لسنا بحاجة الى أثيوبيا لنثبت، كدمى، مدى هشاشتنا في لعبة الأزمنة، وفي لعبة الأمم، وحتى في … لعبة القضاء والقدر!!
على رأس السلطة آبي أحمد الذي ينشط لتحويل بلاده الى قوة مركزية ان في اتجاه وادي النيل، أو في اتجاه القرن الأفريقي، وصولاً الى الخليج، دون أن تفارقه العقدة الجيوسياسية بالعثور على ثغر بحري لا بد منه لاقامة الأمبراطورية.
أثيوبيا التي تعني، باليونانية، الوجه المحترق، لا يزال يسكنها طيف منيليك الأول، نتاج الزواج الغامض بين بلقيس، ملكة سبأ، وسليمان بن داود، والذي حمل تابوت العهد، وكذلك لوحة الوصايا العشر، من اورشليم الى الحبشة، لتكريس مملكة يهوذا.
في الذاكرة الأثيوبية أن أقدم هيكل عظمي في التاريخ (4.4 ملايين سنة) وجد هناك.
وابان مملكة «آكسوم»، احتلت بلاد الثمانين اتنية، مصر، هي كانت عصية على الاحتلال باستثناء الغزو الايطالي (1936 ـ 1941).
واذ تعتبر أرض السبط اليهودي المفقود (الفالاشا)، يبدو أن غالبية الصحابة الذي أحاطوا بالنبي العربي كانوا أثيوبيين، بدءاً من بلال، مؤذن الرسول.
الاهتزازات السياسية، والاقتصادية، وحتى الاهتزازات الاتنية، لم تحل دون النظرة الفوقية الى الآخرين . دافيد بن غوريون كان يصف المثلث التركي ـ الايراني ـ الأثيوبي بـ «المعطف المقدس» حول «اسرائيل».
بالرغم من الفارق الحضاري بين الدولة (والمجتمع) في مصر، والدولة (والمجتمع) في أثيوبيا، يلاحظ أن بعض المحللين السياسيين الأثيوبيين، والذين يظهرون على الشاشات، يتحدثون عن «التفوق» الجغرافي والديموغرافي على مصر : 1.104 مليون كيلومتر مربع مقابل 1.01 مليون كيلومتر مربع، و115 مليون نسمة مقابل 100 مليون نسمة.
اللافت، في هذا السياق، أن السودانيين الذين يأخذون على الأثيوبيين انتهاك الاتفاقيات التي عقدت حول مياه النيل بدءاً من عام 1891، مروراً بـ 1902 و 1910 و 1959، يتهمونهم الآن بـ «محاولة اعادة بناء التاريخ». واقعاً، اعادة بناء … الجغرافيا!
لا المفاوضات، ولا الوساطات، تمكنت من زحزحة أديس ابابا التي تصر على أن حصتها من مياه النيل 86 في المئة، وهي نسبة قاتلة بالنسبة الى المصريين والسودانيين، كما تصر على البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من عملية ملْء سد النهضة هذا الصيف، لتقارب الكميات المخزونة 63 مليار متر مكعب.
لطالما تفادت القاهرة الكلام عن الخيار العسكري لمعرفتها بطبيعة التشابكات الدولية والاقليمية، دون أن يعلم أحد ما حمل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على «التهديد» بتفجير مصر للسد، وهو ما احدث ردة فعل صاعقة من أديس أبابا . آبي أحمد ذهب بعيداً في سياسات الغطرسة واللااكتراث. أخيراً، ألقى عبد الفتاح السيسي القفاز في وجهه «لا أحد بعيد عن قوتنا».
خبراء غربيون تساءلوا ما اذا كان باستطاعة غارة تقوم بها 100 طائرة مصرية تدمير السد قبل المباشرة بالمرحلة الثانية. ملؤه يعني تشكل قنبلة مائية يضاهي مفعولها، في تدمير المدن والقرى، مفعول قنبلة نووية اذا ما انطلق ذلك المخزون الهائل من المياه في اتجاه مصر والسودان.
«على من يريد أن يمخر عباب النيل أن تكون لديه أشرعة الصبر» .هكذا قال الكاتب البريطاني الحائز جائزة نوبل وليم غولدنغ.
ماذا اذا علمنا أن جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركية في عهد دوايت ايزنهاور أول من فكّر باقامة سد على النيل لاحتواء جمال عبدالناصر ؟ ما بين عامي 1956 و 1964، قامت ادارة استصلاح الأراضي في الولايات المتحدة باجراء مسح شامل للنيل الأزرق من أجل تحديد موقع السد. الانقلاب العسكري الذي أطاح الأمبراطور هيلاسيلاسي أوقف المشروع.
مسألة حياة أو موت بالنسبة الى مصر والسودان . اذ نفتش عن «اسرائيل»، وعن دول عربية، في التضاريس الأثيوبية، هل يبدأ آبي أحمد بمراجعة حساباته ؟ من القاهرة قيل لنا أن 1000 دبابة باتت جاهزة للانطلاق.
هذا لا يمـنعنا من أن نرفع صوتنا : حتى أثيوبيا يا عرب!