شعور بنوع من بالراحة والطأمنينة، عمت أنحاء المجتمع الأمريكي، بعد أن تقبل نتائج الإنتخابات الأخيرة بحلوها ومرها، على طرفي النقيض ديمقراطي أو جمهوري وحتى عابر السبيل كان، وهم يحتفلون بتنصيب الرئيس السادس والأربعون، وما ينتظره من الوفاء بالوعود، في محاصرة الجائحة والتعامل مع العنصرية وفتح الحدود، وغيرها على طاولته من البنود!
وحتى لا يذهب البعض منا بعيدا، فإننا لسنا هنا بصدد النقاش في السياسات الأمريكية الشرق أوسطية المعروفة، التي اكتوينا ولا نزال بنارها، وخاصة ما يتعلق منها بقضية الجماهير العربية المركزية، الذي تعهد مرشح بايدن لإشغال وزارة الخارجية، أنتوني بلينكن على الإستمرار في سياسة ترامب المنصرف العنصرية، بالإعتراف الأمريكي بمدينة القدس “عاصمة للكيان الصهيوني” وبقاء سفارتهم فيها، ويهودية ما أسماها “الدولة الديمقراطية”!
تنوعت خيارات الرئيس بايدن لإشغال المناصب العليا في إدارته الجديدة، والتي حرص أن تكون ممثلة فيها، غالبية أطياف المجتمع الأمريكي ما أمكن، التي لم تستثني من كانت أصولهم بلجيكية، أفريقية، هندية، أو حتى لاتينية، بإنتظار أن يصادق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي، حتى تباشر عملها في خدمة كل المجتمع الأمريكي، كما كررها في وعوده الإنتخابية على الدوام!
أما الذي بودنا في هذا الصدد التنويه إليه، أنه أيا كانت خلفية المواطن الإثنية، فإن منبته الأصلي يتقدم على الأمريكي، فأنا بلجيكي أمريكي، وأنت أفريقي أمريكي….وهكذا دواليك، ولا مكان لذريعة “خصوصية” ولاية تتقدم فيها على حساب غيرها من الولايات، فكلها الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن نكبة أو قضية واحدة منها، مثل الجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى، وأنت أمريكي بغض النظر إن ولدتك أمك الأمريكية من والد بلجيكي أو هندي، ولا مكان للشعارات الهدامة، التي تدعو إلى أمركة الدوائر العليا واشغالها فقط من البيض الأمريكيين، فأنت في مفهوم الدستور مواطن، تتمتع بموجبه بكل الحقوق المنصوصة فيه! تلك هي الثقافة الأمريكية، التي تدرس وتغرس في نفوس الجميع منذ بواكير طفولتهم، التي تعزز الإنتماء لديهم، والشعور بالعدالة والمساواة، وتجعلهم يشعرون بأنهم سادة العالم، مع ضرورة التنويه على أنك طالما كنت، مدرك لحقوقك التي يكفلها لك الدستور الأمريكي!
أما الذي قادنا عطفا على ما أسلفناه أعلاه، الذي بصدده نحن تاليه، فإنه ذلك التفاني والإخلاص، الذي يبديه الفرد فيما يتعلق بقضايا وفلسفة البلد الذي يحياه، بغض النظر عن مكان ولادته الأصلي أو الجنسية التي وهبته إياه، الذي يعرفه الباحثون بمصطلح “الإنتماء”، ويصفونه بذلك الرابط المشترك بين الوطن والهوية، والأرض التي رعته ومن خيراتها أكرمته، والفرص المتنوعة وقد منحته، ومصير مستقبله وهموم الوطن شاركته!
إنه الإنتماء للوطن والهوية والأرض، وليس “الولاء” للعشيرة أو القبيلة أو من باع الوطن وشرع أبوابه للقواعد الأجنبية مفتوحة، إنه الإنتماء الذي يحرص على خيرات ومقدرات الوطن، وليس الولاء لمن أمر بتبذيره، إنه الإنتماء الذي يقدر تضحيات شعب وجيش ومقاتليه، وليس الولاء لأصحاب الجشع في خضم حرب كونية فرضت عليه، إنه الإنتماء إلى تاريخهم في المدنية والحضارة، وليس الولاء لمن تنازل فيه عن قطعة من أرضه، وتهاون في مصير شريان حياة شعبه ومواطنيه، إنه الإنتماء الذي يحترم الثوابت الوطنية، وليس الولاء لمن لا شرعية له وثقة فيه!
مشاهد الإحتفالات في العاصمة الأمريكية التي نصفها بعدوة الشعوب، إن لم تكن قد أثارت الحسد والغيرة في نفوسنا، فلعلنا حقا شعوبا غير جديرة بالحياة الحرة الكريمة!
*فلسطيني واشنطن