ما فتئ ابو يعرب المرزوقي يتحفنا بين الحين والآخر، بهرتقاته العجيبة، وتحاليله السياسية الغريبة، البعيدة كل البعد عن العقل والمنطق والواقع، تأخذ كثيرا من قرّائها إلى فضاء من السّلبيّة المشبعة بتوهّم لا يزال يحفر في ذهنه بكلّ السّوء الذي وُجِد في عقل رجل، عرّفه أتباعه بفيلسوف النهضة، مما دفعني إلى القول بأنه لم يعد يملك من أدب التعقّل شيئا، إذا ما سمع أو شاهد أمرا متعلّقا بنجاحات إيران، أو حتى تناهى إليه مجرد اسمها، ما يرجح أن عقدة نفسية بليغة وعميقة مصاب بها – ولا أعلم لحدّ اليوم سببها – تجذرت في وجدانه، وتفرعت عروقها فيه، كوَرَمٍ خبيث، بلغ درجة اليأسِ من علاجه.
لم ألاحظ كتابة فيها نفس إسلاميّ متعقّل، منذ أن لفت بعض المخلصين انتباهي، إلى هذا الذي يدّعي في العلم معرفة، قد شحذ قلمه وأطلق عنان زندقته ليشوّه ويشكّك في حقيقة ثابتة ظلّت مستلهم احرار الأمة الاسلامية، ألا وهي الثورة الاسلامية الإيرانية نظاما وقيادة ومشاريع إسلامية، فقمت بالرّد عليه في مناسبات عديدة، استوجبت مني أن أبادر إلى ذلك في كلّ مرة، إيمانا مني بأن السّاكت عن الحق شيطان أخرس، وواجبا آليْتُ على نفسي أداءه خدمة للحقّ وأهله، ولعلّني في هذا الرّد – ولست من متابعي صفحة هذا الرّجل، لأنّها لسقوطها الفكري والأخلاقي لا تهمّني في شيء – أعيد التساؤل نفسه: ” ما الذي حدا بالمرزوقي فيلسوف الإخوان(1)، ليصُب جام غضبه وحقده على إيران الإسلامية، فيعمل على سلبها من دينها الإسلامي، ويقدّمها لقرائها على انّها عدوّ للإسلام والمسلمين، ويخوّنها بكل ما أوتِيَ من تَوهُّمٍ، ويفتري عليها بما ليس فيها أبدا، فتنة أطلقها ولم يكتفي بذلك حتى أقام عليها سرادق سلطان أنانيّته ليفتن بها كل من صدّقه، وفيهم من هم على نيّاتهم، يرونه مثالا للصدق وجدير بأن يكون مرجعهم في هذا السّياق، وعجبي ليس مما صدر منه من إثم عظيم، لو كان يعي ما ذهب إليه، فما كان تفلسف به سابقا من ترهاته أوقفنا على حقيقته، ودفعنا إلى أن ننفض أيدينا من هناته البائسة، وإنما عجبي من هؤلاء الذين وافقوه في هذيانه، وأمضوا عليه مؤيدين له ترّهاته، شاكرين فضله في غوايتهم بها، كيف قبلوا منه ورضوا به، وهو فاقد لأبسط منطق يجب أن يقال بحق إيران.
ألم يأنَ للرجل أن ينهي كل هذا الكمّ من الهراء الذي احتبس في عقله، وقد بلغ من الحقد على إيران عتيّا، أين ذهبت الوسطيّة في مواقف الرّجل، ومن عادة كبار الفلاسفة أن ينتهجوا في أفكارهم مواقفهم، منهجا علميا تحكمه استنتاجاته وبراهينه، لكنه أبى غير ذلك فذهب به هواه بعيدا، فضلّ عن طريقه ليسقط نفسه من علياء ما حصّله من فلسفة، إلى حضيض غوغاء القوم، فينخرط في زُمرِ نواعق الهمج الرعاع.
