بقلم محمد النوباني |
في البلدان التي يحكمها طواغيت رأس المال وحكام طغاة جشعون ومنها الكثير من بلداننا العربية والاسلامية يوجد بالتاكيد مؤيدون للنظرية (مناعة القطيع) التي دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لاعتمادها وسيلة للتعامل مع وباء كورونا المستجد(كوفيد-19)في ظل عدم اكتشاف لقاح لهذا الفيروس الفتاك قبل ان يضطر للتراجع عن دعوته بسبب الانتقادات العنيفة التي وجهت له في داخل وخارج بريطانيا لان ما طرحه هو عبارة عن دعوة صريحة للقتل او ان شئت للموت الرحيم الاجباري وليس الاختياري.
فعندما تقول انه لم يتم اكتشاف عقار بعد لللعلاج من هذا الفيروس كما ان اجهزة التنفس الاصطناعي الموجودة في المشافي لا تكفي سوى لللعناية بعدد قليل جدا من السكان فمعنى ذلك انك توافق لكورونا على ان ينهي حياة كبار السن والمرضى.
لقد شاءت الاقدار ان يصاب صاحب الدعوة جونسون بالفايروس حيث تم ادخاله قبل ايام لغرفة العناية المكثفة في احد المشافي البريطانية وتم ربطه بجهاز التنفس الاصطناعي بعد ان تدهورت حالته الصحية و شعر بضيق شديد في
التنفس وكأني بها رسالة تحذير من الخالق لهذا الراسمالي المتوحش بأن الله يمهل ولا يهمل .
أن الدعوة لاعتماد نظرية مناعة القطيع هي دعوة صريحة الخلاص من المتقاعدين وكبار السن والذين تقدر نسبتهم بحوالي٣٠% من سكان الدول الراسمالية الكبرى ومنها بريطاتيا والخلاص من هذه النسبة يعني اراحة الحكومات في تلك البلدان من دفع رواتب ومخصصات شيخوخة وتأمين صحي تقدر قيمتها بعشرات مليارات الجنيهات الإسترلينية سنويا او ما يعادلها باليورو او الدولار لكي يواصل الراسماليون التنعم بحقبة البشرية المال والتعبير لشكسبير.
وغني عن القول انه لو تسنى لجونسون او لترامب فعل ذلك فأن الاموال التي كان سيتم توفيرها لن تذهب الى تطوير قطاع الصحة والتعليم ورفع مستوى رفاهية ومعيشة الناس وانما الى مشاريع تدر ارباحا سريعة تزيد في ثراء الاغنياء واملاق الفقراء مثل تجارة السلاح المربحة حتى اذا ما كبر الصغار وحل وباء جديد في بلادهم يتم التخلص منهم لانهم اصبحوا كبارا.
ان نظرية مناعة القطيع هي امتداد لكل الافكار العنصرية التي كان مصدرها في الاساس بريطانيا مثل الداروينية
الاجتماعية و المالتوسية الجديدة التي كانت من المكونات الفكرية للنازية والغاشية وكل النظريات والاديولوجيات العنصرية المشابهة لها في الجوهر لان القاسم المشترك بينها هو الاستهتار بحياة الفقراء وذوي الدخل المحدود وسوقهم الى المهالك والحروب لكي تبقى الراسمالية المتوحشة هي السائدة والمتحكمة بمصائر الشعوب .
لقد ظهر الدارونيون الاجتماعيون في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وبعض بلدان الغرب الراسمالي ونظريتهم قامت على أساس الدعوة الى تطبيق نظرية العالم الانجليزي الشهير تشارلز دارون حول الانتخاب الطبيعي والبقاء للاقوى(مناعة القطيع)، من الحيوان الى الإنسان اي على المجتمعات البشرية وهي بالتالي دعوة صريحة للخلاص من الضعفاء لمصلحة الاقوياء والاغنياء.
كما ظهر المالتوسيون الجدد وهم اتباع وتلامذة الاقتصادي الانجليزي في القرن السابع عشر توماس مالتوسفي بريطانبا ايضا ونظريتهم تقوم على أساس ان عدد السكان في العالم يزدادون بمتوالية هندسية بينما الخيرات المادية من غذاء وكساء ومأكل ومشرب ودواء ووسائل معيشة تزداد بمتوالية حسابية مما يؤدي دائما الى وجود نقص في وسائل المعيشة وبالتالي الى حدوث توترات وصراعات طبقية تهدد امن واستقرار الانظمة الراسمالية الامر الذي يتطلب تخفيض عدد السكان بشتى الطرق حتى لو كانت اجرامية وغير اخلاقية.
ومن هذه الطرق ابادة الفائض من سكان المستعمرات وشن الحروب ونشر الاوبئة والامراض وتوزيع حبوب منع الحمل مجانا واستخدام الهرمونات والمواد المسرطنة لتسريع وزيادة الانتاج.
.وكما اثبتت ازمة كورونا فانه عندما تتطلب المصالح الإجرامية للراسماليين المتوحشين الانتقال في عمليات القتل والابادة التي يقومون بها من اجل الحفاظ على مصالحهم الطبقية الضيقة من الخارج الى الداخل فأنهم لن يتورعوا عن قتل وابادة العنصر البشري غير المرغوب فيه من شعبهم.
اما بالنسبة لنا نحن اتباع الديانة المحمدية وبالنسبة لكل الذين تعز عليهم حياة الانسان وليس سرقة ونهب اموال الشعوب فان نظرية مناعة القطيع لا يمكن ان تكون مقبولة لدينا لو توقفت عجلة الانتاج وعن الفقر و طالت الازمة الاقتصادية الناجمة عنها عشرات السنين، لانها اولا همجية وثانيا غير انسانية وثالثا غير اخلاقية ورابعا لأن فيها قتلا للنفس التي حرم الله قتلها الا بالحق.