الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

ما حكاية الحزب الجديد في تونس؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

من غرائب الإعلام التونسي – وحتى لا اظلم القلة القليلة المحصنة من داء فقدان الشخصية -أنه لم يتخلّى إلى اليوم عن (أكسسواراته) القديمة، وظلّ يعمل بمفاعيلها السيئة تضليلا وإيهاما للرأي العام الداخلي بأنه تمخّض فولد شيئا حقيقيا تفرّد به من دون طبقات المجتمع الفكرية والعلمية، هذا الاعلام الذي أحاط نفسه بطوق من الإعاقة الشاملة فكريا وإعلاميا، قد وضع نفسه في قُمْقُم سليمان، صنعه له مردة السياسة والاعلام، ووضعوا أغلب مؤسساته وأهله بداخله، لا يقدرون على شيء مما كسبوا من باطل.

إعلام جرّع  شعبنا الأسى والحزن والغبن والحسرة في أزمنة ظلم ودكترة كان ينتظر منه بعض المواساة فلم تأتي منه ولو زفرة حق واحدة طوال نصف قرن، ولمّا تحرر اليوم استمر في نفس النهج الأول بشيء من التغيير في أدائه، وعوض أن يتخلّص من عقده الماضية انخرط في مخططات جديدة ليس من شأنها أن تنير الرأي العام الشعبي وتستنقذه من تحالف اعلامي غربي مسيطر على وسائل الاعلام الدولية والمحلية، يستقي منه اعلامنا تحاليله وتعاليقه، فما رآه الإعلام الغربي هو عين الصواب، وما عداه فهو مجرّد شهادات زور.

جاء في مقالة بصحيفة العرب الإلكترونية، مقال مثير بالشكوك، حول الحزب الحشد الشعبي الجديد الذي أٌدُّعي عليه أنه استلهم اسمه من اسم الحشد الشعبي العراقي ما أثار (جدلا سياسيا واسعا في الأوساط التونسية، وسط رفض وتحذير كبيرين من خطورة التسمية التي قد تحمل دلالات تهدد وحدة البلاد واستقرارها، خصوصا في ظل اقترانها بميليشيات عراقية ينظر إليها كذراع إيرانية مزعزعة للاستقرار في العراق.) (1)

فلينظر عاقل أوّلا إلى غربة هؤلاء المثيرين لهذه الشبهات، كيف حادت بهم قافلتهم عن معين اللغة العربية المغبونة الغريبة بين أهلها، وألفاظها دّالة بوضوح في اطلاقاتها على مضمونها، فحشد يحشّد حشدا، بمعنى جمْعٌ والحشْد هو الجمع من الناس، وهو لمن يرى بعين الإنصاف إطلاق متاح لمن يرغب فيه، وليس مخصوصا بالعراق ومؤسسته الحشديّة المعترف بها قانونا في الدستور العراقي، وتعتبر رديفا ناجعا وناجحا للجيش العراقي في التصدّي لداعش الإرهابية، ولا علاقة له بإيران بالأساس، بدليل الفتوى التي أطلقها المجتهد والمرجع العراقي السيد السيستاني.

وإيران التي عادة ما يستهدفها الغرب بسياسات دوله وإعلامه بالتهم المعادية لها ولمشاريعها، وهي في أغلبها تهمٌ باطلة لا أساس لها من الصّحة، تندرج جمعها في إطار حملات التشويه التي ما فتئت تعرض لها من حين لآخر، تعطيلا لنفاذ مشاريعها التحررية، إلى قلوب أشقائها من العرب والمسلمين، ذنب إيران الوحيد في العراق، أنها استجابت لنداء الأخوة والجيرة التي تربطها بالعراق دينا وأرضا وشعبا وتاريخا، فقامت بتسليح وتدريب هذا الحشد بمختلف أنواع الأسلحة، ليدحض أحلام داعش وفلولها، ويسقط مخططا صهيونيا غربيا في الاستيلاء على العراق والشام، تمهيدا لشرق أوسط جديد، يقوده الكيان الصهيوني، بالنيابة عن قوى الإستكبار العالمي أمريكا وحلفاؤها الغربيون.

