهددوا بإستدعاء العقوبات تحت فعل قانون ماجنيتسي العالمي وهو القانون الذي يسمح للسلطة التنفيذية لفرض عقوبات مستهدفة وحظر تأشيرات على أفراد على نطاق العالم على المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان.  

حملة الامير محمد بن سلمان تذهب أبعد بكثير من الخاشقجي. فخلال العام الماضي إعتقلت السلطات السعودية العشرات إن لم يكن المئات من الكتاب والصحفيين ورجال الدين ومؤخرا النساء المدافعات عن حقوق المرأة والذي أثار أعتقالهن في شهري مايو ويونيو إنتقادات عالمية دون اي تأثير. ردة الفعل الغاضبة لتعليقات وزير الخارجية الكندي أوضحت ان السعودية تحت حكم الامير محمد بن سلمان ليس لديها استعداد على تحمل انتقادات خارجية على شؤونها الداخلية,ووصف العديد من الموقوفين السياسيين بأنهم ” عملاء السفارات” و “خونة” في وسائل الاعلام الرسمية للدولة تركت الدبلوماسيين الاجانب يرتعشون من عنف ردة فعل السلطات. ومع هذا فإن الضغط الدولي الحقيقي الوحيد الذي اجبر الامير محمد بن سلمان للنزول أتى بعد احتجاز الحريري في نوفمبر 2017 عندما أوضح له وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون أن هذا العمل غير مقبول للولايات المتحدة وتدخل الرئيس الفرنسي ماكرون لتامين إطلاق سراح رئيس الوزراء اللبناني.      .

لم يكن لاي من هذا تأثير دائم على ما يبدو. ولكن هذه المرة يبدو ان ولي العهد السعودي وزبانيته قللوا وبشكل خطير من نطاق رد الفعل السياسي الأمريكي على إختفاء الخاشقجي وموته المفترض, جزئيا لان لمعظم مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن, الخاشقجي كان زميلا, وصديقا وكما كشف توماس فريدمان كاتب عمود في جريدة نيو يورك تايمز بشكل متهور ومصدرا ايضا. ومصير الخاشقجي هو شخصي بطريقة لا تحل بها محنة العديد من المعتقلين السياسيين الآخرين وطبيعة موته الظاهري المرعبة – بعض التقارير تتحدث عن تشويهه بمنشار عظام وان أجزاء من جسده حملت خارج السفارة- أضافت الى حالة الصدمة وعدم تصديق ان اية دولة قد تشارك في مثل هذا العمل – وخاصة من دولة استثمرت بشكل مكثف في صياغة خطاب بحيث ان العديد في داخل العالم السياسي والاجتماعي (Beltway) في الولايات المتحدة  أظهروا استعدادهم ان يعطوا على الأقل فائدة الشك وفرصة للنجاح. ثلاثة سنوات من الصبر والمدافعة الخليجية الممولة جيدا نيابة عن الامير محمد بن سلمان و “إصلاحاته” عانت ربما ضررا لا يمكن إصلاحه.  علاوة على ذلك, وفي حالة استقطاب عميق في واشنطن فإن الغضب بشان، مصيرالخاشقجي ليس فقط حقيقيا, ولكنها أفرزت ايضا الحالة النادرة المتزايدة التي تتجاوز الخطوط السياسية وتصل بشكل معمق الى مؤسسة السياسة الخارجية لكلا الحزبين. والاكثر ندرة من ذلك في واشنطن انها تضم شخصيات من المؤيدي للنظام سابقا والذين يشاركون الان في التعبيرات العامة mea culpa ( وهي تعبير يستخدم للتعبير عن الاعتراف اننا كنا على خطأ في إتخاذ موقف معين).

إذا كان أسوأ ما يحدث للمملكة العربية السعودية هو الضرب على المفاصل من وزارة الخارجية والضرر للسمعة داخل Beltway من المحتمل أن يكون هذا سعرًا يظن الامير محمد بن سلمان أنه يستحق دفعه كثمن لإسكات أعلى منتقد للمملكة وأكثرها ارتباطًا بها.

الغضب الذي يفيض من الكونغرس بالرغم انه ليس من الرئيس نفسه اخذ السعوديين بالدهشة والاستغراب وكلما ازداد الدليل الظرفي كلما إزدادت عاصفة النار شدة. وإذا ما تبين تورط المسؤولين في الحكومة السعودية أو عناصر من الديوان الملكي في عملية الاختفاء فإنها تخاطر بخلق سمعة أكبر من هجمات 11 سبتمبر بما أن المجتمعات السياسية والاستخبارية الامريكية  وعلى وجه العموم تقبلت بان الحكومة السعودية لم يكن لها اي دور رسمي في هذه  الاعمال الوحشية. لا يوجد مثل هذا الانكار المعقول هذه المرة لحجب الدوائر الحاكمة السعودية من التداعيات السياسية لعمل أنخرط به مرة اخرى على ما يقال 15 مواطن سعودي, عدا عن ان هذه المرة كانت مع مقترحات من الممكن انهم كانوا يتصرفون بناء على نوع من أمر رسمي. 

بعد ان تفاخر في عام 2017 كيف انه جعل السعوديين يدفعون 110$ مليار في صفقات كثمن لجعل الرياض محطة لاول زيارة كرئيس أشار دونالد ترامب انه لا يريد ان يرى تعرض هذه الاتفاقيات للخطر بسبب رد فعل عنيف ضد السعودية في الولايات المتحدة. وقد وصف ترامب الاتفاقات التي ابرمت في الرياض كدليل على مقدرته كصانع صفقات لتأمين وظائف في الولايات المتحدة وأبدى قلقا من ان السعوديين سيتوجهون الى المنافسين مثل روسيا أو الصين إذا ما اصبحت الولايات المتحدة عدائية للاستثمارات السعودية. وذكر ترامب لفوكس نيوز انه إذا ما حدث هذا ” ستكون حبة من الصعب بلعها في بلدنا”. وبالتالي فإن تراميب وجزء من البيت الابيض من الممكن ان يشاطروا الرؤية السعودية ان الغضب سيهدأ بمرور الوقت وخاصة وان الانتباه في الولايات المتحدة سيعود الى الانتخابات النصفية كلما اقترب 6 نوفمبر. 

ولكن إذا ما استمر غضب الكونغرس فإنه يمكن ان يترجم بتجديد الاجراءات لكبح مبيعات الاسلحة الامريكية الى السعودية والدعم للمبادرات السعودية مثل الحرب على اليمن, والبناء على زخم محاولة مجلس الشيوخ في الربيع الماضي للاحتجاج على حكم في قانون صلاحيات الحرب لعام 1973 والذي سيفرض التصويت له على إنهاء المساعدة العسكرية الامريكية الى التحالف السعودي. في 20 من مارس خسرت تلك المحاولة حيث كانت نتائج التصويت 55-44 ولكن المخاوف السياسية حول الحرب تصاعدت منذ ذلك الوقت فالازمة الانسانية في اليمن قد تصاعدت والعمليات الوحشية مثل قصف الباص الملىء بأطفال المدرسة في اوغسطس الماضي قد ادى الى تحشيد الراي العام ضد الصراع المستمر من ثلاثة سنوات. صورة الامير محمد بن سلمان مشوهة بين أفراد الكونغرس من كلا الحزبين اللذين لم يميلوا اليه أثناء إجتماعه في الكونغرس في مارس 2018 في زيارته الى واشنطن.

لعقود كانت السعودية الشريك الغريب للولايات المتحدة ولكن العلاقة كانت صلبة بدرجة كافية لتحمل فترات من الازمات الحادة مثل الحادي عشر من سبتمبر. ولكن هذه المرة يبدو ان النوايا الحسنة قد نفذت بما ان السياسيين ورجال الاعمال قد تحولت على  محمد بن سلمان بسرعة شوهدت آخر مرة في قضية سيف القذافي في ليبيا قيادي شاب آخر في الانتظار مدعوما من قبل مؤيديه الغربيين باعتباره تأثير إصلاح.  جمال خاشقجي قضى حياته المهنية مهرولا داخل وخارج المؤسسة السعودية وآخر سنة من عمره مؤرخا لمسار المملكة التي حاول الامير محمد بن سلمان ان يجيرها لنفسه. كم هي  مفارقة مأساوية أن في اختفائه والموت المحتمل  ربما فعل الخاشقجي المزيد لجعل واشنطن ترى الحقيقة المزعجة لامير السعودية  أكثر من أي وقت مضى كان يمكن أن يكون فيه على قيد الحياة ومن خلال كتاباته.

 

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024