كنا على يقين بأن التنظيمات الإرهابية صناعة بريطانية أمريكية، منذ تأسيسها الأوّل الذي لم يقصّر الأمويون في وضع لبناته التكفيرية على المسلمين الشيعة، زادها بعد ذلك العباسيون في إقصائهم من الحاضرة الإسلامية، واستبعادهم وأتباعهم من اعتباراتها ظلما وعدوانا، والتشيّع أحق بأن يكون في صدارة الفرق الإسلامية، على أساس ظهوره الأوّل قبل بقية الفرق، وتفرّده في اتصاله بعهد النبي صلى الله عليه وآله، ولولا التحامل الذي سُلّط عليها -واتخذ منه أعداء الإسلام وسيلة تفريق وهدم لأواصر الدين الإسلامي- لكان التشيّع أحقّ بأن يكون ملقّبا بالإسلام المحمّدي الأصيل، وبسبب ذلك التاريخ والدراسات التي انكبّ عليها من له مصلحة في بسطها، جاء استغلال المسائل الخلافية من طرف أعداء الإسلام الحقيقيين، فوظفوه في تشويه الإسلام، وتشتيت جهود أهله بالتباغض والتدابر والتناحر.
انكشاف هذه العلاقة بين التنظيمات الإرهابية بمسمّياتها الإسلامية المزيّفة، وبين مؤسسيها ومموّليها الغربيين، بدأت في شكلها المعاصر تظهر أعراضها في بيشاور، أين ولد تنظيم القاعدة، وكان (أسامة بن لادن) – الواجهة التي استقطبت المغرّر بهم من المجاهدين العرب- قد نجح في دوره الإستخباري الذي درّبوه عليه وأوكلوه له، خدمة لأهدافهم في مواجهة الإتحاد السوفييتي عند اجتياح عساكره أفغانستان، واستمر في أداء دوره، إلى هزيمة السوفييت العسكرية، وخروجهم من أفغانستان، واستمرت العلاقة الحميمة بينهما بعد ذلك، وإن ظهرت أعراض خلاف بينهما، فبضرب من التمويه والتضليل، واستبعادا لحقيقة أن ذلك التنظيم بقيادته وهيكلته وأفكاره، هو واقعا مستنقع التنظيمات التي جاءت بعده، وماؤها الآسن الذي شرب منه كل ارهابيّ حتى الثمالة، وتمنطق بأفكاره المتطرّفة.
عُرفت هذه التنظيمات بطابعها التكفيري للمسلمين الشيعة على وجه الخصوص، ففكرها وفتاويها الموجّهة نحو هذه الفرقة إقصائية إلى أبعد حدّ، لا ترى للشيعة الإمامية الإثني عشرية مستمسكا واحد يعطيهم حق الإنتماء للإسلام، وتعتبرهم أشدّ خطرا من اليهود، وقد برهنت في سلوكياتها العدوانية المرتكبة بحقّ الشيعة علماء وعامة قيادات وأفراد، جرائم يندى لها جبين الإنسانية في أفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، قصارى ما قدّمه المجرمون تبريرا لتلك الجرائم، ادّعاءات بنفي الإسلام عن هؤلاء المستهدفين أينما كانوا، في مسجد حصل الإعتداء أم في سوق أم في مقام لوليّ من أولياء الله، حتى لم تسلم المشافي وما فيها من مرضى، والمدارس وما فيها من أطفال صغار، فأيّ فرصة تسنح للتكفيريين بانتهازها، لا يتورّعون من قتل الأبرياء، أطفالا كانوا أم نساء، مرضى كانوا أم أصحّاء، كما حصل في (باميان) و(مزار شريف) (شمال أفغانستان)، وما تكرار حادثة الإعتداء على زوار مقام (السيد أحمد بن الإمام موسى الكاظم) والذي أسفر أوّله بتاريخ عن مقتل 15 شخصاً وجرح 19 على الأقل، في هجوم على ضريح (شاه جراغ) في مدينة (شيراز) جنوب إيران الأربعاء، حسبما قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، فيما أعلن ما يعرف بتنظيم (داعش) مسؤوليته عن الهجوم.(1)
العجيب هنا كيف أمكن لأمريكا وبريطانيا – وهما الجُحْرُ الذي لُدِغ منه المسلمون مرارا– أن يؤسسوا رابطة العداء بين المسلمين، مع أن من مبادئ الإسلام الألى المتفق عليها بين جميع المسلمين، اعتبار كل من نطق بالشهادتين ( لا إله الا الله محمد رسول الله) مسلما يحرُمُ أيّ انتهاك له دون وجه حقّ ( من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم عني دمه وماله)(2) إزاء هذا الخطر التكفيري الدّاهم، ومع وجود علماء أجلاء كثيرين من مختلف البلاد الإسلامية، ارتفعت أصواتهم الصادقة، منادية ومناشدة طوائف الأمّة الإسلامية، إلى وجوب تفعيل رابطة الأخوّة الإسلامية والعمل على أساسها، وكان لانتصار الثورة الإسلامية في ايران وجهود قائدها الإمام الخميني رضوان الله عليه، ومن استلم الراية من بعده الإمام الخامنئي دور ريادي، في إحياء أواصر الأخوة الإسلامية دعوة وتطبيقا، ترك أثرا طيّبا في النفوس التوّاقة، والمتطلّعة إلى غد أفضل للإسلام وأمّته العاملة على إحياء شعائره وآدابه في المجتمعات المعنيّة.
