يمكننا القول مجدّدا أن أمريكا ودول الغرب تحديدا (فرنسا وبريطانيا) ونسبيا ألمانيا، قد أفلتت من أيديها فرصة التخلّص نهائيا من الهيمنة الأمريكية، في اتخاذ القرار السياسي المستقل عنها بخصوص التعامل مع ايران بمصداقية في ملفّها النووي السّلمي، وهذه الدّول متأكّدة من أنه ذو صبغة مدنية سلمية بحتة، لكنها تماري في ذلك، وتُجاري أمريكا والكيان الصهيوني في ادّعائهما الكاذب، أنه يتضمّن جانبا عسكريا، وخسارة هذه الدول أمام إيران هي ذات بعدين:
– بعد سياسي فقدت فيه هذه الدّول مصداقيتها، في حيادية طالما إدّعوْها، ثم لم يعد لها في الواقع العملي ما يبرهن على بقائها، استجابة للضغوط الأمريكية ونزولا عند رغبة قادة البيت الأسود الأمريكية، وتصديقا لكل الافتراءات التي تعوّدت الإدارة الأمريكية على تسويقها لحفائها، من أجل ضمان بقائهم على تبعيتهم العمياء.
– وبعد اقتصادي سيحرم هذه الدّول من بناء علاقات اقتصادية تعود بالنّفع على الشعب الإيراني وشعوب الدّول الأوروبية المشار اليها، ويحرمها من صفقات في متناولها سابقا وخرجت منها خائفة كشركة توتال الفرنسية التي استجابت للضغوط الأمريكية وخرجت من عقدها المبرم مع الحكومة الايرانية لتستحوذ عليه الشركة الصينية المساهمة، ويكون القسط الأكبر لها.
لذلك فإنه من الطبيعي أن يبحث النظام الإسلامي الإيراني بعد كل هذه الضغوط، عن طرق وسُبُل لكسر الحصار والعقوبات الأمريكية المسلّطة عليه ظلما وعدوانا، بالإتجاه في دبلوماسيتها الخارجية شرقا، بعدما استنفدت جميع محاولاتها غربا، لأقناع دول الإتحاد الأوروبي الرئيسية بفكاك رقاب سياساتها من تبعية وتأثير الإدارة الأمريكية وما سيخلّفه ذلك من خسائر جسيمة لا تُعَوّض، والفرصة السانحة اليوم قد لا تأتي غدا.
فكانت البداية مع الصين في اعادة بناء طريق الحرير الشهير القديم(1)، بمدّه عبر الدّول التي كان يمُرّ منها إلى غرب آسيا وأوروبا، ولإيران نصيب كبير فيه حيث يمر منها إلى تركيا، ثم إن النظام الاسلامي أمضى اتفاقية اقتصادية ضخمة مع الصين تجاوزت ال450 مليار دولار في شتى المجالات الاقتصادية تعهّدت فيه الصين بتجديد البنية التحتية للمدن الإيرانية، مقابل تزويد ايران للصين بما تحتاجه من نفط، وهذا الاتفاق وحده أسقط ما في أيدي الأمريكان وحلفاؤهم الأوروبيين.
ثم جاءت الضربة الثالثة الموجعة لسياسات قوى الإستكبار العالمي، متزامنة مع موافقة جميع أعضاء (منظمة شنغهاي للتعاون)(2) خلال قمّتها في العاصمة الطاجيكية (دوشنبه)، حيث باتت الجمهورية الإسلامية الايرانية يوم الجمعة 17 سبتمبر 2021 العضو التاسع الدائم في المنظمة.(3) بعد أن أعلن الرئيس الصيني (شي جين بينغ) انضمام إيران عضوا دائما فيها، بعد أن كانت تشارك قبل ذلك في أعمال القمم السابقة كمراقب. (4)
الملاحظ هنا أن أغلب هذا الدّول تبدو في تأسيسها لهذه المنظمة سنة 2001، جاء تحدّيا للسياسة الأمريكية، في استئثارها بقطبيّة العالم، وإصدارها أحكاما جائرة بحق الدول والشعوب المعارضة لها، وردّا عمليا على الغطرسة الأمريكية، وإلى جانب الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان والهند وباكستان، وإيران. هذا المكوّن الاقتصادي والسياسي والأمني برصيد بشريّ يتجاوز نصف سكان الأرض، من شأنه أن يغيّر موازين القوى، التي كانت راجحة لكفّة الغرب، لتتحوّل إلى الشعوب التي كانت هُهَيْمَنًا عليها من قبل من طرفه.
المارد الصيني لم يكتف بإحياء طريق الحرير البرّي، بل عمل أيضا على إنشاء طريق حرير بحري للقرن 21 ، يمتد منطلقا من الصين مرورا بجنوب شرق آسيا، إلى الخليج الفارسي، ومنه إلى أفريقيا وأوروبا، وبه وبمنظمة شنقهاي يكتمل مشروعه الإقتصادي العالمي الكبير، الذي سيراعي حتما حقوق الشعوب المساهمة فيه تجاريا، وينهي عصر هيمنة القطب الواحد الأمريكي، وسياساته الخاطئة الظالمة تجاه الدول والشعوب الحرّة.
من أجل التعريف بمشروع طريق الحرير البحري المزمع تنفيذه، تحدّت سفير الصين لدى اليمن بقوله:(إن التشارك في بناء “الحزام مع الطريق” يهدف إلى تجسيد وتكريس قيم طريق الحرير القديم، الذي مكّن الدول الواقعة في قارتي آسيا وأوروبا، من تبادل السلع والتقنيات والأفراد والأفكار، مما أدى إلى دفع التنمية الاقتصادية والثقافية، والتقدم الاجتماعي لهذه الدول، وتعزيز التحاور والتفاعل بين مختلف الحضارات،. يجب على المجتمع الدولي اليوم الإرتقاء بروح طريق الحرير، المتمثلة في السلام والتعاون والإنفتاح والتسامح، والإستفادة المتبادلة، والصمود أمام الصعوبات، وإضفاء مقومات عصرية عليها لإحيائها، وتكريس قيمتها في العصر الحديث، بما يحقق ثروات جديدة ماديا ومعنويا للمجتمع البشري.(5)
كلام جميل جسّدته المواقف الصينية، ويتطابق مع نظرة إيران الإسلامية في التعاون بين دول العالم، على قاعدة الإنسانية التي سئمت من عصور الإضطهاد، وتبحث عن فضاء أرحب خال من الإستكبار والهيمنة، تحيا فيه شعوبها حياة تكافئ، وحرّية في حركتها وتقرير مصيرها، دون ضغوط أو تهديد من أي طرف كان، ومساعي إيران من أجل رفع الضّيم على الشّعوب الرازحة تحت الاستعمار والهيمنة، لم تكن لتخفى على أحد لولا الدّعايات المغرضة بحقّها.
فهل يمكن القول بأن دفتر القطب الأمريكي بدأت منظمة شنغهاي بطيّه، من خلال هذا المنتظم الهامّ؟ أنا أعتقد أنه حجر الزّاوية لمستقبل نهاية استغلال غربيّ بشعة، تتمنى شعوب العالم المستضعف زوالها، وليس من السّهل الخروج من تلك التبعية المقيتة فذلك يتطلّب إرادة شعبية وقرارا حكوميّا سياديّا مهما كانت التضحيات، وهنا لا شيء يعطى مجانا.
المصادر
1 – طريق الحرير https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – منظمة شنغهاي للتعاون https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 –بعد إنضمامها الى “منظمة شنغهاي”.. هل تتجه إيران شرقاً؟
https://www.alalam.ir/news/5805183/
4 –المقومات الاستراتیجیة للعضویة الدائمة لایران في منظمة شنغهاي
5 – التعاون في بناء طريق الحرير البحري في القرن الجديد
https://www.fmprc.gov.cn/ce/ceyem/ara/sgxw/t1152441.htm