بقلم: محمد الرصافي المقداد |
في قمة تأجيج الفتنة والتصعيد من نسق المؤامرة على سوريا، لاذ النظام السوداني بالصمت حيال ما يجري هناك، فلم يحرك ساكنا حتى بكلمة صدق يقولها في حق سوريا، وما تتعرض له من استهداف خطير، مساهمة منه في تجلية غيوم الدعايات المغرضة ضدها، التي كانت ابواق معروفة بعدائها الايديولوجي، تنفثها في وسائل الاعلام، تزامنا مع حملات تحشيد الدول المتورطة في المؤامرة على سوريا، في مقدمتها كل من السعودية وقطر والامارات، جماعات الارهاب التكفيري المتعدد الجنسيات، ضد النظام السوري الحاضن للمقاومة الفلسطينية، والممانع لأي اتفاق مع الكيان الصهيوني، وكانت مواقفه في الاحتضان والممانعة، تعد جريمة بحق هذا الكيان، لا تغفرها دوائر الاستكبار والصهيونية العالمية وفي مقدمتهم أمريكا، وتعمل جهدها على انهائها بأدواتها القذرة. وبعد 7 سنوات من الحرب بوكالة الارهاب التكفيري، انكشف لمستهدفي سوريا، سراب ما كانوا ينتظرونه من سقوط نظامها بسرعة، فما كان بالأمس محسوبا على الثورة السورية، افتضحت شخصياته وعلاقاته بالكيان الصهيوني، دعما وتسليحا وحماية واسنادا ومعالجة جرحى، زيادة على تصريحات قادته بالشكر والثناء على ما قدّمه، معتبرين ضمنيّا أنّ الكيان صاحب حق في فلسطين، بدلا من حقيقة أنه غاصبها ومشرّد شعبها. ولو أن امريكا والغرب تبيعها، أرادوا ارسال الجيوش لقتال النظام في سوريا، لكان الجيش السوداني أوّلها، ومشاركته تكون بحسب الأموال والامتيازات الاقتصادية المقدمة لنظامه، ورأسه الحاكم عمر البشير، كما هي حال مشاركته في العدوان على اليمن، ونتذكر جيّدا الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر، والذي كان أحد أهمّ أسبابه، تعبيره عن استعداده لإرسال الجيش المصري ليس لتحرير القدس وفلسطين، وإنما للقتال ضد النظام في سوريا، وهي مرحلة سابقة لأوانها بالنسبة لمخططي المؤامرة، وغير مضمونة العواقب، رأت أمريكا فيها تجاوزا لها ولمؤامرتها، فقررت في اسقاطه ارضاء للنظام السعودي، ومنعا لحرق المراحل.
بالأمس تفاجأ السوريون والعرب والعالم، بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وهو أول رئيس عربي يزور سوريا، بعد بدء المؤامرة عليها سنة 2011، وطبيعي دبلوماسيا أن يكون في استقباله نظيره السوري، الدكتور بشار الأسد في مطار دمشق الدولي، بما تقتضيه البروتوكولات الدبلوماسية. ما ذكرته الوكالة سانا السورية، (أن البشير قال للأسد: إن سوريا دولة مواجهة وإضعافها يشكل إضعافا لجميع الدول العربية.. وأن الأزمات التي تمر بها الدول العربية، تحتاج إلى (مقاربات جديدة) تستند إلى احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وأعرب عن أمله بأن تستعيد سوريا عافيتها، وأن يتمكن شعبها من تحديد مصير بلاده، مشددا على وقوف السودان إلى جانب سوريا وأمنها.) وكأنّ رئيس السودان بتعبيره، قد بوّأ نفسه مكان المصلح في الأمة، وفي نفس الوقت نسي، أنه قد أرسل تباعا، أكثر من خمسة آلاف عسكري نظامي من جيشه، بموجب اتفاق مع النظام السعودي، مشاركا بذلك بصورة عمليّة في العدوان على اليمن، ومقوّيا جهود التحالف الآثم عليه، ولم يلتفت الى ان اضعاف أي شعب مسلم عربيا كان أم اعجميا يضعف من قدرته على النموّ والازدهار، زيادة على ضعفه الامني والدفاعي، ما يتيح للأعداء استغلال آثاره، واليمن ليست مستثناة من قائمة الدول العربية والاسلامية، فتحت أي سبب جاءت زيارة الفريق عمر البشير الى سوريا؟ يبدو ان الزيارة كانت مفاجأة لنا، ولكنها لم تكن كذلك للنظام السوري، الذي نجح أولا في سحق واجلاء الارهابيين الى ادلب في الشمال السوري، وضمن لأغلب محافظات ومدن وقرى بلاده الأمن، واعادة الحياة والحركة الاقتصادية والادارية اليها، بعد جمود ومعاناة طويلين، وبدأت علامات النجاح السياسي، منذ أن كان ممثل سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري يفحم بتدخلاته، ردّا ممثلي الدول المتآمرة على بلاده، فلا يجدون لمنطقه ردا، بغير الافتراء والكذب والبهتان، إمعانا في تضليل الرأي العام العالمي، وأخيرا جاءت تعابير عدة دول عبر قنواتها، عن عزمها اعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، دليل على نجاح النظام السوري، في الصمود أمام الهجمة الشرسة – التي تعرض لها شعبه وبلاده التي بقيت الى اليوم الجبهة المفتوحة، والحاضنة المشكورة لمقاومة العدو الصهيوني- وحسن تعامله معها. واعتقد ان البشير لم يكن قادما من تلقاء نفسه فقط، ويبدو أنه محمّل ايضا برسالة أو مقترحات من طرف النظام السعودي، الذي قد لا يستجيب لطلبه في انهاء مشاركة قطاعات من جيشه في العدوان على اليمن، والتي اعلن عنها السودان في شهر سبتمبر الماضي، وتبدو زيارته مندرجة في اطار من الوساطة التي تحمّل القيام بها، محاولة في ترقيع ما يمكن ترقيعه، من انفراط العقد العربي بدأ من الجامعة، الى انفراط العلاقات الثنائية. كما يحتمل أن يكون الرئيس السوداني قادما أيضا، من أجل ان تتوسط سوريا لإعادة علاقات السودان مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي قطعها السودانيون تعسّفا منهم، وانتصارا لباطل دعاوى النظام السعودي، والسودان بطبعه غير مستقر في سياساته الداخلية، ويمرّ بأزمات عرقية خطيرة ( انفصال الجنوب/ نزاعات اقليم دارفور/ واضطرابات اجتماعية في العاصمة ومدن أخرى)، وخارجية، اذا اعتبرنا مطالبة محكمة لاهاي الدولية، تقديم البشير للمحاكمة، بتهم انتهاكات حقوق الانسان في السودان، والسودان يمر بأزمات اقتصادية متتالية، دفعت حكومته الى حافة حضيض بيع جنوده لمن يشتري، دون أن تعير اهتماما بمصيرهم، ولا حتى تسلم جثثهم. غموض الزيارة لا تمنعنا من القول، بنجاح النظام السوري، في معالجة مواقف اعدائه، ومن وراءهم من الساكتين عن الحق، جعلهم يتراجعون عن مواقفهم، ويعبرون عن استعداد مبدئي لإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، وهذا انتصار آخر يحسب للنظام السوري.