بقلم: صفاء إسماعيل |
على وقع تفشي التظاهرات الاحتجاجية التي تقودها حركة «السترات الصفراء» في فرنسا, من المتوقع أن تشهد العاصمة الفرنسية باريس اليوم «السبت» تظاهرة حاشدة ستشل حركتها, وتنذر بتصعيد الأمور إلى مستوى غير مسبوق وذلك لإرغام الحكومة الفرنسية على التراجع عن قرار رفع أسعار الوقود وإعادة النظر في النظام الضريبي بصفة عامة وتراجع القدرة الشرائية للفرنسيين منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه.
يبدو أن التزام ماكرون وحكومته الصمت بداية الاحتجاجات التي اندلعت الأسبوع الماضي والرهان على انحسار موجتها سريعاً لم ينجح, فحسابات الشارع الفرنسي لم تتوافق مع أمنيات ماكرون وحكومته, إذ استمر المحتجون رغم البرد القارس بالتظاهر ووضع نقاط تمركز جديدة, وقد أدى صمودهم لازدياد وتيرة التعاطف الشعبي معهم بشكل واسع واكتساح الاحتجاجات الغاضبة جميع أنحاء فرنسا ووصولها إلى الجارة بلجيكا.
وفي المقابل, بدأت علامات الارتباك والتخبط تظهر جلية في مواقف الحكومة الفرنسية من الاحتجاجات تارة باتهام المتظاهرين بالتطرف والتشديد على ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة ضد أي محاولة للإخلال بالأمن العام، وتارة أخرى بخروج ماكرون عن صمته ودعوة المحتجين إلى تعليق التظاهرات والجلوس إلى طاولة الحوار.
لم يكترث الشارع الفرنسي بدعوات ماكرون بل استمر في الغليان, واستمرار الحراك يعني ازدياد مستوى التأييد الشعبي له مع استقطاب منظمي الحركات السابقة. والأنكى بالنسبة لماكرون هو أن يتحول هذا الحراك إلى حركة اجتماعية شاملة في حال انضمت إليه النقابات العمالية القوية في فرنسا, خاصة في هذا التوقيت بالذات حيث يواجه ماكرون خسارة الأغلبية النيابية وتحوله لرئيس ضعيف بعد أن أسقط الفرنسيون عنه شعبيته التي تحوم اليوم حول 25% فقط بسبب تجاهله لمتطلبات شعبه وعدم تنفيذ وعوده بتغيير صورة الاقتصاد وإصلاح المؤسسات. ناهيك عن وصفه برئيس الأغنياء الذي يحابي بسياساته كبار رجال الأعمال والمصارف المتهمة بإيصاله للرئاسة لضمان مصالحها من خلال حزب سياسي ناشئ متجاوزاً الأحزاب السياسية التقليدية.
وأمام هذا المد الفرنسي الجارف الذي اكتسح الشوارع في حركة احتجاجية واسعة غير منتظرة من دون قيادة سياسية أو حزبية معلنة, يبقى السؤال: هل ستشكل حركة «السترات الصفراء» علامة فارقة في مستقبل الحياة السياسية الفرنسية خاصة أن هذه الاحتجاجات تشكل فرصة مناسبة للنقابات العمالية والحركات اليسارية للعودة بقوة واستلام الريادة, على غرار ما حصل لحركة «خمس نجوم» الإيطالية التي انطلقت بعد يوم غضب عام 2009 وباتت اليوم في السلطة؟