لذلك يمكن القول، بأن هذا الحزب التونسي الجديد لا علاقة له بالحشد الشعبي العراقي، ولا يرتبط به في أيّ شيء، وقد عرّف نفسه كما جاء في نفس الصفحة: (ويُعرّف حزب “الحشد الشعبي” -الذي تحصّل على التأشيرة الرسمية بتاريخ السابع عشر من مايو- نفسه بأنه  “حزب سياسي وسطي، يهدف إلى الرقي بتونس نحو التطور والتقدم، ويدافع عن مدنية الدولة ومبادئ الديمقراطية، وعلوية القانون وإعلاء قيم العدل والاعتدال والتسامح بين الجميع”.)(1)

فمن أين جاءت التخوّفات من هذا الحزب إذا؟ مع أنني لست مع هذه التسمية، خصوصا وأن اللغة العربية لم تُعْدم مفرداتها، ولا فقدت مختلف مسمياتها، حتى تكون عاجزة عن أداء وظائفها، في مواكبة الزمن والحضارة، الخلل الوحيد هنا يكمن في تخلّي أهلها عنها، إلى لهجات ولغات مستحدثة، لا يمكن أن تباريها ولا أن تجاريها في بلاغة ودقة مسمّيات، وكان على الذين أطلقوا اسم الحشد الشعبي على مشروعهم السياسي أن يحسبوها جيّدا، ويكون لهم بعد نظر في ما أقدموا عليه، ولكن ماذا يمكن القول فيمن انطلق خطأ منذ بداية سباقه السياسي، وهو يحمل عنوانا يحتمل مغالطة لن تنفعه في شيء، وستضعه في خانة الأحزاب المؤسسة شكلا والفاشلة شعبيا، ليس لسوء إدارتها وتعاملها مع المشهد السياسي التونسي، أو لفقدها المشروع اللازم لكسب تأييد التونسيين، ولكن فقط لما ستعود عليه هذه التسمية من آثار سلبية، بدأ باستغلالها منافسوه منذ أول ظهوره على الساحة، وعالم السياسة لا يرحم من لا يكون على حذر وحيطة منه.

تُعدّ بلادنا تونس رائدة في مجال كثرة الأحزاب تعدادا فقد بلغت 245 حزبا إذا اعتبرنا هذا الحزب الجديد(3)أغلبها محسوب في التعداد والإحصاء وقليل منها عامل على الساحة ولها شعبيتها، ولا أعتقد أن زيادة أعداد الأحزاب ستحلّ مشكلة البلاد والعباد، بقدر ما أرى أنها ستزيد من اختلاط الحابل بالنابل في الميدان السياسي التونسي، لذلك لزم القول بأنه آن الأوان لمراجعة متأنّية، ودراسة مستفيضة للأحزاب التي لا تملك شعبية، تؤهّلها من البقاء على الساحة التونسية، وحظر من لا شعبية له، والميدان في العمل السياسي هو الفيصل، الذي يحكم بالنجاح والفشل على كل حزب.

ما ينفع شعبنا وبلادنا ليس إطلاق الدعايات والتهم، كيفما اتفق ولو بالتوهّم، وهذه عادة يجب أن تعيها طبقاته المثقّفة على الأقل، فلا يسقط في شراك أدعياء الإعلام الفاسد، الذي لم يراع قديما ولا حديثا مصلحة الوطن، ومعالجة الأمور برويّة وبلا تحميلها ما لا تحتمله، سيزيد من تحصين جبهتنا الدّاخلية من الاختراقات والفتن، ومطارحة أفكار بعضنا، من شأنها أن تزيل الشُّبَهَ وترفع الإلتباسات، التي عادة من يتركها الإعلام وراءه، لتثير الضجة ولا يُستبعد أن تفتح علينا باب فتنة نحن في غنى عنه، قد يفرح المواطن التونسي التائه بين هذه الأعداد من الأحزاب، عندما يأتي قرار حكيم بحظرها، وفق مردودها التعيس، مثلما فرح بتجميد وحل البرلمان، الذي أصبح مرتعا للفاسدين وحلبة تهريج، من يدري فالعدد أصبح لا يُحْتمل، ولا ترى له فائدة واحدة، في عالم بدأ من زمان يختصر أساليبه السياسية برمجة وأحزابا.

المصادر

1 – الحشد الشعبي حزب جديد يثير قلقا سياسيا في تونس

https://alarab.co.uk/

2 – https://alarab.co.uk/

3 – قائمة الأحزاب السياسية في تونس https://ar.wikipedia.org/wiki

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024