بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني |
ما يجري في لبنان لا يمكن فصله عما يدور في المنطقة التي تحاول فيه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والادوات الاقليمية العربية والغير عربية في تقسيم المنطقة وخلق الفتن الطائفية وتجويع شعوبها وخاصة بما كان قديما يسمى بدول الطوق ورفع منسوب العقوبات الاقتصادية والتهديد بقطع المعونات المقدمة لبعض الدول حتى تلك التي وقعت إتفاقيات سلام مع العدو الاسرائيلي بهدف تمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي لصالح العدو الصهيوني وسياساته التوسعية. ومخطىء من يظن ان صفقة القرن هي مولود جديد أو انها مقتصرة على تصفية القضية الفسطينية فقط. فالهدف الأبعد والأشمل والاهم الذي تسعى اليه الولايات المتحدة والصهيونية العالمية هو تنصيب الكيان الصهيوني القوة الاقتصادية والعسكرية على إمتداد الساحة الاقليمية وذلك من خلال الادوات العربية وخاصة الخليجية منها والتي تمتلك مئات المليارات من البترودولارات والتي تستخدم وبشكل فعال ضمن هذا المخطط. والامر لا يقف عند هذا الحد لان ذلك ايضا ما هو الا محاولة وربما تكون الاخيرة من قبل الولايات المتحدة لاستعادة نفوذها في المنطقة والتصدي لتصاعد الدور الروسي والصيني على الساحة الدولية. بمعنى انها محاولة لمنع كسر نظام أحادية القطب الواحد.
وبالعودة الى لبنان فقد كان واضحا أن الحراك الشعبي الذي بدأ محقا كحراك مطلبي ضد الفساد وضد هذه الهوة الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة بين فقراء الوطن وأغنياءه اللذين وعلى مدى اكثر من عشرين عاما على الاقل زادت ثرواتهم بشكل كبير وملحوظ نتيجة النهب واستفحال ظاهرة الفساد المالي والاداري, والارتباط بصندوق النقد الدولي الذي عمل مع ادواته في الطبقة السياسية اللبنانية على إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني وتحويله من إقتصاد انتاجي الى إقتصاد ريعي الذي شجع على نمو طبقة محلية فاسدة بإمتياز.
هذا الحراك المحق دخلت اليه عناصر تخريبية داخلية لها إرتباطات بالخارج من تركيا الى السعودية الى الامارات الى المخابرات المركزية الامريكية والسفارة الامريكية على وجه التحديد التي أصبحت تلعب دورا قذرا على المكشوف من خلال السفيرة الامريكية. ومما لا شك فيه ان نظام العقوبات الجائر على سوريا وحلفاؤها وأصدقاءها في المنطقة والدول التي لها مصلحة إقتصادية بإبقاء علاقات بالحد الادنى مع الحكومة السورية, هو نظام موجه لهذه الانظمة في محاولة لتركيعها وإجبارها على الدخول ضمن المخطط الصهيو-أمريكي للمنطقة والا فإنها ستجابه سياسة التجويع وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار عن طريق تحريك الشارع وإختراقه بعناصر تخريبية لا شأن لها بالمطالب الاجتماعية المحقة لهذه التحركات والعمل على زعزعة الاستقرار والسلم الاهلي في لبنان كوسيلة للضغط على هذا البلد.
الولايات المتحدة تريد تحويل سياساتها العدوانية نحو حزب الله الى مطلب وسياسة دولية وهذا ما يفهم من توجيه الادارة الامريكية الاوامر الى دول الاتحاد الاوروبي بإعتبار أن حزب الله اللبناني بفرعيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية وذلك في محاولة لتبرير سياساتها العدوانية تجاه لبنان . الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في محاولة لي ذراع محور المقاومة وهي تتصرف كمن لدغتها أفعى سامة فهي متخبطة ومرتبكة ويائسة كما يتضح من قراراتها سواء على مستوى الاقليم أو الساحة الدولية.
والى جانب ذلك ولمزيد من الضغوطات على لبنان أوعزت الى صندوق النقد الدولي التريث ووضع العراقيل امام تقديم أي قرض الى لبنان “لتساعده” للخروج من المأزق والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نتيجة تهريب مليارات الدولارات الى خارج البلاد في فترة زمنية لا تتعدى الاسابيع القليلة من قبل الطبقة السياسية الفاسدة والبنك المركزي اللبناني أي الاخطبوط والطغمة المالية اللبنانية. لايحتاج الانسان المتتبع للمعونات والقروض التي تقدم من هذا الصندوق الذي يأتمر بآوامر البيت الابيض الى الكثير من البحث ليستخلص انه أداة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة لتنفيذ استراتيجيتها الكونية بالدرجة الاولى.
لبنان يقف على مفترق طرق مفصلي وبالرغم من التهديدات والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها والتي يراها البعض انها نهاية المطاف ويدفع الى سياسة الاستسلام أو الى سياسة النأي بالنفس الكاذبة ليبرر تآمره وإنبطاحه الا أن لبنان كشعب وحكومة يمكن ان يحولان هذه السياسة العدوانية الى فرصة بالتوجه شرقا وخاصة ان هنالك دول أبدت استعدادها في الماضي والحاضر ان تنتشل لبنان من هذه الازمة وتساعده في النهوض مجددا. ولكن السؤال الهام هل بإمكان لبنان ضمن تركيبته الحالية أخذ هذا المنحى؟ وهل يتوجه الحراك الشعبي للضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ هذه السياسة والتوجه للتخلص من عقود من العبودية للغرب وعدم السماح للولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة للتلاعب بمصيره وأمنه وإستقراره؟ لقد آن الاوان وإنتهاز الفرصة لكنس النظام القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية الذي اوجده الإستعمار الفرنسي. لقد آن الاوان للوقوف ضد هذا التعجرف والوقاحة الامريكية والتصرف داخل لبنان وكأنه حديقته الخلفية وهذا ما دلل ويدلل عليه التصرفات الوقحة للسفيرة الامريكية التي تحاول تأليب اللبنانيين على بعضهم البعض من خلال دعوات فتن طائفية ومذهبية مقيتة.
وفي النهاية نود التاكيد على ان ما يدور حاليا في لبنان ما هو الا حلقة من مسلسل تمر به المنطقة ضمن استقطاب سياسي غير مشهود في المنطقة منذ زمن وتناحر وصراع بين محورين بارزين ومتميزين بعد إنعدام المساحة الرمادية التي استظل بظلها البعض لفترة طويلة نسبيا. محور منبطح مستسلم ومتآمر ومنفذ للسياسة الامريكية بما تتضنه من استيلاء على المنطقة والهيمنة على مقدرات شعوبها وتقديم الدعم الكامل للعدو الصهيوني ومحور مقاوم لهذه العربدة ويقاتل من أجل التحرير والكرامة الانسانية بالدرجة الاولى.