منذ زمن ليس بالبعيد هنالك سعي حثيث من قبل الإدارة الامريكية في وضع إطار عند توقف الحرب الدائرة على قطاع غزة وبهذا الشأن حاولت وما زالت هذه الإدارة تحاول التنسيق مع أدواتها من الدول العربية في المنطقة الى جانب حكومة الكيان الصهيوني بالرغم من تهرب نتنياهو لمناقشة هذا الامر لأنه مدرك تماما ان مستقبله السياسي سينتهي حالما وضعت الحرب اوزارها دون ان يحقق أي هدف من الأهداف التي وضعها عند بد الحرب البرية منذ ما يقرب من 80 يوما الان.
وكل الأفكار المطروحة للان تستند الفكرة الخاطئة الا وهي انه يمكن القضاء على المقاومة في قطاع غزة والتي باعتراف كل المحللين وحتى الأمريكيين ان هذه الأمنية لن تتحقق. والأفكار المطروحة أيضا التي تم اختيارها للان قد تم اختيارها في الماضي وأثبتت فشلها الذريع. وهذه الأفكار مفادها بانه يمكن تحسين الحكم الفلسطيني (السلطة) وإصلاحها او إعادة تأهيلها هذه العبارات التي تستخدم على النحو المقبول دوليا والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للشعب الفلسطيني. أما الحل السياسي أو العمل بشكل جدي فيمكنه الانتظار الى أن “تنضج الظروف” التي ستساهم في هذا الحل ضمن المفاوضات المباشرة (العقيمة) بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني نظرا لغياب اية نية للولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية وكذلك معظم الدول العربية للعمل للضغط على الكيان الغاصب وإيجاد اليات دولية تكفل تخلي الكيان عن سياساته التوسعية والعنصرية والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني المتعارف عليها دوليا والتي لم يطبق أي قرار منها لغاية الان مما أطلق يد الكيان الصهيوني لفعل أي شيء دون أن يجد من يحاسبه على جرائمه.
تم وضع سيناريوهات عديدة بشأن مسؤولية الامن والحكم في غزة “لليوم التالي” منها تسلم الأمم المتحدة او مصر أو التحالف الإقليمي الذي يضم مصر والأردن والسعودية والامارات وقطر أو تحالف إقليمي ودولي متعدد الجنسيات. لكن كل هذا السيناريوهات سقطت وذلك لرفض هده الأطراف تسلم هذه المهمة. عندها اضطرت الإدارة الامريكية للذهاب الى السلطة الفلسطينية ومحاولة اقناع نتنياهو ان يقبل بدور لهذه السلطة في غزة بعد ان صرحت السلطة المهترئة وزبانيتها انها تقبل ان تحكم غزة لكن بشرط ان تصرف لها مقدراتها المالية وغيرها.
والغائب والمغيب عن كل هذه السناريوهات كما جرت العادة سواء من السلطة او الدول الغربية والإقليمية هو الشعب الفلسطيني. من قال ان شعبنا في غزة وبعد كل هذه التضحيات الجمة والصمود الأسطوري للمقاومة التي ما زالت تطلق الصواريخ وتكبد العدو خسائر بشرية واليات عسكرية للان مما اضطره للانسحاب من معظم شمال قطاع غزة الى ما وراء السياج الفاصل، من الممكن ان يقبل فرض أي سيناريو عليه؟ هل من الممكن ان يستقبل هذا الشعب حثالة كانت لليوم تقول ان ما يدور في غزة ليس شأننا؟ هل من الممكن ان يستقبل هذا الشعب من وقف متفرجا وكأن ما يدور في غزة إنما يدور على كوكب بعيد عنا؟ كيف لهذا الشعب القبول بمن باعوا الوطن والأرض من اجل حفنة من الدولارات والامتيازات لشريحة من الفاسدين؟ كيف لهذا الشعب ان يرتضي بحفنة سرقت قوته ونهبت مئات الملايين التي كانت مخصصة لإعادة اعمار غزة من الاعتداءات الإسرائيلي السابقة؟
الإدارة الامريكية وكذلك الدول الإقليمية الفاعلة أدركت جيدا أنه لا يمكن لهذه السلطة بتركيبتها الحالية وبحكم الفساد المستشري بأجهزتها وتعامل أجهزتها الأمنية بشكل فظ مع المحتجين على سياستها وحملات الاعتقالات للنشطاء السياسيين أنها مرفوضة تماما من قبل شعبنا وهي سلطة معزولة جماهيريا وان احداث غزة زاد من عزلتها فعلى سبيل المثال وفي استطلاع راي جرى مؤخرا لم يحصل المرشح لخلافة عباس الا على 1% من الأصوات. كل هذا مجتمعا أدى الى التفكير بما سمي “بإعادة تأهيل” السلطة وابقي الغموض على ماذا يعنيه هذا المصطلح. ولكن من الواضح ان زبانية السلطة سيستبدلون بشخصيات مرضي عنهم إقليميا ودوليا كما كان الحال عندما استخدم عباس وزبانيته سابقا ومن نفس الأطراف الإقليمية والدولية. وهنالك العديد من الأسماء المطروحة تحت الطاولة الان ويجري التداول بها من فياض الى القدوة الى دحلان لاستلام المناصب. شعبنا لن يقبل بأقل من انتخابات حرة نزيهة لانتخاب ممثليه ولن يقبل بفرض شخصيات لتحكمه بغض النظر عن هويتها، ولكن هذا لن يروق للقوى الإقليمية والدولية التي تسعي لإيجاد فئة متحكمة بالمقاسات الامريكية وأدواتها في المنطقة.
في النهاية نقول ان تغيير الوجوه لا يعني البتة تغيير السياسات التي اوصلتنا الى ما نحن عليه الان. ونضيف أيضا الى انه إذا لم يتم العمل على إيجاد حل سياسي يضمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال وحق العودة ستعود الأمور الى المربع الأول. إن المقاومة بشكليها المسلح والشعبي هو حق لكل الشعوب المحتلة أراضيها وكل من ينكر هذا الحق على شعبنا يجب وضعه في خانة الأعداء.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني