ليس جديدا أن تطلع علينا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن إيران، بتقريرها السّنوي المليء بالمغالطات، وهي تضمّ في هياكلها شخصيات منحازة، مختارة بدقة لتنفيذ مآرب سياسية، تريد أمريكا وحلفاؤها من دول الغرب، الوصول إليها عبر هذه المنظمات الدولية، بعدما يئست من الوصول إليها بطرقها الملتوية الأخرى.
وطبيعي أن يقع استهداف النظام الاسلامي في إيران، بما أبداه من قيم ومضامين حقوقية عالية، للإنسان بشكل عام، بقطع النظر عن جنسه وعرقه ومعتقده، واعتقد أنه لا يوجد نظام يحترم دستوره، ويعمل على تطبيقه بكل أمانة وإخلاص، مثل النظام الإسلامي في إيران، مدفوعا في ذلك بعاملين مهمّين:
العامل الأول: النصوص التشريعية المُلزمة للمسلمين من قرآن وسنّة نبوية، المستمدّ منهما الدستور الإسلامي الإيراني، التي تلزم نظامه بتطبيق حيثياته دون تردد، باعتبار ما يمثّله المصدر من قداسة وواجب، في مقابل تكالب دول العالم على تغييب أي مظهر حسن للإسلام.
العامل الثاني: الجهد المبذول من طرفه كنظام جديد منافس، في إظهار نموذج الحكم الإسلامي في أحسن مظهر وأدقّ تطبيق، يدعو بقية شعوب العالم الإسلامي وحكوماتها، إلى إعادة النظر في المناهج السياسية العلمانية المتبعة لديها، ومراجعة أحكامها المخالفة للإسلام، وهذا من شأنه أن يقوّض جهود أمريكا والغرب في تغريب المسلمين عن أحكام دينهم، ومن هنا جاءت مدعاة تشويهه من طرف أعدائه في مثاله الإيراني.
لم يقل أحد بأن النظام الإسلامي في إيران معصوم من الخطأ، لكنه في المقابل نظام أكثر عدلا من النظم الأخرى في العالم، بمؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية المنتخبة دوريا بكل شفافية، اختاره الشعب الايراني بنسبة بلغت 98.2% نظاما إسلاميا صرفا، بعد انتصار ثورته العظيمة، يرفض أن تختلط به أوهام المتوهّمين، من بِدَعِ السياسة الليبرالية أو الشيوعية، المعادية للإسلام نظاما سياسيا حاكما.
هذا النظام الإسلامي تعرض ولا يزال، لمظالم عديدة في مختلف المجالات، لا تقل وطأة بعضها عن البعض الآخر، في مقدّمتها الدعايات المغرضة لتشويه سمعته، وتقديمه للعالم على أساس منحرف عن بقية أنظمة الحكم السّائدة، التي قبلت على مراحل تشريع السقوط الأخلاقي، والسماح له قانونا بنشر الفساد في الأرض، كالمثلية الجنسية (قوم لوط) وإنهاء أحكام الإعدام بحق المجرمين والمفسدين في الأرض، وتفكيك الأسر من سلطة الأب، وبالتالي تحرير الأبناء في فعل ما يرونه منتشرا في أوساط مجتمعاتهم، من تحرّر كامل من القيم والأخلاق، بحيث يصبح الأب بلا دور تربوي ردعي، يحمي به أبناءه من الإنحراف.
ولا يبدو التقرير الجديد الذي صدر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، واصفا وضع حقوق الانسان في ايران بالمستقبل المروّع للشعب الايراني، من جميع الأديان والأجناس والأعراق، مختلفا عن سابقيه من حيث الادّعاءات الكاذبة والأرقام المزورة، فما أنشئ فيه يدخل في إطار الحرب الناعمة ضدّ النظام الإسلامي، ويغطي التقرير في دعواه، الفترة من مطلع يونيو (حزيران) 2020، إلى 12 مارس (آذار) 2021.
