يوما بعد يوم يسقط زيف أقنعة الأنظمة العربية، فتظهر بطلائها المخادع للدين والوطنية، ويوما بعد آخر يبتعد عنا عامل المفاجأة، فتصبح العجائب والغرائب الطارئة على حكامنا أمرا مألوفا، وسمة رسمت ملامح ساستنا الا من رحم ربك، ومن مؤتمر الى اخر تنكشف طبيعة الانظمة العربية والاسلامية – لو صح التعبير – الميالة الى اتباع هوى بعضها، في التآمر على قضايا شعوب بعينها، وبيع استحقاقاتها في سوق مصالح دول الغرب بزعامة أمريكا. مؤتمري مكة الطارئين، مؤتمر القمة العربي والآخر الاسلامي، الذين دعا اليهما الملك السعودي سلمان وابنه ولي العهد، قد بنى بهما فيما مضى من عدوان على اليمن، عش دبابير من انظمة عربية، لم يجلب العسل للنظام السعودي قبل اربع سنوات، ولن يأتي به لاحقا، فأقصى ما تمخض عنه ذلك التحشيد، طنين مغالطات أصوات حكومات، رضيت من خلال البيان الختامي الذي نشر، بصفقة بيع شرفها وكرامتها، إرضاء لحكام، لم ينفعوا الأمة بخير منذ أن استلموا مصائر شعوبهم، وكان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك، لولا العمالة والتبعية التي اختاروها بمحض إرادتهم سياسة، وقطعت عليهم وجهة مصلحة شعوبهم. قمة افتتحها الملك سلمان بالتحريض على ايران، واصفا اياها بالإرهاب كأنما الإرهاب الوهابي خارج من ايران، وأن ما تعرضت له دول عربية من اعتداءات ارهابية كان بسبب التطرف الوهابي التكفيري القادم من إيران، سلمان من أجل أن يورّط أكثر الدول المدعوّة الى القمتين العربية والاسلامية قال: (إنّ عدم اتخاذ موقف رادع وحازم لمواجهة تلك الممارسات الإرهابية للنظام الإيراني في المنطقة هو ما قاده للتمادي في ذلك والتصعيد بالشكل الذي نراه اليوم.) واضاف:(نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء ما تُشَكله الممارسات الإيرانية ورعايتها للأنشطة الإرهابية في المنطقة والعالم، من تهديد للأمن والسلم الدوليين، واستخدام كافة الوسائل لردع هذا النظام، والحد من نزعته التوسعية(. الرئيس التونسي الذي كان من بين القادة المشاركين، شانه في ذلك شان بقية من جاء يطلب ودّ الملك سلمان وابنه، على أمل أن يجزل لهم العطاء، مهما شحّت عطاءاتهم، فبقرة آل سعود الحلوب، لا تزال تدرّ على من يلامس ضرعيها حليبا، وأموال النفط والحج لم تنفد بعد، جاء خطابه متمسّحا بأيادي الملك وابنه، مجاريا لهدفه الذي قصده من المؤتمرين الطارئين، في محاولة ادانة إيران بما لم تقترفه، فما كان يقصده من التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، يرمي إلى ذلك وإن لم يذكر إيران بالإسم. لا شك أن الرئيس التونسي يعلم جيدا، ما يجري من حرب عدوانية على اليمن، وجرائم التحالف الذي انشاه النظام السعودي، المرتكبة بحق الشعب اليمني، أصبحت متداولة في العالم، وقد ارتفعت أصوات مؤسسات حقوقية وسياسية، مطالبة بوقف العدوان، وحضر بيع الاسلحة على دوله المتورطة، وقلّ من لا يدرك آثارها الخطيرة على المدنيين هناك، أيعقل أن يتجاهل ما يعانيه بلد وشعب عربي وإسلامي، من عدوان وسفك دماء بريئة، تتكرر مأساته كل يوم، ويزداد وضعه بمرور الوقت تعقيدا؟ ويرتفع صوته ليندد باستهداف المدن الامنة في المملكة بالصواريخ البالستية، وعمليات استهداف السفن التجارية، قبالة سواحل دولة الإمارات، ومحطات ضخ النفط بالمملكة، فيراها تصعيدا يعرض الأمن الاقليمي للخطر، وتهديدا صريحا لأمن وسلامة الملاحة الدولية، وحركة التجارة العالمية، تجاهله لما يجري في اليمن من عدوان سافر، لا مبرر له شرعا ولا عقلا، ولا قانونا دوليا ولا قيما انسانية، لا يبرئه من تبعات مجاراة المعتدين، ومناصرة المجرمين، بمساندتهم في ما ذهبوا إليه من إدّعاء باطل. لقد عميت أعين عبيد الدنيا، عن التنديد بقوى العدوان على اليمن، أرضا وشعبا واستحقاقات، وتورط عدد من الدول العربية والاسلامية فيه بالمشاركة، وعدد آخر بالدعاية الكاذبة، وآخرون بالتجاهل والصمت على ما يجري، كأنما الشعب اليمني شعب عدواني، يستحق أن يعاقب بما هو وقع عليه. إن من أخطر ما ابتليت به أمتنا، ونحن ساكتون عليها، هذا التواجد الكثيف للقواعد العسكرية، الامريكية، والبريطانية، والفرنسية، في السعودية ودول الخليج، ومرابطة عشرات الاف الجنود والضباط، بمختلف أسلحتهم البرية والبحرية والجوية، ليبقى أمرا قائما مسكوتا عنه، كأنما هو عمل ضروري، متعلّق به سلم وأمن المنطقة، وواقع الحال يكشف مدى خطرها وحقيقة وجودها، بما تمثله من تهديد خطير لشعوب المنطقة. وفي المقابل يخرج علينا هذان المؤتمران الموجهين أساسا ضد إيران، ومحرضا تجار السياسة العرب ضدها، ليعبر عن تنديده بالتغلغل الإيراني بسوريا، مع أن التواجد العسكري الإيراني جاء بطلب رسمي من الحكومة السورية، ممثلة الشعب السوري والمنتخبة باختياره الديمقراطي، القائمة على حظوظه ومصالحه، وقد استجاب الايرانيون للطلب فارسلوا ضباطا قدموا خبراتهم في مكافحة الارهاب، واسهموا في كسر شوكته، وتطهير أغلب الاراضي السورية من وجوده، وهو إرهاب وهابي المنشأ، رعته ودعمته دول عربية عدة، في مقدمتها السعودية بتخطيط امريكي، اعترف به صناعه دون ضغط من أحد وكشف مستورهم. البيانات الصادرة عن القمتين تمحورت حول إيران، وإلصاق جملة من الدعاوى الباطلة ضدها، بحيث تبيّن أنّ الهدف الذي خطط له نظام الحكم في الحجاز استهدف ايران بايعاز أمريكي لا بار عليه، كمقدّمة للضغط على ايران من أجل تخلّيها عن دعم قضايا الامة التحررية كقضية فلسطين، ومناصرة الشعوب المستهدفة بالإرهاب الوهابي التكفيري كسوريا والعراق، والإرهاب الدولي كاليمن، فإن كنتم يا زعماء العرب، ترون ما قامت به ايران من اجل فلسطين وسوريا والعراق واليمن، بعين أمريكا وعملائها إرهابا، فبئس ما تهيّأ لكم، وهما اجهدتم انفسكم في ذلك، فإن محصّل ما ستبلغونه سيكون مزبلة التاريخ. الشخص الوحيد – تقريبا – الذي تجرأ وفضح البيان الصادر عن المؤتمر القمة العربية الطارئ، كان الرئيس العراقي (برهام صالح)، الذي قال ان ممثلي بلاده لم يشاركوا في صياغته، بما معناه ان البيان أسقط على المشاركين، وبالتالي فإن المشاركة في القمة كان شكليا، وهو مخالف لتراتيب المؤتمرات، وعمل اللجان في صياغة البيان المشترك من كل بلد مشارك. فيا لعاركم الذي اجتمعتم عليه، ويا لتعس مبادراتكم الفاشلة دوما، ويا لسوء ما ينتظركم دنيا وآخرة، يا مسوخ الحكام، ستبقون مسوخا رغم أن زمن المسخ قد ولّى، لكنكم مسوخ لا تحتاج إلى أن تظهركم إرادة الله على صوركم الباطنة الحقيقية، فما جئتم به من جنايات بحق شعوبكم ومقدساتكم، أفقدتكم انسانيتكم ورضيتم أن تكونوا أضل من الأنعام سبيلا.
الوسومالقمتين محمد الرصافي المقداد
شاهد أيضاً
الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد
لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …