على ما يبدو أن رجب أردوغان لم يتعلم بعد من التجارب السابقة ومصرّ على حشر أنفه في قضية ساخنة أخرى لتسخين الشارع التركي والمنطقة لعلها تطيل عمره السياسي وبقاءه شهوراً إضافية في القصر الجمهوري بعد أن وصلت درجة برودته للصفر إثر نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة التي مني فيها أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» بخسارة أهم معاقله وأهم مدن البلاد بما فيها العاصمة السياسية «أنقرة» والعاصمة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسكانية والسياحية «اسطنبول» إذ تلقى ضربة قاضية من هذه المدن الاستراتيجية التي ما برح يتشدق بأنه جاء منها واستخدمها دائماً بجبروته وعنجهيته وفوقيته وتطاوله على جيرانه بعد أن ظن متوهماً أنه السلطان العثماني الجديد الذي سوف يعيد أمجاد أجداده العثمانيين في المنطقة وهو يلعب اليوم على أكثر من حبل إذ يجيد القفز فوقه فيغازل الولايات المتحدة للحصول على طائرات «إف 35» ويتودد للروس في الوقت ذاته للظفر بصواريخ «إس 400» ولكنه ينسى أو يتناسى أن كل ألاعيبه وخططه باتت مفضوحةً ومكشوفة للعالم مثلما انكشف لسواد شعبه.
أردوغان لا ينقصه الدهاء العدواني وفن حياكة المؤامرة ولديه ما يسوّغ به غدره بالحلفاء والأصدقاء ورفاق دربه بعد كل مرة يستشعر فيها بأن البساط ينسحب من تحت قدميه بعد تدهور شعبيته في عرض البلاد وطولها وتراجع الاقتصاد التركي وخسارة الليرة التركية نحو 40% من قيمتها وهروب كبار المستثمرين خارج البلاد.
اليوم، يفتعل أردوغان أزمةً أخرى مع جار جديد إثر إعلان نظامه البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية الاقتصادية الخاصة بجزيرة قبرص، ما يخالف ويعاكس ويناقض كل قواعد الأخلاق وحسن الجوار ونظم القانون الدولي، كاشفاً بذلك للمرة الألف اللثام عن وجهه الحقيقي العدواني الاحتلالي وإثارة فوضى جديدة في الإقليم مع جيرانه لترسيخ الفوقية وإرضاء غروره الذي اعتاده ابن جده مع جيرانه في المنطقة وما هذا سوى هروب موصوف ومشهود إلى الأمام ليعوض خسائره المدوية سواء في الداخل التركي «خسارة الانتخابات» أو بعد إفلاسه في كل مؤامراته في سورية والعراق وليبيا واليوم في قبرص.. ولكن أيامه باتت معدودةً وعلى «الباغي تدور الدوائر».