إعداد: دنيا عبد القادر
شهدت منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة وتزامنًا مع توقعات بطول أمد الحرب الروسية في أوكرانيا، تحركات كبيرة، لعل أبرزها الجولة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، والتي استمرت ثلاثة أيام، خلال الفترة من يوم الاثنين الماضي، الموافق 20 حزيران/يونيو، حتى الأربعاء الماضي، الموافق 22 حزيران/يونيو، وكان قد استهل جولته بزيارة مصر وبعدها الأردن ثم كانت تركيا محطته الأخيرة، في زيارة هي الأولى من نوعها، منذ اغتيال الصحفي السعودي «جمال خاشقجي» في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
توقيت الجولة
القمة الأمريكية المرتقبة
لا شك أن عامل توقيت الزيارة يجب أخذه في الحسبان، إذ جاءت تلك الزيارة قبيل أقل من شهر على قمة جدة المنتظرة في 16 تموز/يوليو المقبل مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، والتي ستكون قمة أمريكية خليجية أردنية مصرية عراقية، كان قد دعا إليها العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» وستضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست، والعاهل الأردني الملك «عبد الله الثاني»، والرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» ورئيس الوزراء العراقي «مصطفى الكاظمي». لذا جاءت الجولة الأخيرة لولي العهد السعودي؛ تمهيدًا لتنسيق المواقف العربية وقضايا المنطقة المشتركة حتى تجني القمة المرتقبة ثمارها. كما تتزامن هذه الجولة كذلك مع ذكرى مرور 5 أعوام على مبايعة «محمد بن سلمان» وليًا للعهد في السعودية في 21 حزيران/يونيو لعام 2017.
إطالة أمد الحرب الروسية
فرض دخول الحرب الروسية في أوكرانيا في شهرها الخامس، واستمرار التصعيد الروسي من جانب والتصعيد الأمريكي الأوروبي من الجانب الآخر، على قادة منطقة الشرق الأوسط إلى محاولة التعجيل لمواجهة أبرز الآثار السلبية المترتبة على هذه الحرب؛ ولعل أهمها الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، وما تبعها من ارتفاع أسعار بشكل ملحوظ وزيادة معدلات التضخم، فضلًا عن زيادة التوترات والغضب الاجتماعي داخل بعض بلدان المنطقة.
القمة العربية في الجزائر
تأتي الجولة كذلك، في ظل قرب انعقاد القمة العربية في الجزائر، في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر القادم، بعد اتوقف دام حوالي سنتين، إثر جائحة كوفيد-19، ومن المتوقع أن تكون أبرز قضايا هذه القمة؛ هي تداعيات العملية الروسية في أوكرانيا، والعلاقات العربية، العسكرية والأمنية والاقتصادية، بروسيا والصين، وموقف الدول المشاركة من الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي.
دلالات الجولة
الفشل المرتقب للاتفاق النووي
على الرغم من محاولات واشنطن والدول الأوروبية في التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعقد مفاوضات فيينا، وهي مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، منذ نيسان/أبريل 2021، إلا أنه وبعد مرور أكثر من عام، تترسخ عقيدة فشل الاتفاق النووي، يومًا بعد يوم، لا سيما مع كشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بين الحين والآخر، عن أنشطة نووية إيرانية سرية، وهو ما يعني أن طهران مستمرة في برنامجها ولن توافق على التخلي عنه أو الحد من أنشطتها. وبطبيعة الحال لا شك أن مثل هذا الأمر يمثل تهديدًا للسعودية، التي لا تزال تعتبر إيران -الداعم الرئيسي للحوثيين- عدوها اللدود، لذا امتلاك إيران سلاح نووي سيضاعف من مخاوف المملكة. وعلى الرغم من محاولة العراق للتدخل كوسيط بين السعودية وإيران إلا أن ما زالت الرياض تقترب بحذر.
إنهاء العزلة
منذ وصول «بايدن» إلى البيت الأبيض واعتباره الرياض، في عام 2019، دولة «منبوذة»، شعرت السعودية بأنها ستدخل مرحلة حرجة وغير مسبوقة في علاقتها مع أهم دول العالم خاصة وأن المملكة منذ اتفاق «كوينسي» بين مؤسس المملكة «عبد العزيز آل سعود» والرئيس الأمريكي آنذاك «فرانكلين روزفلت» كانت تشهد علاقات قوية. لذا وبعد الحرب الروسية تبدلت النظرة «البايدنية» إلى الأمير «محمد بن سلمان»، وتأكد أنه من الصعب عقد أي تحالف للتصدي لهذه الحرب من جهة والتهديد الإيراني من جهة أخرى من دون إشراك المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أهم دول الخليج، التي من المستحيل تجاوزها.
وبالإضافة إلى ذلك وفي ظل ما تعانيه أنقرة من معدلات تضخم عالية وصلت إلى 69,97%، في نهاية نيسان/أبريل، فضلًا عن تراجع معدلات السياحة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، علمت تركيا أنها بحاجة إلى التصالح مع «ابن سلمان» وتنحية الخلافات معه جانبًا، من أجل الحصول على تمويل سعودي لدعم خزائن البنك المركزي وزيادة الاستثمارات السعودية، التي ستساهم في ترسيخ حكم الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ومن ثم زيادة فرص بقائه في السلطة. وفي مقابل ذلك من المفترض أن تحصل الرياض على الطائرات التركية بدون طيار، التي نجحت أنقرة في التسويق لها بشكل كبير كما أن الحرب في أوكرانيا أثبتت أيضًا مدى أهمية هذه النوعية من الطائرات، فضلًا عن أنه مع زيادة هجمات الحوثيين على الرياض بالطائرات المسيرة، أصبحت تلك الطائرات التركية مطلوبة أكثر.
ما بعد زيارة «بايدن»… حلف جديد!
خلال مقابلة له مع شبكة «سي ان بي سي» الأمريكية، أعلن العاهل الأردني الملك «عبد الله الثاني»، عن تأييده إنشاء حلف «ناتو شرق أوسطي»، بمهام واضحة ومحددة، وأن بناء الحلف سيكون مع البلدان ذات التفكير المتشابه، معربًا عن أمله في انضمام المزيد من بلدان المنطقة لهذا المزيج. يأتي ذلك بعد أن أعلن البيت الأبيض عن اعتزام الرئيس الأمريكي، زيارة المنطقة، كجزء من ضغط أمريكي لبناء تحالف أمني- اقتصادي أوسع يضم دولًا عربية وإسرائيل.
وكانت فكرة تشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي قد جرى تداولها بعد أشهر من توقيع «اتفاقات إبراهام» بين عدد من دول الخليج و«إسرائيل» برعاية أمريكية. وظهرت حينها الفكرة بمقال لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي «رونالد لودر» في موقع «عرب نيوز» السعودي، وأشار «لورد» في مقاله إلى أنه شعر بعد جولة له في المنطقة بأن صناع الرأي والقرار في الشرق الأوسط يتشاركون القلق حول الملفات نفسها. لذلك راودته فكرة دمج الصراع العربي الإيراني مع الشراكة العربية الإسرائيلية في تحالف استراتيجي باسم منظمة الدفاع في الشرق الأوسط (MEDO)، معتبرًا أنها ستكون قادرة على مواجهة خطر إيران.
وعلى الرغم من أنه لم يصدر حينها أي رد فعل رسمي من جانب الدول العربية على هذا المقترح الإسرائيلي، إلا أن اعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نشر المقترح في صحفية سعودية يعتبر حدثًا في حد ذاته، يعكس تسامحًا مع طرح ها المقترح. بل وبثت قناة «آي 24 نيوز» الإسرائيلية، آنذاك، تقريرًا حول قيام «إسرائيل» بإجراء مباحثات مع السعودية والبحرين والإمارات بشأن إنشاء تحالف دفاعي من أربع دول.
تريد واشنطن من هذا الحلف إخفاء عجزها وفشلها في التوصل لاتفاق بشأن النووي الإيراني ومواجهة طهران، في حين تريد «إسرائيل» حشد الدول العربية ضد التهديد الإيراني، لكن إيران لا تعتبر تهديدًا لجميع الدول العربية بل إن الخطر الإيراني يتفاوت من دولة عربية لأخرى، كما أن هناك عددًا من الدول العربية التي ما زالت ترفض التطبيع مع «إسرائيل» وتعتبر «إسرائيل» تمثل خطرًا أكبر عليها من إيران لذا من الصعب حشد تحالف عربي إسرائيلي ضد طهران.
من جانبهم، رأى عدد من المراقبين أن مشروع التحالف مع «إسرائيل» سيفشل بلا شك، بل وستنتهي زيارة «بايدن» إلى تفاهمات على زيادة إنتاج البترول الخليجي وحلحلة بعض القضايا العالقة بين دول المنطقة والإدارة الأمريكية. ففكرة التحالف مع «إسرائيل» هي فكرة لن تتقبلها الشعوب العربية بل وستشعل غضب الرأي العام تجاه حكام المنطقة، الذي يعتبر «إسرائيل» دولة احتلال، ومن ثم التحالف معها سيأتي على حساب القضية الفلسطينية، التي توليها شعوب المنطقة اهتمامًا خاصًا.
تطبيع سعودي إسرائيلي… هل يمكن؟!
ربما سيتناول لقاء «بايدن» المنتظر مع «محمد بن سلمان» عملية التطبيع مع تل أبيب، لكن القول بإنه سيكون هناك تطبيع في الوقت الحالي، هو قول غير صائب، فهي عملية معقدة تنتظر التوقيت المناسب، فكما قال وزير الخارجية الإسرائيلي «يائير لبيد»، في وقت سابق، إن «التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية سيكون عملية طويلة وحذرة» مضيفًا أنها «ستكون عملية بطيئة من التفاصيل الصغيرة، لكن نعمل على الأمر مع الأمريكيين وبعض أصدقائنا في دول الخليج وعلى مستويات مختلفة، ومصر بالطبع طرف مهم».
فعملية التطبيع السعودي مع «إسرائيل» غير ممكنة حاليًا لكن في الوقت ذاته هناك بعض المؤشرات التي توحي بإمكانية حدوثها في المستقبل بشكل تدريجي، إذ سبق أن قال ولي العهد السعودي خلال مقابلة مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية، في آذار/مارس الماضي، إن «المملكة تنظر إلى «إسرائيل» كحليف محتمل في العديد من المصالح المشتركة». كذلك لم تبد السعودية أي اعتراض حين قررت حليفتها الإمارات تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، كما أكدت السعودية حينها أنها وافقت على السماح لكل الرحلات الجوية المتجهة إلى الإمارات والمغادرة منها بعبور أجوائها، بما في ذلك الطائرات الإسرائيلية.