حين يُسلم معظم المتابعين للتطورات في الشرق الأوسط ولاستمرار الحرب الأميركية التي لا تتوقف بأشكال وحشية من الحصار وفرض “العقوبات” الاقتصادية الأحادية على سورية وحلفائها، فإن هذا لا يعني أن الكيان الصهيوني لا تعتمل فيه الأزمات والمخاوف وعوامل القلق المستمرة برغم كل نتائج الانقسام العربي والإقليمي واستغلال الكيان الصهيوني له ضد سورية.
ولذلك كان مؤتمر “هيرتسيليا” الذي عُقد في كانون الأول عام 2019 قد توصل إلى استنتاج بأن «إسرائيل تبحر في مياه عاصفة وأن زمن التغيير قد حان». وحدد في هذا الاستنتاج التحديات التي تواجهها “القيادة” الصهيونية وطبيعتها الجوهرية ووضع بعض التوصيات لأصحاب القرار في “تل أبيب” من أجل مواجهة التحديات المتصاعدة.
وفي تشخيصه للواقع الذي يواجهه الكيان الصهيوني، يعترف مركز “هيرتسيليا” بأن القوى التي وقفت إلى جانب سورية من إيران إلى حزب الله ما تزال تشكل خطراً مركزيا يتطلب من نتنياهو زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة عند وقوع أي سيناريو للحرب ضد هذا المحور الذي يعده من أكبر التحديات في المنطقة.
ويكشف المركز أن وضع بعض الدول التي وقعت على اتفاق سلام مع “إسرائيل” لم يولد قوة لوضع الكيان الصهيوني، ويعرض مثالاً على ذلك المملكة الأردنية التي يعرب في تطرقه إليها عن مخاوف كثيرة من تطورات الأوضاع فيها، والحقيقة أن كل أشكال العلاقات التي نشأت بين “تل أبيب” وعمّان لم تؤد إلى ما ترغب به “القيادة” الصهيونية وما عولت عليه، فما زالت ترى في الشعب الأردني قاعدة لمعاداة الكيان الصهيوني ورفضاً للتطبيع معه، كما تجد أن الشعب المصري ما زال يرفض تطبيع علاقته مع الكيان الصهيوني حتى بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على اتفاقية “كامب ديفيد”، أما الفلسطينيون وكذلك السوريون في الجولان السوري المحتل فما زالوا يقاوموا قوات الاحتلال والمستوطنين دفاعاً عن أراضيهم ويتمسكون بها رغم كل أشكال الحصار والاعتقال والقتل.
وتشير استنتاجات مركز “هيرتسيليا” إلى خيبة الأمل من عدم قدرة الإدارة الأميركية على إقناع حلفائها باتخاذ السياسة نفسها التي اتخذتها حين اعترفت “بضم” القدس الشرقية أو الجولان السوري المحتل أو بضم كافة المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا ما سوف يقلل، بنظر المركز” من قيمة القرارات الأميركية على الساحة الدولية والإقليمية.
والحقيقة هي أن “القيادة” الصهيونية اعتادت بشكل تام الاعتماد على أن تتبنى الإدارة الأميركية كل مواقفها وسياساتها وانتهاكاتها لقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لكنها وجدت أن بقية الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة لا تتطابق في مواقفها مع واشنطن ولا مع الدور الأميركي في “فرض” السياسة الإسرائيلية على هذه الدولة أو تلك، فهذا الكيان لا يقبل بتعدد المواقف تجاه سياساته وانتهاكاتها الصارخة، لأنها تطيل أزماته وتربك وضعه.
ولذلك تجد “إسرائيل” نفسها أمام معضلة وجودية متأصلة في طبيعتها، فهي لم تتمكن رغم كل حروبها من وضع حل نهائي لهذه المعضلة مثلما لم تتمكن “اتفاقات السلام” أو اتفاقات التطبيع التي تعقدها مع بعض الدول من تحقيق ما ترغب، فالصراع حتى بوجود مثل هذه الاتفاقات هو اللغة السائدة سواء مع الشعب الفلسطيني أو مع بقية الشعوب العربية وشعوب المنطقة كلها.
كما لم تنجح “القيادة” الصهيونية رغم سياسة التبجح بقوتها العسكرية وبقدرتها على التدمير ونشر الخراب والقتل بإرهاب الذين تحتل أراضيهم وإرهاب كل من يقف إلى جانب دفاعهم عن حقوقهم، فما تزال جبهة الكيان الصهيونية الاستيطانية الداخلية تزداد فيها عوامل الضعف مع كل تطور لتكنولوجيا الصواريخ وتكنولوجيا دقة إصابة الأهداف، وهذا ما أشار إلى أخطاره مؤتمر “هيرتسيليا”، “فالقبة الحديدية” المضادة للصواريخ التي يعدها جيش الاحتلال الصهيوني “الحل الأمثل” لمنع سقوط الصواريخ في جبهته الداخلية لم تتمكن من القيام بهذا الدور لا ضد صواريخ قطاع غزة ذات الصناعة المحلية ولا من إسقاط صواريخ المقاومة اللبنانية التي تتمتع بتكنولوجيا أكثر تطوراً ودقة بإصابة الأهداف.
وفي المجال العسكري تقدم مركز “هيرتسيليا” بتوصيات “للقيادة” تدعو إلى “زيادة تطوير القوات البرية عن طريق التدريبات والمناورات المتكررة لأن هذه القوات لا يمكن الاستغناء عن دورها في أي حرب مقبلة وخاصة مع جبهة الشمال”.
ويعول المركز على “إعادة انتخاب” الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأنه يعد أكثر من تطابق مع السياسة الصهيونية في المنطقة بالمقارنة مع عدد كبير من الرؤساء الأميركيين، وهذا يعني أن خسارة “تل أبيب” للرئيس ترامب ستضعها أمام رئيس جديد قد لا يتطابق مع سياستها على غرار ترامب.
كاتب من فلسطين