يخطيء من يستخف بحجم التكالب الاستعماري الغربي والصهيوني في البلاد العربية. والشراسة التي تظهرها القوى الاستعمارية مؤخرا، هي التعبير الأصيل عن حجم المصالح الوجودية، التي تسعى الدول الاستعمارية لحمايتها في الشرق العربي.
أولا:
خلافا لكل ما توهّمه بعض الكتّاب والمنظّرين العرب والأجانب، ما يزال اهتمام الغرب الاستعماري بتثبيت هيمنته على المنطقة العربية يمثّل بعدا رئيسيا وجوهريا في استراتيجيات الإمبريالية العالمية.
وواهم من يتخيل أن سياق الصراع التاريخي بين القوى الاستعمارية والشعوب في منطقتنا قابل للحسم بضربة واحدة.
فهذا صراع طويل، لن يرفع فيه الغرب النهّاب رايته البيضاء بسهولة. والحصيف الذي يدرك حجم المصالح الغربية الاقتصادية والمالية والاستراتيجية في الشرق العربي، يجب أن يتوقع حرب تحرّر طويلة المدى في الطريق للتخلّص من هيمنة الغرب اللصوصي النهّاب على بلادنا. وتوضح الفصول الدامية للعقود التي مضت، والحروب المتواصلة شراسة المراكز الغربية، ومعها كلب الحراسة الصهيوني، في السعي للهيمنة على المنطقة العربية وإخماد جذوة المقاومة والتحرّر، ومحاصرة العدوى الثورية. ومن يتوهّم قراءة للصراع في بلادنا من خارج هذا السياق هو كذّاب أو مخدوع.
إن دور مراكز الهيمنة الغربية اللصوصية في الحجر على البلاد العربية، ومنعها من التطور لإبقائها رهينة، ولنهب ثرواتها وأسواقها، كان ولا يزال حاسما ورئيسيا في تحديد المستقبل السياسي لبلادنا بدون استثناء. وكذّاب من يزعم غير ذلك.
ثانيا:
إن التخلّص من الهيمنة اللصوصية هو طريق الاستقلال والتنمية. وتجربة العقود الماضية في الوطن العربي تؤكد هذه الخلاصة. وهي تكشف مجددا أن امتلاك إرادة المقاومة والتحرّر من الهيمنة هو طريق الخلاص من النهب الاستعماري. وأيّ تصور حول التطورات الجارية في بلادنا عموما، يسقط هذا البعد الجوهري من الحساب، هو عمل أبله وساذج أو مشبوه لتضليل الناس. ففي كل شاردة وواردة على امتداد الوطن العربي والشرق كله، تقع مركزية الصراع بين شعوب المنطقة والحلف الاستعماري الصهيوني.
وهذا هو التناقض الرئيسي المحرّك لجميع الحروب والمعارك والمؤامرات والتحالفات والصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي شهدها، ويشهدها الشرق العربي منذ مطلع القرن العشرين.
إن قضية التحرّر من الهيمنة الاستعمارية هي العمود الفقري لأي مشروع للبناء الوطني وللتقدّم الحضاري في جميع الدول العربية، ونقطة البداية هي إسقاط الأنظمة التابعة للهيمنة الغربية، وتحويل البلاد العربية الى كتلة تحرّرية صلبة، تأتلف مع الدول الحرّة الجارة والشقيقة كإيران، وتستطيع بناء التكتّل المشرقي التحرّري، وإسقاط الهيمنة الغربية في المنطقة برمتها. ومن التخريف والسذاجة والتعمية تبنّي أي تصور من خارج هذا الإطار العام.
واليوم يمثّل وجود دول كإيران وسورية وحركات تحرّر مقاوِمة في لبنان واليمن والعراق فرصة تاريخية لرفع راية التحرّر، وللتخلص من سيطرة اللصوصية الغربية النهّابة.
ثالثا:
إن حجم الثروات الضخمة التي تختزنها بلداننا، والتي يطمع المستعمرون في سلبها، شكّل دائما محور الصراع في هذا الشرق. وما يجب أن يدركه الأحرار هو أن التحرّر من الهيمنة والبناء الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلادنا بروحية المقاومة والتحرّر، وبالتضامن المشرقي، الذي لا غنى عنه، هو السبيل الوحيد للتخلّص من الهيمنة والتخلّف والتبعية. ولا بديل عن هذا الطريق للتحرّر السياسي والاقتصادي الاجتماعي.
لا فائدة تُرتجى من إدارة الظهر لهذه الحقيقة، ولإهمال هذا البعد في إدارة الصراع. فالمعركة واحدة من المحيط الى الخليج. والتخلّص من القواعد العسكرية الأجنبية يعادل التحرّر من قبضة الاحتكارات اللصوصية الغربية، التي تنهب ثروات الوطن العربي، وتُحكِم قبضتها على الأسواق وعلى القرار السياسي. ولا مجال لتخيّل فرصة للتحرّر من هذا النير الاستعماري في أي بلد بمفرده. فرغما عن أنوفنا جميعا المعركة واحدة. وهذا ما أكدته السنوات الماضية في المواجهة التي خضناها دفاعا عن بلداننا ضد غزوة التكفير الإرهابي، وتلك التي نواصل خوضها ضد التدخلات الاستعمارية الصهيونية ومعاركها وحروبها.
إن لا بديل عن وحدة جهود المقاومين والأحرار بين المحيط والخليج حول برنامج تحرّري وخطة عمل، تتخطى العموميات والشعارات الكبرى، وتغطي جميع وجوه الحياة وسائر هموم الناس، لتعبّر عن إرادتهم في التخلّص من الهيمنة اللصوصية النهّابة، وتحرير الموارد والثروات العربية، لوضعها في خدمة الناس ومصالحهم، ولتحقيق أحلامهم المستقبلية.
* رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات