بقلم: فوزي حساينية – كاتب جزائري |
كثيرا ما نقرأ في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مقالاتٍ أو نجد أشرطة فيديو تتحدث عن النزاع القائم في الصحراء الغربية من منطلقاتٍ تعوزها الموضوعية ويكتنفها التهجُّم ، وتفتقر إلى أدنى قُدرةٍ على الاقتراب من حقائق الأمور، وخاصة فيما يتعلق بأساسيات الموقف الجزائري أو بتقدير مدى إيمان وشرعية تمسُّك الشعب العربي الصحراوي بحقِّه في تقرير مصيره، والواقع أن طول النزاع، وتكاثف المناورات الرامية إلى حرمان الشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره يهدد بأن يجعل العالم أمام فلسطين أخرى في المغرب العربي كما قالت إحدى الكاتبات الفرنسيات.
لكن هذه المناورات التي تراهن على عامل الزَّمن لإفشال إرادة وإصرار الشعب الصحراوي على استعادة سيادته على أرضه سيكون مآلها الإخفاق الذريع لسببٍ بسيط وهو أن القضية الصحراوية موجودة بقوة على أرض الواقع، ومسجلة في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار أما في نظر الإتحاد الإفريقي فالصحراء الغربية جمهورية يخضع جزء من أراضيها للاحتلال،علما وأن الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية عضو مؤسس للإتحاد الإفريقي – كعضو كامل – ومعترفٌ بها من طرف عشرات الدول فليست الجزائر فقط هي التي تدعم حق الشعب العربي الصحراوي في تقرير مصيره، كما يُروج البعض فهناك عشرات الدول التي لها نفس الموقف منها جنوب إفريقيا، نيجيريا ، فنزويلا، كينيا ، تنزانيا، ودول أخرى كثيرة في حدود سبعين دولة أو أكثر علما وأن الجزائر هي ثالث دولة اعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بعد اعتراف دولتي مدغشقر وبورندي.
أما عن بعض الدول التي عادت وسحبت اعترافها فهي دول قليلة جدا ومسرحية الانسحاب لا تأثير لها على الطبيعة القانونية والسياسية للقضية الصحراوية، كما أن هناك الكثير من البرلمانات في العالم، والهيئآت، والجمعيات الممثلة للمجتمع المدني في مختلف أصقاع العالم تدعم هذا الحق، باعتباره الحل الوحيد لوضع حد للنزاع في الصحراء الغربية بين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، ولذلك فإن إصرار البعض على أن الجزائر طرف في الصراع الدائر في الصحراء الغربية، ليس أكثر من محاولة لتمييع الأمور، وتقديم صورة مغلوطة ومنافية لحقيقة الصراع الدائر بين المملكة المغربية، وبين جبهة البوليزاريو، فالحرب التي دارت في الصحراء الغربية من سنة 1975 إلى سنة 1991 كانت بين القوات الملكية المغربية وبين جيش التحرير الشعبي الصحراوي، وليس بين الجزائر والمغرب، والمفاوضات التي درات عدة مرات من لندن و لشبونة إلى جنيف ونيويورك كانت بين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو وليس بين الجزائر والمغرب، إنها في الواقع حقائق لفرط وضوحها لا يمكن لأحد أن يجعلها أكثر وضوحا.
ويجب التذكير هنا، أنَّه عندما تم وقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين يوم 06 سبتمبر 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقا لمخطط التسوية ( مخطط السلام الأممي الإفريقي) كان من المقرر وفقا لنفس المخطط أن يجري الاستفتاء على تقرير المصير في شهر جانفي1992 ، لكن تمت عملية تأجيل أُولى، ثم ثانية لتتوالى عمليات التأجيل إلى اليوم، والنتيجة هي عدم حل النزاع القائم في الصحراء الغربية بعد مرور ثلاثين سنة على وقف إطلاق النار! وإذا فعدم الالتزام بتنفيد بنود مخطط التسوية، هو الأمر الذي يفسر استمرار هذا النزاع وبقائه عالقا إلى اليوم، مع كل المخاطر التي قد تنجم عن ذلك، ولا علاقة للجزائر بهذا الوضع غير الطبيعي من قريب أو بعيد.
أما عن اللاجئين الصحراويين على التراب الجزائري فهم موجودون وفقا للأعراف والمواثيق الدولية التي تؤطر هذا النوع من التواجد لشعب ما تضطره الظروف لأن يكون خارج أرض الوطن، ولاشك أن السبب في هذا اللجوء هو وجود الجزء الأكبر من أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الشعبية تحت الاحتلال وانتهاء هذا الاحتلال يعني بداهة عودة اللاجئين إلى وطنهم، وشروعهم في بناء حياتهم ومستقبل بلادهم.
الأمور إذا واضحة وضوح الشمس، هناك طريق واضح ومحدد وقانوني وعادل لوضع حد للنزاع في الصحراء الغربية، وهو تنظيم استفتاء تقرير المصير، وفقا لمخطط التسوية الإفريقي الأممي لسنة 1991.
ولابأس أن نُذَّكرهنا أن الملك المغربي الراحل الحسن الثاني كان قد توصل إلى هذه القناعة بنفسه بعد سنوات طويلة من الحرب، وهو ماعبَّر عنه في تصريحه الشهير أثناء قمة الوحدة الإفريقية بنيروبي سنة 1981: “عندما أعلن عن إمكانية تنظيم استفتاء حول تقرير المصير في الصحراء الغربية “.
إن حق الشعوب في تقرير مصيرها من المبادئ الرئيسة في القانون الدولي، وجزء لايتجزأ من مجموعة حقوق الإنسان إذ ورد في الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة من الفصل الأول الذي يحدد مقاصد ومبادئ الهيئة الأممية :” إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.”
ولمن قد يتساءل عن مغزى الإشارة إلى هذه الفقرة من ميثاق الأمم المتحدة، أقول : عن حق الشعب العربي الصحراوي في تقرير مصيره أتحدث….وكذلك عن أؤلئك الذين صاروا يتبرعون بتقديم حلولهم الخاصة للقضية الصحراوية نيابة عن الشعب الصحراوي وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليزاريو.
ومن المناسب جداً هنا أن نتوقف عند بعض بعض المحطَّات التاريخية المضيئة في مسيرة القضية الصحراوية.
أولا: الصحراء الغربية مدرجة منذ سنة 1963على مستوى لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة باعتبارها من الأقاليم غير المستقلة.
ثانيا: سنة 1965 الأمم المتحدة تطلب من إسبانيا الشروع في عملية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.
ثالثا: في سنة 1970تم عقد اجتماع قمة في نواذيبو بموريطانيا بين المغرب والجزائر وموريطانيا لتوحيد الجهود حول دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
رابعا: يوم 10ماي 1973 تم الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، لتقوم بعدها بأيام قليلة بأول هجوم ضد القوات الإسبانية فيما عُرف بعملية ” الخنكة ” بقيادة الشهيد الوالي مصطفى السيد أول رئيس للجبهة.
خامسا: وفي 13 ديسمبر 1974 الجمعية العامة للأمم المتحدة وبطلب من المغرب تطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها حول الوضع القانوني للصحراء الغربية لتُصدر المحكمة رأيها الاستشاري يوم 16 أكتوبر 1975 الذي خَلص إلى “عدم وجود أية روابط سيادية بين المغرب أو موريطانيا ، وبين الصحراء الغربية “.
وهكذا فإن الاستعراض المفصل لقصة كفاح الشعب العربي الصحرواي منذ القرن الخامس عشر، ضد أولى محاولات التغلغل والغزو الأوربي إلى غاية وقف إطلاق النار سنة 1991، وأية قراءة موضوعية للجوانب السياسية والقانونية والاجتماعية للقضية الصحراوية، ستقودنا مباشرة إلى صميم المسألة، وهي عدالة هذه القضية، ومشروعية تَمسُّك الشعب الصحراوي بحقِّه في استعادة سيادته على أرض آبائه وأجداده.
