الكون بأسره بصغيره وكبيره يعلم أنه لو خرج خامنئي وروحاني وظريف وسليماني ولاريجاني غداً صباحاً وأعلنوا بكل بساطة عن تخليهم عن عداوتهم لإسرائيل وعن نبذهم لرجال الله في لبنان ووقفهم لتسليح باقي الحركات المناهضة للاحتلال في فلسطين، لعادت المياه إلى مجاريها بسرعة الضوء ولأصبح “الملالي” مثل السمنة على العسل مع كل دول العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة…
نعم، كل طفل في هذا العالم يعلم أن إيران لو أنها قررت إعادة فتح سفارة الكيان في بلادهم (والتي حولوها إلى سفارة لفلسطين فور انتصار الثورة في 1979)، لانتهت جميع العقوبات المفروضة عليهم في أقل من ثانية ولاختفت وتبخرت هذه الحرب الأمريكية الشرسة بلا رجعة…
لا تحتاج أن تكون عبقرياً لكي تدرك أنه لو تخلى قادة إيران عن دعمهم للمستضعفين في هذا المشرق، ولو أنهم ارتموا في أحضان نتنياهو كما فعل إردوغان في حزيران 2016 عندما أعاد توقيع كافة معاهدات التطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتجارية والاستخباراتية، لتحولت إيران في لمح البصر إلى سنغافورة الشرق الأوسخ بأكمله، ولاصطفت الشركات الكبرى على الطوابير للتجارة مع إيران، ولفرشوا لقادتها السجاد الأحمر في البيت الأبيض وأقاموا لهم الموائد والأفراح والليالي الملاح….
هذه حقيقة لا يختلف عليها إثنان ولا ينكرها أي عاقل في هذا العالم…
إلا أن إيران أبت ورفضت وتحدت وجابهت، ففرضت عليها الولايات المتحدة أقسى نظام عقوبات مشددة عرفتها البشرية في تاريخها، وكل ذلك لعيون ربيبتها إسرائيل فقط لا غير…
فاليوم أمريكا لا تعاقب فقط كل شركة في العالم تتعامل مع إيران، وإنما تعاقب كل من يتعامل مع من يتعامل مع شركة تعرف شخصاً يعرف آخراً يتعامل مع إيران…
هذا هو مستوى السعار غير المسبوق في محاربة إيران اقتصادياً هذه الأيام، ومع ذلك لم يتزحزح قادتها عن مواقفهم شبراً واحداً، ولم يتبدلوا أو يساوموا أو يتنازلوا، بالرغم من كل الخناق والعقوبات والتضييق والمتاعب والمصاعب والمشقة وشظف العيش…
بعد هذا كله، يتوقع الإنسان الطبيعي أنه تقديراً لهذا الموقف التاريخي، سيكون العرب هم أشد الناس صداقةً ومحبةً وعرفاناً لهذه الدولة التي ضحت بكل ما تملك من أجل نصرة قضيتهم العادلة ضد الاحتلال الغاصب لأراضيهم، أليس كذلك؟
هذا طبعاً سيكون هو واقع الحال لو أن العرب هم جنس طبيعي من البشر الأسوياء…
إلا أنك اليوم لن تجد من الشامتين بالاحتجاجات والقلاقل التي أصابت إيران ولن تجد من الفرحين بالمصاعب التي يواجهها الإيرانيون والتي تسببت بها هذه العقوبات المتوحشة أكثر انحطاطاً ونذالةً من العرب أنفسهم!!
سيبرر لك بعضهم هذه الشماتة بما حصل في العراق، وسيقولون لك أنظر ماذا فعل الإيرانيون بالعراق، وهذه الفئة من الناس إما أنها نسيت أو أنها تستهبل وتتناسى أن جميع الطائرات التي أقلعت لتدمير العراق عن بكرة أبيه وتحويله إلى حطام وركام في 2003 أتت من أراضٍ ومطارات عربية وليست فارسية، وأن إيران رفضت رفضاً قاطعاً أن تشارك في تلك الخيانة الدنيئة لتدمير بلد عربي وقتل مئات الآلاف من شعبه، بالرغم من جراح وآلام حرب الثماني سنوات عليها…
يتناسى هؤلاء أن إيران لم تدخل بثقلها إلى العراق إلا بعد أن أمعن العرب فيه أولاً طعناً بخناجرهم المسمومة خلال الغزو، وبعد ذلك بمفخخاتهم اليومية وأحزمتهم الناسفة وإرهابهم وداعشهم وذبحهم وسبيهم ووحشيتهم…
هذه هي الحقيقة الدامغة التي لا لبس فيها، ولكن المرض الطائفي انتشر واستفحل ونهش العقول والضمائر والفطرة السليمة…
فتخيّل بربك أن تكون إيرانياً اليوم، وبعد كل ما فعلته بلادك من أجل فلسطين وأهل فلسطين وكل ما كابدته وعانته بسبب العقوبات والحصار، تخيل أن تنظر حولك، فماذا ترى؟
تصور أن ترى أصحاب القضية أنفسهم هم أول من يشتمونك ويتمنون الدمار والخراب لبلادك ويبتهجون إذا انخدش استقرارها، بل ويتآمرون ويحشدون ويحرضون عليك، ثم في نفس الوقت يزيدون من وتيرة انبطاحهم وهرولتهم تحت أقدام سارقي فلسطين وقاتلي أهلها ومشردي شعبها، وكأنهم في سباقٍ للتجرد من المروءة، وفي تحدٍ للتخلي عن القيم، وفي اختبار لامتهان الشرف والرجولة!!!
فيا إلهي ويا خالقي، من أي طينةٍ خلقت العرب، مولاي اسألك الجواب؟