بعد نكسة الخامس من حزيران، وهزيمة الجيوش العربية أمام جيش الكيان الصهيوني، ارتفعت أسهم هيبة القوّة العسكرية الصهيونية، الى الحدّ الذي تعنونتْ وحداته، بالجيش الذي لا يُقهر، اتخذ منها أولياؤه عنوانا مهيبا، وحاجزا حال دون تكرار مهاجمة كيانه، أخفى وراءه خبث قوم فضَلهم الله على العالمين، فلم يراعوا لذلك قدرا، ولا أقاموا له وزنا، ومضوا في صنائعهم الخبيثة من بغي في الأرض وقتل لأنبيائه، ( فبما نقضِهم ميثاقهم وكفرِهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم) (1) مستكبرين ضالّين ومضلّين في نفس الوقت، إلى أن كشف الله حقيقتهم، لكي لا يرتاب فيها مؤمن، فيتجنّبهم وما يمتّ إليهم بصلة ويعتبرهم عدوّا لدودا، كما نص عليهم قرآنه وأثبت منزلتهم وحيه لنبيّه ( لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (2)
لكنّه بانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني، وقيام نظام إسلامي تبنّى مشروع الأمّة الإسلامية الكبير، من خلال فكر مجدد الدّين في هذا العصر، ودعواته الصريحة لمناصرة القضية الفلسطينية بكل قوة، بدأت مرحلة جديدة في حياة طلائع الأمة، المؤمنين بعدالة القضيّة الفلسطينية، وضرورة العمل من أجل خلاص شعبها، من أسوأ احتلال أبتلي به، وقاسى من عدوانه وجرائمه، فتأسست حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، وبدأت في مواجهة هذا العدوّ الغاصب، بما امتلكته من أسباب الوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية، واستمرّ ذلك بدعم ورعاية صادقين من إيران، وجاء انتصار حزب الله سنتي 2000 و2006، ليؤكّد نجاح مشروع المقاومة، وليرتقي إلى مستوى محورٍ متكامل العناصر والأركان، يشرف عليه نظام إسلامي مؤمن بالقضية ومستعدّ للتّضحية من أجلها بأغلى الأثمان، لم تغيّر من أهدافه ومسيرته الإسلامية عوائق الإستكبار والصهيونية، وهذا ما أفزع أعداءه وأربك مواقفهم، وجعلهم يتصرّفون كالمجانين لا يهتدون سبيلا.
اعتراف صادر عن رئيس دفاع الكيان الصهيوني (نفتالي بينيت Naftali Bennett ) بأن إيران حاصرت كيانه(3)، وطوّقته بعناصر معادية، بقدراتها القتالية وصواريخها المتطوّرة، بعد فشل مخطط الإرهاب التكفيري الذي صنعته أمريكا لتقسيم المنطقة، وجعلها جميعا تحت سيطرة الكيان الصهيوني، وجمعها بعد ذلك في مخطط استهداف إيران، في محاولة جديدة لإسقاط نظامها، كلام يتناقض مع ما كان أطلقه من تهديد لضربها ، كما جاء في موقع (ذا تايمز أوف إسرائيل The Times of Israel) أن سلاح الجو يبحث تكتيكات جديدة، لقصف المنشآت النووية الإيرانية المشيدة تحت الأرض، مع الاستعداد لرد إيراني.(4)
في المقابل جاء اعترافه بخصوص إيران، ليكون حجة دامغة لمن استهوتهم شياطينهم من العرب والمسلمين بمعاداة إيران الاسلامية، وهي التي لا ترجو لهم سوى الخير، ليكون حجة على اولئك الذين أوهِمتهم الدعايات المغرضة بحقّها أنها عدوّ، بينيت قال كلمة الفصل لمن بقي له وعي من هؤلاء المُزايدين بالباطل: بأن العدوّ الوحيد لكيانه على مدى ثلاثة عقود، هو جمهورية إيران الإسلامية، وإن الموارد التي استثمرتها الدولة في التعامل مع التهديد الإيراني، عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا وتقنيا وسريا وعلنيا، هائلة”.
وتابع نفتالي بينيت: “بالإضافة إلى ذلك، وإلى جانب التقدم في برنامجها النووي، كانت إيران أيضا ناجحة بشكل ثابت ومستمر في تطويق إسرائيل في حلقات من الميليشيات والصواريخ من كل اتجاه.. على مدى العقد الماضي، تنعكس إيران في كل نافذة بإسرائيل.. إلى الشمال الشرقي توجد مليشيات شيعية في سوريا، ومن الشمال “حزب الله” اللبناني، وجنوبا حركة “حماس” والجهاد الاسلامي”.. حاصر الإيرانيون إسرائيل بالصواريخ وهم يجلسون بأمان في طهران”.
وأضاف: “إنهم يضايقوننا، ويستنزفون طاقاتنا، ويستنزفوننا، ويفعلون كل هذا بينما بالكاد يضطرون إلى مغادرة المنزل..لقد نزفونا دون دفع ثمن، إنه ترتيب مناسب، على حد قول الجميع”.(5) ما نستخلصه من كلام مسؤول رفيع المستوى في الكيان الصهيوني اعترافه بأن العدو الوحيد لكيانه هي إيران وحلفها المقاوم الذي استطاعت به أن تطوّر قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة تهديدات وعربدات كيان لا يملك شيئا من القيم الانسانية حتى تردعه عن اقراف جرائم اعتداءاته.
تصريحات المسؤولين الصهاينة المتضاربة، تؤكّد مدى الإرباك الذي بلغوه، من جرّاء تسارع وتيرة جبهة المقاومة، وهنا بيت القصيد والتهديد الحقيقي للوجود الصهيوني، وليس البرنامج النووي السّلمي الإيراني، والصهاينة يعلمون جيّدا أن النظام الإسلامي الإيراني لا يسعى لحيازة سلاح نووي، لأنه يتعارض مع قيمه الاسلامية وقوانينه الإلهية، في حرمة القتل العشوائي للبشرية، وما خوف هذا الكيان الكاذب وهو الذي يمتلك مئات الرؤوس النووية؟ أليس ذلك مدعاة للسخرية من مواقفه المرتبكة؟
تعقيب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (محمّد إسلامي)، على تصريحات مسؤولي الكيان الصهيوني، أنّ عليهم النظر في المرآة، ومعرفة حجمهم الحقيقي، قبل توجيه التهديدات باستهداف وضرب المواقع النووية الإيرانية.(6) ويبدو أنّ حياة الكيان الصهيوني أصبحت مرهونة في خطأ يرتكبه بحق إيران، عندها سيكون هناك ردّ ساحق سيعجّل بزوال الكيان وخلاص الشعب الفلسطيني منه، فهل سيغلب الصهاينة عقولهم هذه المرّة، ويتراجعوا في مخططهم البائس، حفظا لما بقي لهم من وجود على أرض فلسطين؟ أم انهم سيركبون رؤوسهم، ويرتكبون ما سيعود عليهم بكارثة غير محسوبة العواقب؟ قال تعالى: (وقل للذين لا يؤمنون إعملوا على مكانتكم إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون)(7)
المصادر
1 – سورة النساء الآية 155
2 – سورة المائدة الآية 82
3 و 5– بينيت: إيران حاصرت إسرائيل وطوقتها في حلقات من “الميليشيات” والصواريخ من كل اتجاه https://arabic.rt.com/world/1297042-
4 – خطة وتمويل وتدريبات.. إسرائيل تستعد لضرب منشآت إيران النووية
https://www.alarabiya.net/iran/2021/10/26/
6 –رئيس منظمة الطاقة الذرية: على”اسرائيل” معرفة حجمها قبل تهديد إيران
https://www.alalam.ir/news/5918318/
7 – سورة هود الآية121/ 122