يقول المثل أنه ليس هناك دخان من دون نار، لعلّ هذا المثل ينطبق في مظهره على تونس وهي في وضع استثنائي حرج لا يدري الشعب التونسي مدى خطورته، وهو لا يزال في وضع آخر من يعلم، وتتسابق الأحداث أمامه وعلى أرضه، فلا يكاد يميّز منها شيئا، وفي نفس الوقت لا يعلم إلى أي مصير ستؤول إليه نتائجها.
وبقدر ما يشعر البعض بخطورة الوضع فإن بقية الشعب لا يزال بعيدا عن ملامسته بالتعبير والتضامن على أقلّ تقدير، وهذا ما يدفعنا إلى مزيد من تحسيس أهلنا بضرورة المواكبة السياسية لهذا الوضع مؤازرة للرئيس فيما أقدم عليه من إجراءات شجاعة لولاها لكنا على أبواب بيع البلاد جملة وتفصيلا لمن يدفع أكثر من دول الغرب وعلى رأسهم أمريكا.
إنّ المتّفق عليه لدى عموم شعبنا، هو اعتبارهم أن لجوء الرئيس سعيد إلى تجميد عمل البرلمان، حركة تصحيحية للمسار الديمقراطي في البلاد، واخراجه من العبثية التي أصبحت مظهرا مرافقا له في جلسات البرلمان، وفتح سبل الإرتقاء به إلى العمل الصالح لفائدة البلاد والشعب، وليس من أجل تحالفات حزبية ومناكفات(1) كلامية تكررت مشاهِدُها للشعب فانزعج منها، وتمنى لو أن به قوّة تؤهّله ليقوم بكنس هؤلاء الذين اعطاهم ثقته، فخدعوه بوعود لم يحققوا منها شيئا سوى مصالحهم وامتيازاتهم.
برلمان المصالح والصّبية المشاكسون، أوقفه تفعيل الفصل 80 بتصرّف قراءة دستورية، أتاحت للرئيس بأن يضع حدا لانزلاق سياسيّ خطير، وصل بمرفق حسّاس اجتمع فيه فرقاء السياسة التونسية، ليزيدوا من معاناة الشعب عوض رفعها عنه، وكانت الأمور ستذهب إلى المجهول لولا الطاف الله، وتعقّل من تعقّل من حركة النهضة، فكفّ يده عن متابعة رئيسه صاحب طمعِ تنسُّم رئاسة البلاد، كلّفه ذلك ما كلّفه من عملٍ، ولم يعد خافيا أن قراره بالترشّح للإنتخابات التشريعية، وإزاحة رفيق دربه الشيخ عبد الفتاح مورو عنها، ودفعه إلى الترشح للرئاسية، وهو لعمري دهاء من دهاء عمرو بن العاص.
أمّا ان يصل الأمر إلى التآمر على استهداف الرئيس، ومحاولة اغتياله، فهذا من الخطورة بما كان، ولا يقف عند تورط شخص أو جهة داخلية، بل يتعداه إلى جهة أو جهات خارجية، لها مصلحة في غلق ملفّ الرئيس قيس بهذا الأسلوب الرخيص الجبان، فقد أعلنت وزارة العدل التونسية، الخميس، فتح تحقيق في محاولة اغتيال رئيس البلاد قيس سعيد.
وذكر البيان أن “وزيرة العدل أذنت للنيابة ممثلة في الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس، بإجراء الأبحاث والتحريات اللازمة فيما يتم تداوله من محاولة اغتيال رئيس الجمهورية”. دون تفاصيل أكثر.
بينما صرّح الرئيس قيس سعيد، خلال اجتماع برؤساء الحكومات السابقة في بلاده، إنه “لا يجب أن يكون الحوار للبحث عن صفقات مع الداخل أو الخارج.. من يريد الحوار لا يذهب للخارج سرا للبحث عن إزالة رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال حتى بالاغتيال”. ولم يسم الرئيس التونسي أشخاصا أو جهات آنذاك، غير أن التصريح أثار لغطا واسعا في ظل حالة الاستقطاب السياسي الذي تشهده البلاد.. (2).