لم يلزمه الوحي القرآني وحديث النبي بشأن قوم سلمان الفارسي، وقد نسبه النبي إليه من خارج صفوة أهل بيته ولم ينسب أحدا غيره فقال: سلمان منّا أهل البيت.(2) أما بالنسبة للوحي فقد نزل بشأن الفُرْسِ آيتان كريمتان هما:
الأولى: (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (3) فقد أخرج الطبري وغيره: (لما نزلت الآية كان سلمان إلى جنب رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولّينا استبدلوا بنا؟ قال فضرب النبي (ص) على منكب سلمان، فقال: مِنْ هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو أنّ الدين تعلّق بالثريا لنالته رجال من فارس.) (4)
الثانية: ( وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) (5) أخرج البخاري عن أبي هريرة ، قال : (كنا جلوسا عند النبي (ص)، فنزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ) : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: فلم يراجعه النبي (ص) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسي، فوضع النبي (ص) يده على سلمان فقال : “لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ) .(6)
هذه نصوص لو كان في الرجل ذرّة إيمان تردعه، لاجتنب ظنونه وترك هواه، وتقيّد بالنصوص المتّفق عليها، بخوعا لما فيها من كرامة وفضل، لقوم أرادهم الله أن يكونوا أنصار دينه بعد العرب في زماننا، ومن هذا الإستبدال الإلهيّ، نشأ حقدُ الكثيرين منهم، من أمثال أبي يعرب المرزوقي على الفرس، فأطلقوا ألسنهم عليها بكل سوء ووقيعة(7)، دون أدنى تبيّن منهم، ولو على سبيل التثبّت، فأظهروا حسيكة نفاق أسود، ومضوا فيها مضيّ العميان، بحيث اتفقت مشاعرهم بخصوص النظام الإسلامي الإيراني وشعبه وأنصاره، مع أعدى أعداء إيران وهم الصهاينة والاستكبار العالمي، بل لعلّ المرزوقي فاقهم بغضا وحقدا، مع أنّ ما أظهره هذا النظام وقام به من جهود، وضحَى به من امكانات، من أجل قضايا التحرّر من الاستكبار والصهيونية، يغني كل مسلم عاقل عن الإصطفاف مع أعداء الإسلام، ومشاركتهم مشاعر العداء للنظام الإسلامي الإيراني.
وكأني بفيلسوف (الهانة) يحاول تجاهلا لمسيرة إيران، أن يمضي قُدُمًا فيما أتاه من تطاول على أسياده، ومن نبتت في قلبه حسيكة النفاق، فلن يهتدي للحق أبدا، ولو اجتمع الخلق كلهم إلى جانب إيران وهذا لن يحصل طبعا باعتبار السّنن الإلهية، في معادلة القلة المؤمنة مع الكثرة المخالفة، وهي معادلة لا تعطي تفوّقا للأكثرية على الأقلية بل بالعكس، وكأنّ فيلسوف الإخوان عماه حقده، بحيث لم يعد يتبيّن من إيران خصلة خير واحدة، وهذا يكفينا مؤونة كشف ما وراءه من خفايا، يعرفها هو ومن وجّهه هذه الوجهة الوقحة.
الشعب الايراني أعلم بنظامه، وهو الذي اختاره بمحض إرادته بنسبة 98%، (8)بعد أن تحرر من تبعيّة أمريكا وبريطانيا وبقية الغرب المستكبر، وهو يسير بخططه ومشاريعه الواضحة للصديق والعدوّ، سواء أكانت تنموية أو تحرّرية، داخلية أم خارجية، يعيش في إطار من الإيمان القوي بالإسلام المحمدي، وعودته كنظام عالمي يحكم شعوب العالم، بتمام العدل الذي فقدته، فُرْسٌ ونعم نِسْبتهم لسلمان، وما أدراك ما سلمان، اختارهم الله لتمهيده ( ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون)(9)
اصطمّت اذُنا وعميتْ عينا من لم يعطي هؤلاء الرجال الأبرار حقوقهم وعمِل على إخفاء فضائلهم على الأمّة منذ فجر إسلامها قديما وحديثا، ولا اعتقد أن ابو يعرب المرزوقي نسي أن كبار الحفّاظ وعلماء التفسير والفقه والحساب والطبّ والفلك وغيره هم فرس، فالنيسابوري، والطبرسي، والرازي، ألقاب نسبته إلى مدن ومناطق فارسية، كان لها الفضل في بلوغ المسلمين تقدّما علميا، في وقت كانت الشعوب الأوروبية تعيش عصورها المتخلّفة، هذا فضل قوم سلمان في الأول، الذي نفاه ابو يعرب تعنّتا، وفضل جيلهم الحالي أعلنوه بصراحة، وهو الدعوة إلى تحرير فلسطين، والعمل على تحقيق ذلك، وقد قدّم النظام الإسلامي لفصائل المقاومة الفلسطينية، من الأموال والأسلحة والخطط ما لم يقدّمه أحد غيره، وهذا ما اعترفت به تلك الفصائل وأعلنت شكرها لإيران مثبتة بذلك وفاءها والتزامها الكامل بمشروعها الإسلامي الأول الذي تبنّته وعملت لأجله بكل صدق وقوة.
وفضل إيران على دول وشعوب المنطقة، أنها وضعت خبراتها وامكاناتها العسكرية في خدمتهم، فأحبطت بمساعدتها مؤامرة الإرهاب التكفيري (داعش)، الذي رعته أمريكا لتأسيس شرق أوسط جديد تتحكم فيه إسرائيل، وهذا ما أربك حسابات الدول الغربية الاستعمارية، وعلى رأسها أمريكا، فتنامت مشاعر العداء للنظام الإسلامي، وعملوا على تشويهه والتآمر عليه داخليا وخارجيا، ببث الدعايات ضده، وتحريك العناصر المعادية له في الدّاخل، لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل الذّريع.
اصطفاف المرزوقي مع أعداء إيران، يدعونا إلى التساؤل عن العلاقة بينهما، أهي عفوية أم مُرتّبة قصدا، لأنّه من غير الممكن أن لا تكون هناك قواسم مشتركة بينهما، وهي قطعا ليست ايديولوجية، وتتزامن ثورة حقد المرزوقي مع ظهور انجازات جديدة تبدو فيها إيران في موقع تُحسدُ عليه، وهذا ما يغيضه بالأساس فيرى عكس خلق الله معبّرا عن تقزيم كل منتج إيراني، فهو حاقد لم أرى في حياتي مثله، قد سكن في قلبه حقد أسود، فران على قلبه، وأعماه عن ادراك حقيقة أو فضل واحد عن إيران.
ختاما وكلامي موجّه لأبي يعرب المرزوقي، أقول له: أهنّئك أخيرا، بأنك تفوّقت على أعدى أعداء إيران في جريان حقدك عليها، ومجاله الذي بلغ حضيض الصهيونية والإستكبار والوهابية، وكل أعداء القِيَم الصالحة لبناء جسور المودّة والنفع للمسلمين جميعا، وايران لم تفرّق بين أتباع المذاهب، ويشهد لها علاقاتها الواسعة في إطارها الإسلامي العام، كما أولت لبقية المعتقدات والأديان أهمّية، باعتبارها شعوبا مستضعفة يجب مساعدتها للتخلّص من التبعية، لن تنفعك غلواءك بخصوص ايران، ولو استعنت بشياطين العالم فلن تفلح في تشويهها ولن ينطلي تهريجك عليها سوى على المغفّلين والجهلة، ومن وضعوا ثقتهم فيك فخدعتهم بأباطيلك، فتعسا لك من رجل غلبته شِقوته.
المراجع
1 – محمد الحبيب المرزوقي https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج3ص598/ المعجم الكبير الطبراني ج6ص261
3 – سورة محمد الآية 38
4 – تفسير الطبري ج22 ص 192/ وتفسير ابن كثير آخر سورة محمد الآية 38/ سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن باب ومن سورة محمد ج5ص303ح3560
5 – سورة الجمعة الآية 3
6 – جامع أحاديث البخاري كتاب تفسير القرآن باب تفسير سورة الجمعة ج6 ص151 ح4897/ تفسير الطبري ج23 ص374 سورة الجمعة الآية 3/ تفسير ابن كثير سورة الجمعة الآية/ صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/ سنن الترمذي ابواب التفسير باب ومن سورة الجمعة ج5ص337ح3310
7 – عنتريات إيران دلالتها العكسية الا عند العرب
https://www.facebook.com/AbouYaarebMarzouki
8 – استفتاء إقامة جمهورية إسلامية في إيران مارس 1979 https://ar.wikipedia.org/wiki/
9 – سورة التوبة الآية 33/ سورة الفتح الآية 28