في أول مصافحتي للفكر الاسلامي الشيعي الامامي الاثني عشري عند الايرانيين، اكتشفت فيه عدة خصال، انفرد بها لم يشاركه فيها غيره، من الاتجاهات الفكرية والفقهية الاسلامية، من ذلك ارتباطه بالنصوص القرآنية، حيث ان الوحي أخبر عن ظهورهم في آخر الزمان، وقام بربطهم بالنبي صلى الله عليه واله وسلم برابط الانتساب اليه، فقال جل من قائل: “هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين واخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم.” سورة الجمعة الآيتين 2 و3 ففي اسباب نزولها اخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ : “وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم.” قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ : ” لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ – أَوْ رَجُلٌ – مِنْ هَؤُلَاءِ “.
(البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6ص 151 ح 4897/ مسلم باب فضائل الصحابة باب فضل فارس . ج7 ص 191 ح 2546/سنن الترمذي ابواب التفسير عن رسول الله باب سورة الجمعة ج5ص 337ح3310/ ابواب المناقب عن رسول الله باب فضل العجم ج6ص 212 ح3933/مسند احمد نسند ابي هريرة ج15ص237ح940)
ولم يقف الوحي الالهي عند هذه الآية، وانما أضاف الى رصيدها، الموجه في مضمونه لقوم سلمان الفارسي، الذي زاده النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرفا، بان وقف في وسط الذين كانوا يستهزئون بلكنته الاعجمية، جهلا منهم بقيمته وعلو مكانته وهمته، فقال:” سلمان منا اهل البيت.” (المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري في ذكر سلمان ج3 ص598 )
فقد نزل فيهم ايضا قوله تعالى: “وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم.”
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ : “وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.” قَالُوا: وَمَنْ يُسْتَبْدَلُ بِنَا؟ قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِبِ سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: ” هَذَا وَقَوْمُهُ، هَذَا وَقَوْمُهُ “.
(سنن الترمذي ابواب تفسير القران باب ومن سورة محمد ج5ص303ح3260)
إذا كان الفرس وهم الايرانيون اليوم، بهذه المكانة والحظوة عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلماذا تعادونهم؟ أهي جرأة على الله ورسوله أم استهانة بقدر الايرانيين، منتهى الحمق والجهل أن تكونوا بهذه العقلية التافهة، أيها السبابون والمعادون لإيران الاسلام، وهذا دليل على أنكم لا تحترزون لدينكم، إن كان لكم دين من أساسه.
وعوض أن يلتفت المعادون للمسلمين الشيعة الى حالهم السيئة ووضعيتهم المتردّية، ويستفيقوا من غلفتهم، خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تلك الثورة العظيمة التي قادها الامام الخميني، وأسس بها نظاما اسلاميا عتيدا، برهن بمرور الزمن أنه صادق في جميع وعوده، وحاضر في مواعيده المصيرية التي دعا اليها، كالتعاون والوحدة الاسلامية، وتحرير فلسطين، فيسألوا انفسهم: لماذا استمر بهم الحال من السلبية والتخلّف، الى الحد الذي اصبحوا عليه؟ ألا يمكن ان يكون ذلك مردّه الى المنهج الذي اتبعوه، وأخذوه وراثة عن آبائهم وأجدادهم؟ وقد يكون الخطأ مشتركا من جهة تقصيرهم في التفاعل مع موروثهم، ولكن الالتفات الاساس يجب ان يكون الى المنهج: من أين جاء؟ ومن الذي جاء به؟
انكم ايها الاخوة بحاجة الى التجرّد من عصبية، أثبتت عقم من لاذوا بها في التشبّث بمواقفهم، معتبرين ما وراء موروثهم خطأ وخروج عن الدين، والحقيقة كل الحقيقة هي عندهم وحدهم فقط، وهي قناعة بعيدة عن العلم والمنطق، لم يكن العلم الواقعي والصحيح في يوم منغلقا على ما حققه، ولو كان كذلك لتأخر ولما وصل الى ما وصل اليه من تقدّم.
اذا أردتم معرفة أي فكر أو عقيدة، فتعرّفوا عليه من مصادر أهله المعتمدة، اقرؤوا كتبهم التي ألّفها كبار علمائهم، ولا تذهبوا الى الشواذ منهم ولا مخالفيهم لتحكموا عليهم بالباطل، بل احكموا عليهم من أمّهات مراجعهم العقائدية والفقهية والروائية، وكلامي الأخير موجّه الى ذوي التخصص في العلوم الاسلامية فقط، لأنهم يمتلكون آلية التمييز العلمي.
لا اريد الخوض في المسائل الفكرية والعقائدية هنا – وإن كان لها أهميتها في اقناع الطرف المقابل – فالمقال لا يسمح طلبا للإختصار، ما أودّ تبليغه للجميع أن الاسلام بقرآنه ونبيّه يجمع ولا يفرّق، والاعتقاد بالشهادتين والنّطق بهما، كاف لدخول قائلهما في الاسلام، فلا يحقّ لأحد، كائنا من كان، أن يحكم عليه بالخروج من الدين الحنيف، ومن حكم على مسلم شيعي أو غيره بالخروج من الاسلام، وهو يراه قائما صائما في الحج، فقد أخطأ خطأ فادحا، سيتحمل تبعاته حتما، يوم لا ينفعه مال سعودي ولا عطاء اماراتي.
يجب على من انخرط في موجة معاداة الشيعة وإيران، أن يلتفت الى تموقعه في الحملة المغرضة، أين هو فيها؟ اليس قد وجد نفسه في وسط صهيوني غربي، معاد للإسلام والمسلمين، محاط بحزام من انظمة العمالة للصهيونية والغرب، قكيف به والحال تلك، ان يرضى بأن يكون مع هؤلاء الأعداء؟ ويغتر ويصدّق ادعاءات أشباه علماء، بانحراف الشيعة عن الاسلام؟
إيران الاسلامية تقود جبهة المقاومة، حبّ من حبّ وكره من كره، منذ أن دعا الى تأسيسها مفجّر الثورة الاسلامية، وقد بلغت اليوم درجة الاقتدار والتمكّن العسكري، تصنيعا وتطوّرا تكنولوجيا وعملا تنظيميا، ما يزال بقية المسلمين بعيدين عنه، بل لعله غير مدرج في حساباتهم بالمرّة، ماضية في طريق عزة الاسلام والمسلمين، قد استبعدت من حساباتها التمييز المذهبي، فهي لا تفرّق بين حركات المقاومة الفلسطينية وبين حزب الله، فجميعهم مدعومين منها، ساهرة على حظوظهم في تحقيق النصر النهائي على الكيان الصهيوني، ولن يتأخر ذلك بحول الله تعالى.
لن تضرّ ايران الاسلامية، ولا المسلمين الشيعة من ورائها، كلمات الحقد التي يتلفّظها الجهلة والحمقى، فلا المجوسية دينهم، ولا الصفوية حاضرهم، ولا عبّاد القبور نسبتهم، جميع الاراجيف بحقهم ساقطة، كسقوط دعاة الفتنة، والفتنة اشد من القتل، تذكروا أيها الحاقدون أن للتاريخ مزبلة، ستكون فيها نهايتكم، مع كل الخبث والدناءة التي رميتم بها شرفاء الأمة، أنتم احقر شأنا من أن أكتب عنكم، ولكن الواجب دفعني الى أن أنبّه من في قلبه بقية دين، لكي يحذركم ويتجنّبكم، لكي لا يرد موردكم، وبئس الورد المورود.