وساحة الصراع بين القوى الإسلامية الخيّرة، وبين القوى الطفيلية الشريرة اوجدتها أمريكا وبريطانيا أساسا لضرب أي مشروع تقارب وتعاون من شأنه أن يجمع بين المسلمين في خير، يتيح لهم الإمساك بمقاليد مصيرهم، وهو الذي تتحكم فيه إلى اليوم الدولتان العدوّتان للإسلام والمسلمين، وأياديهما ماسكة إلى اليوم ببقايا تنظيم داعش، تتصرف فيه وتحرك عقلية أتباعه، نحو اقتراف جرائم ليست من الإسلام في شيء، لو ينظر إليها مسلم بعين الشريعة وفهم أحكامها وآدابها.
أمريكا وبريطانيا عُرْوتَيْ هذا التنظيم التكفيري، تحملانه إلى حيث يقوم بتنفيذ اعتداءاته، وهما الملاذ الآمن لبقية عناصره في بادية سوريا وبادية العراق، ليواصل مشروعهما التدميري بحق المسلمين الأبرياء الآمنين، آخر تلك الجرائم الكمين الذي نصبوه في طريق حافلة مبيت الجيش السوري واسفرت عن مقتل وجرح من فيها، وجاء تكرار الإعتداء مرقد شاه جراغ بتاريخ حيث أعلن التلفزيون الإيراني، مساء يوم الأحد، عن تبني تنظيم “داعش” الإرهابي الهجوم الذي استهدفه في شيراز جنوبي البلاد، وقالت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، بأن شخصين قُتلا وجرح 7 آخرين إثر إطلاق نار من قبل إرهابي، داخل مرقد شاه جراغ في شيراز، مشيرة إلى أن الإرهابي الذي تم اعتقاله يحمل جنسية أجنبية، وكان بصدد تنفيذ عملية إرهابية داخل محيط المرقد.(3)
مبرّرات هؤلاء المنحرفين عن الإسلام في اعتداءاتهم، التي تتكرّر بين الحين والآخر، تكفيرية لا يمكن أن يقبل بها عاقل، بعدما انتشرت في عصرنا ثقافة إسلامية متاحة لمن يبحث ويقرأ، برهنت على أن المستهدفين بالعدوان من طرف الجماعات الإرهابية هم مسلمون، لا يختلفون عن بقية المسلمين قي شيء، سوى في مسائل قليلة لا تجعلهم عرضة للتكفير، وهدفا مُسْتباحا للتكفيريين أينما وجدوهم، يبقى فقط الدّور الغربي المشبوه في الإساءة إلى الدين الإسلامي بمختلف السبل والوسائل، هو المحور والفلك الذي تدور حوله داعش وأخواتها، ليظهر الإسلام للعالم في شكله القبيح الذي أرادوه له، بمظهر منفّر في أهله وخارج أهله، عصرنة التكفير مخطط بريطاني أمريكي يشرفان عليه، من أجل أن لا تقوم للمسلمين قائمة، وهم واقعا يحملون دينا خاتما بجميع قيمه وآدابه، لو طُبّق بجميع خصاله لكانت بحق حاملة حلول الإنسانية قاطبة، في نشر الأمن والعدل والمساواة والعلم، فهل حملت لنا داعش أملا في قيامها يوما، وأفولها يوما آخر، سوى هذه الجرائم الفظيعة التي اركتبتها ولا تزال بحق المسلمين أولا وأخيرا، لا أعتقد أنّ أحدا يخالفني في ما قلته اليوم.
المراجع
1 – إيران: “تنظيم الدولة” يتبنى الهجوم على ضريح في شيراز ورئيسي يتوعّد “بردّ قاس”
https://www.bbc.com/arabic/world-63405025
2 – جامع أحاديث البخاري كتاب الايمان ج1ص14ح25 وكتاب الصلاة ج1ص87ح392/ مسلم كتاب الايمان ج1ص38ح21 و22
3 – داعش يتبنى الهجوم الذي استهدف مرقدا دينيا جنوبي إيران
https://sputnikarabic-ae.cdn.ampproject.org/v/s/sputnikarabic.ae/amp/20230813/1080034614.html