الأطراف الداخلية التي لها مصلحة في اغتيال الرئيس معروفة من خلال ما أظهرته من عداء مفضوح للرئيس وتطاول عليه على مستوى برلمان وحكومة ومواقع قرار ودولة عميقة اصبح عناصرها يخشون من طلعات الرئيس بعدما أعلن حربه على الفساد، إلى أي مستوى سيصل، وهذا ما سيدفع إلى التخطيط للتخلّص منه سرّا بالتسميم، وعلنا بالاغتيال برصاص القنص، أو بإسقاط طائرته بصاروخ.
أما الأطراف الخارجية التي لها مصلحة في اغتياله، فهي أكثر من طرف فاعل، وهي بصدد معالجة موقف حاسم، صادر من الرئيس قيس سعيد تجاه الكيان الصهيوني، والذي يعتبر أن التطبيع معه يعتبر خيانة عظمى، وهذا طبعا لا يرضي أمريكا وليّة أمور هذا الكيان، وحاميته من العقوبات الدّولية، والمشجّعة إيّاه على التّمادي في غيِّه وعدوانه الآثم، ويدفعها إلى العمل على تعديل موقفه بدبلوماسية التنازل والإغواء، وطبع الشيطان سلوك هذا المسلك من الإستدراج.
وطبيعي أن تنخرط في هكذا مؤامرة الكيان الصهيوني نفسه، وجهات أخرى راعية للتطبيع، ومشجعة عليه، حتى وإن ظهرت بمظهر مساعدة تونس في الظاهر، وفيما صرّح النائب في البرلمان الليبي (علي التكبالي) بأن مسؤولا ليبيا كبيرا متورط في محاولة اغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد، وأنّ الأمن التونسي كان على علم بهذه العملية وأن قرار إغلاق الحدود لم يكن عبثا.
ورغم رفضه الإفصاح عن هوية هذا المسؤول، الا انه من المرجّح أن يكون (عبد الحكيم بالحاج) المقرّب من تركيا، إلا أنه كشف أنه شخصية سياسية نافذة من الغرب الليبي، متواجدة في الحكم حاليا، مضيفا أن له مصالح وعلاقات كبيرة مع تركيا، وأضاف التكبالي أن هناك دواعش يتدربون في ليبيا، وأن قاعدة الوطية واقعة تحت سيطرة تركيا، متابعا أن “رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية (عبد الحميد الدبيبة) متورط بدوره لأنه قال إن الوطية تحت سيطرة وزير الدفاع الذي يمثله”.(3)
وإذا ما ثبت تورط التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في هذه المؤامرة، فسيكون مؤشّرا إضافيا لحلّ حركة النهضة، وحضر أي نشاط أو انتماء لها في تونس، وهكذا يكون الشيخ راشد قد جنى على نفسه بنفسه، وضيّع جهود تأسيسه لحركة اسلامية، لم تنخرط في العمل السياسي بتونس، بما يعود بالنفع على البلاد، مسخّرة جهودها في التّبعية لتركيا، وخدمة مصالح عدد من قياداتها، فينطبق عليه قوله تعالى: (أو كالتي تقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا)(4)
إذا نجد أنفسنا كشعب بين مطرقة الحاجة وسندان الواقع، مجبرين على التمسّك بقيمنا التي تعلّمناها من آبائنا وأجدادنا في تغليب مصلحة تونس قبل أي شيء آخر، وحفظ تراب وطننا العزيز من أن تطأه أرجل المستعمرين من جديد، تحت اي عنوان كان، حتى لو كان بعنوان التعاون العسكري، لأنه عنوان أمريكي مبطّن بخبث كبير، فيكفي على المستوى الوطني جهودنا الأمنية والعسكرية الذاتية، متضامنة مع جهود الشقيقة الجزائر، الوفيّة دائما لنا في العسر واليسر، كما كنّا أوفياء لها زمن الإستعمار الفرنسي، نسأل الله السلامة لكافة أوطاننا العربية والإسلامية.
المصادر
1 – ناكفه الكلام: عاوده إيّاه في عنف
2 – تونس تفتح تحقيقا في “محاولة اغتيال” الرئيس سعيد
https://www.aa.com.tr/ar/2277226
3 – نائب في البرلمان الليبي: “سياسي ليبي في الحكم متورط في محاولة اغتيال الرئيس التونسي سعيّد” https://arabic.rt.com/middle_east/1266538-
4 – سورة النّحل الآية 92