مرّة أخرى ترتفع أصابع اتهام إيران بارتكاب اغتيالات، وهي أصابع غير بريئة وملوّثة، طالما تفننت في إرهاب شعوب العالم، بواسطة عمليات اغتيال نفذتها أجهزتها، وبحق شخصيات علمية وسياسية بارزة، في شتى انحاء العالم كان لإيران نصيب منها، هذه الأصابع وجدت فرصة سانحة لها مرة أخرى- وهي خبيرة باستغلال الفرص – للتأثير على الرأي العام العالمي، بمحاولة عرقلة مسار المفاوضات النووية بين إيران ودول الغرب بزعامة أمريكا.
لقد عاد اسم المرتد سلمان رشدي ليطفو من جديد على سطح الأحداث، وهو روائي مغمور ظهر في بريطانيا، بعد أن تحصّل على جنسيّتها، ليقتحم عالم الشهرة، عملا بمقولة خالف تُعْرف، بطباعة روايته آيات شيطانية سنة 1988 استهزأ فيها بالإسلام ورموزه، فراقت لأعداء الإسلام، وقاموا بالثناء عليه، فحصل على جائزة البوكر مان(1)، وقلّد وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 1999 ومُنح لقب فارس على يد الملكة إليزابيث الثانية عام 2007 وصنّفته صحيفة ذا تايمز في المرتبة الثالثة عشر، ضمن قائمتها لأفضل 50 كاتبًا بريطانيًا منذ عام 1945 خلال عام 2008 (2).
لكن شعوب العالم الإسلامي كانت على طرف نقيض مع هذا المحسوب على الإسلام، وإصداره السّيّء الذّكر، فخرجت جماهيره مندّدة بكتابه ومجرّمة عمله، ومطالبة بوقف أعمال الإساءة لدينها ورموزه، وهي أعمال إجرامية منتهكة لحقوقها في احترام معتقداتها، وقُتل ما لا يقل عن 45 شخصاً في أعمال احتجاجات عنيفة، من بينهم 12 شخصاً في مسقط رأس رشدي في مومباي( الهند)، وفي العام 1991 قتل الياباني هيتوشي إيغاراشي الذي ترجم الرواية طعناً، فيما نجا مترجم إيطالي للرواية من هجوم بسكين، وفي عام 1993، تم إطلاق النار على ناشر الكتاب النرويجي ثلاث مرات ونجا، حسبما أفادت وكالة أسوشييتد برس (3)
وكان لقائد الثورة الإسلامية الإيرانية في هذا الخصوص كلمته الفصل، فأصدر حكمه العادل بإهدار دم سلمان رشدي في 14/2/1989 جاء نصّه كالآتي: (أعلن للمسلمين الغيارى في أنحاء العالم، بأن مؤلّف كتاب ( الآيات الشيطانية) الذي دوّن وطبع ووزّع بهدف معاداة الإسلام والرسول والقرآن، وكذلك النّاشرين المطّلعين على فحوى الكتاب، يحكم عليهم بالإعدام، وأطلب من المسلمين الغيارى المبادرة إلى إعدام هؤلاء على وجه السرعة، أينما وجدوهم، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى مقدّسات المسلمين، إنّ كل من يُقتَل في هذا الطريق يُعْتَبَرُ شهيدا إن شاء الله، وإن كان بوسع أحد العثور على مؤلف الكتاب ولا يستطيع إعدامه، فليطلع الآخرين على مكانه لينال جزاء أعماله.)(4)
بعد صدور فتوى الإمام الخميني رضوان الله عليه، وتكتّم الحكومة البريطانية عن مكان إقامة سلمان رشدي، وخشيتها من أن يقع تنفيذ حكم الاسلام فيه، مشدّدة الحراسة الأمنية عليه، ومن بريطانيا انتقل الى أمريكا أملا في أن يكون أكثر أمنا هناك، لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، (فقد تعرض سلمان رشدي بتاريخ 12/8/2022 للطعن في عنقهِ من قبل شخص في قاعة كان يستعدّ سلمان لإلقاء محاضرة فيها، تقع غرب ولاية نيويورك، ثم نقل بطائرة مروحية إلى مستشفى قريب في المنطقة، وألقت الشرطة القبض على الشخص المشتبه بهِ في الهجوم، ولقد وُضِع سلمان رشدي على جهاز التنفس الإصطناعي، بعد اجراء عملية جراحية لهُ، استغرقت ساعات عدة، جراء تعرضه للطعن في عدة مواضع من جسدهِ، ومن المحتمل أن يفقد سلمان إحدى عينيه، وقد قُطِعت أعصاب ذراعه، وتعرّض كبده للطّعن والتلف.)(5)
ونقل المرتدّ على طائرة مروحية بعد اسعافه لتُجْرَى له عملية جراحية، ووضع بعدها على جهاز تنفس اصطناعي، فيما أكدت الشرطة توقيف منفذ الهجوم. وكان الإمام الخميني قد أصدر عام 1989 فتوى بإهدار دمه، إلا أن إيران أعلنت عام 1998 أن الفتوى لن تطبّق( في زمن الرئيس خاتمي، وما راج حوله من انتقادات من طرف المحافظين) قبل أن يؤكدها من جديد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في 2005 (6)
ومهما يكن دافع قتل المرتدّ رشدي، سواء أكان تنفيذا لفتوى الإمام الخميني، أو تأكيدا لها من طرف الإمام الخامنئي، وهو الترجيح الأقوى والدافع العقائدي متوفّر في من أقدم على تنفيذها، وحسب المعطيات المسربة الأولى، فهو لبناني مسلم شيعي، ملتزم على نهج الولاية، وبالتالي تسقط بقية الفرضيات التي قالت، بأنها عملية نفذتها المخابرات الأمريكية أو الصهيونية، من أجل إدانة النظام الإسلامي بارتكابها، وهدف القائلين بصرف العملية عن فتوى الامام الخميني محاولة فصلها عن منبعها ودافعها، للتقليل من قيمة صاحب الفتوى ومقلده الوفي الذي كان حريصا على تنفيذها، ومحظوظا بأن أتيحت له فرصة القيام بواجبها.
ويبقى شخص الإمام الخميني وفكره وفتاويه، ومشروعه النضالي ضد الاستكبار والصهيونية قائما حيّا، متفاعلا إلى هذا الزمن، في دلالة على معنى كلمة باقية الأثر، قالتها بطلة كربلاء الحوراء زينب عليها السلام: (فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا…) (7)
ذلك هو الإمام الخميني الذي جاء مصلحا للإسلام محييا شعائره، داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ناشرا لواء مقاومة الاستكبار والصهيونية، داعيا الأمّة إلى الألفة والتعاون والوحدة، فليس أشق على أعداء الاسلام من رجوع التيارات الدينية علماء واتباع إلى بعضها، متعاونة متآلفة، ذلك هو الامام روح الله الموسوي الخميني في مساره وسيرته، من لم يعرفه بالأمس فليعرفه اليوم بالمناسبة، فليس هناك مظلوم ظلم في هذا الزمن مثله، كرجل جاء للأمّة بما يعزّها، فانصرفت عنه بدعايات الغرب والصهيونية.
المراجع
1 – جائزة مان بوكر الدولية https://www.marefa.org/
2 – 5 –سلمان رشدي https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – حائز على جائزة البوكر والخميني أهدر دمه… من هو سلمان رشدي؟
https://aawsat.com/home/article/3813871/
4 – صحيفة الإمام ج 21 ص 242
سلمان رشدي حتى لو تاب يجب على كل مسلم أن يرسله إلى الدّرك الأسفل
http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n7127/
6 – الكاتب سلمان رشدي يوضع على جهاز تنفس اصطناعي إثر تعرضه للطعن في نيويورك
https://www.france24.com/ar/20220812-
7 – بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 45 ص 135