لم يكتفي البيان عند تشويه حقيقة إيران النّاصعة اليوم، بل ذهب إلى القول الى استعداد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للعمل مع المسؤولين الإيرانيين، من أجل إنشاء مؤسسات أكثر ضماناً لحقوق الإنسان في البلاد.(1) وكأنّ لسان حال من كتب البيان يقول، ليت هذه الأمنية تتحقق، فتعود أدوات الغرب الى غزوها من جديد ثقافيا وسياسيا وقانونا دوليا حاقدا على الإسلام الأصيل، ورجع إيران على أعقابها، إلى سالف حياة العبث والاستهتار بأحكام الله في المجتمع الانساني.
هذا وأعربت إيران خلال الاجتماع الـ 47 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، على لسان سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف (إسماعيل بقائي هامانة)، أن تقرير مجلس حقوق الإنسان ضد إيران مسيس تماما، ويحتوي كمًّا كبيرا من المعلومات غير الدقيقة والقضايا الخاطئة، تم تقديمه كجزء من عدد من الدول – بزعامة أمريكا- وفق برامجها العدائية ضد ايران، ولرسم صورة شيطانية عنها.
وأكد (هامانة) أن إيران ملتزمة تماما بدعم حقوق الإنسان، وتحترم التزاماتها الدولية، مطالبا جميع الدول بالإلتزام بمبادئ العالمية والحياد، وعدم التعامل بانتقائية في دراسة قضايا حقوق الإنسان، وإلغاء المعايير المزدوجة والتسييس، وأكد (هامانة) عزم إيران على مواصلة دعم حقوق الإنسان، وقال: سنواصل نهجنا من أجل دعم حقوق الإنسان، ومن ضمن ذلك التعاطي البناء مع سائر الدول، ومكتب المفوضية العليا التابعة للأمم المتحدة.(2)
القوى الغربية – بما فيها أمريكا – تعلم أن حقوق الإنسان تحت ظل النظام الإسلامي في إيران، مَرْعِيّةٌ ومُصانة أكثر من أي دولة أخرى، حتى في أمريكا نفسها، التي يرزح مواطنوها السّود تحت نير كراهية البيض وسوء معاملتهم، إلى القتل بدم بارد، لكنها مع ذلك تكابر وتراوغ، لإخفاء داخلها البشع المُخيف، الذي يهدد بانفجار حرب أهليّة، وفي المقابل تشويه الصورة الحقيقية النّاصعة للنظام الإسلامي، وتقديمه لدول وشعوب العالم على أساس منحرف، لا يحترم حقوق الانسان في ابسط معاييره.
من بين المصادر التي يستقي منها مجلس الشورى الإسلامي أحكامه العامة لسياسة الدولة، والخاصة بحقوق الانسان، عهد الإمام علي بن ابي طالب لمالك الأشتر، عندما أرسله واليا له على مصر، وهو عهد جدير به أن يكون أساس ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الانسان، وليس مجرّد تعبير صادر عنها، بأنه من أرقى ما كتب في مجال الحقوق على مرّ التاريخ، اقتطف منه الفقرة الثانية:
(وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك، مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم…)(3)
وجدير بمن ملك هذه الكنوز من مكارم الأخلاق وحسن السيرة، أن يكون مُعلِّمًا في قوانين حقوق الإنسان، وليس متّهما بالباطل، ومطلوبا منه أن يتعلّم ما يخالف تعاليم دينه، من طرف أكثر دول العالم إجراما وفتكا بالإنسان، جسدا وحقوقا أينما كان، وتواريخ أمريكا والغرب القديمة والحديثة، تشهد على ما اقترفه استعمارها من مصائب، ومع ذلك تتظاهر لنا اليوم بزعامتها للدفاع عن حقوق الإنسان، المهدورة بسياساتها العدوانية، في اليمن وفلسطين وغيرها من الشعوب المنتهكة، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، ولو كان لهذه الدول المستكبرة حياء بما اقترفته، ولا تزال قائمة عليه لخجلت من بهتانها.
المصادر
1 – طهران: تقرير مجلس حقوق الإنسان ضد إيران مسيس وغير دقيق
https://arabic.rt.com/world/1244768-
2 – مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: انتهاكات حقوق الإنسان في إيران “مروعة”
https://iranintl.com/ar
3 – نهج البلاغة الامام علي بن ابي طالب الرسائل رقم 53