وإذن نكرر مرة أخرى ، الحل جلِّي بيِّن ويتمثل في تمكين هذا الشعب العربي الأبي من حقه المُعطَّل في تقرير مصيره، فهذا ما يريده الصحراويون وما قاتلوا من أجله في مواجهة مختلف مشاريع الغزو والتحالفات التي سعت وتسعى إلى تشتيت صفوفهم والاستيلاء على أرضهم، وهذا ما أقرته لوائح الأمم المحتدة ومنظمة الوحدة الإفريقية ومن بعدها الإتحاد الإفريقي..والجزائر تدعم هذا الحق المشروع وتؤيده نزولا عند مبادئها المعروفة والثابتة في دعم حركات التحرر والنضالات العادلة للشعوب ونزولا عند مقتضيات الشرعية الدولية،هذه هي الحقيقة باختصار ووضوح، وكل ماعدا ذلك فمجرد مزاعم وإدعاءات لن تصمد أمام أبسط المناقشات، فمنذ البدايات الأولى للقضية الصحراوية كان موقف الجزائر هو نفسه دعم الحق الصحراوي في تقرير المصير، ولذلك رفضت الجزائر وترفض إلى اليوم كل محاولات التقسيم والالتفاف والمناورة التي تحاول الابتعاد عن الشرعية الدولية ابتداء من اتفاقية مدريد المشؤومة في 14 نوفمبر1975 بين كل من اسبانيا والمغرب وموريتانيا ووصولا إلى ما يسمى بمقترح الحكم الذاتي المُوسع المدعوم من قبل عدد من القوى الغربية صراحة أو مداورة، وهو المقترح الذي رفضته جبهة البوليزاريو لتعارضه مع حق تقرير المصير الذي لا يقبل التعديل أو التحوير.
والجدير بالتوقف عنده هنا أن المملكة الإسبانية لم يكن يحقُ لها أن تتنازل عن إقليم الصحراء الغربية لأي طرف كان، وذلك لكونها قوة مُستَعْمِرة يفرض عليها القانون الدولي أن تنزل أولا عند استفتاء تقرير المصير باعتباره الآلية الوحيدة لإخلاء مسؤولياتها والانسحاب المنظم من الإقليم الواقع تحت إشرافها وبسبب هذه الاتفاقية فإن إسبانيا تعد طرفا رئيسا ومسؤولا أساسيا وتاريخيا عن معاناة الشعب العربي الصحراوي، وعن عدم الاستقرار الحالي في المنطقة المغاربية إلى جانب فرنسا ودورها الغني عن التعريف.
ولذالك فإن السؤال المطروح منذ عشرات السنين سأعيد طرحه هنا، متى يمارس ” شعب فلسطين المغرب العربي” حقَّه في تقرير مصيره ؟ أم أن عليه أن يعود إلى حمل السلاح واستئناف الكفاح المسلح حتَّى يُصْغَي إليه ؟ بطبيعة الحال لا نتمنى أبدا أن تعود الحرب بين البلدين الجارين، والشعبين الشقيقين ، ولا نتمنى أبدا أن تسيل قطرة دم واحدة لا لجنود مغاربة، ولا لجنود من جيش التحرير الشعبي الصحراوي، ولكن وكما هو واضح للجميع فإن وضعية اللاحل الراهنة هذه لا يمكن استمرارها إلى مالا نهاية، بما يعني ان احتمالات العودة إلى المواجهة العسكرية بين المغرب وجبهة البوليزاريو تبقى احتمالات واردة ومطروحة بقوة الأمر الذي يزيد من أهمية النزول عند مقتضيات تقرير المصير، والذي كان من المفروض أنَّه قد تم في جانفي 1992 كما سبق القول.
إن لحظة إجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية،ستكون لحظة تاريخية عظيمة واستثنائية،ولن نكون أبداً إزاء انتصار طرف وانهزام طرف آخر،بل سنكون إزاء انتصار كبير لكل شعوب هذه المنطقة المغاربية الحيوية التي تتكالب عليها قوى الشرق والغرب، إن الشعوب المغاربية في الواقع شعب واحد وزعته أحداث التاريخ، وتقلبات السياسية على عدة دول، وحصول الشعب الصحراوي على حقه في تقرير مصيره، سيضع حدا لحالة الارتهان والانغلاق القطرية، بما يسمح لشعوب ونخب ودول المنطقة المغاربية بالانطلاق الذي لا رجعة فيه في معالجة مختلف القضايا والمشاكل التي تقف في طريق البناء المغاربي المشترك، كما سيكون بمقدور الدول والشعوب المغاربية أن تتفرغ لمعالجة بعض المشاكل العويصة التي تخلفت عن قرون من الصراعات الدامية مع شركائنا في الضفة الشمالية، وأعني بها تركيز الجهود على إزالة وتصفية ” إسرائيل المغرب العربي” أي التحرير النهائي والكامل لمدينتي ” سبتة ” و” مليلية ” وكل الجزر والصخور المغاربية التي تحتلها المملكة الإسبانية وتعتبرها دون وجه حق جزء من أراضيها؟!