“سلسلة التلفيقات والاكاذيب الملقاة على المسلمين الشيعة لا تكاد تنتهي منذ أول تأسيسها إلى اليوم، فلا شأن لهؤلاء الكذابين غير التشيع واستهدافه لتنفير الناس منه.“
إن من أخطر التهم التي رموا بها الشيعة، واستمر أدعياء فريتها، يرفعونها في وجوههم، تحقيرا لشأنهم الرفيع، بأشكال مختلفة من تهم التطرف، والخروج عن السنة النبوية تارة – وهم أهلها- و بالعمالة ومناصرة أعداء الله وخذلان أوليائه تارة أخرى، ولم يكونوا طوال تاريخهم الحافل بالتضحيات الجسام، سوى قبسات من نور ثورة إمامهم الحسين بن علي، لا تطفأ واحدة منها، حتى تنير اخرى موقفا حاسما من الظلم والظالمين، إدّعاءات ومفتريات جميعها باطلة، غير قابلة للإثبات، بمن اشتهر تاريخهم بالدفاع على القيم العليا، التي جاء بها نبيهم، ومضى عليها إمامهم الأول علي وابناؤه الكرام البررة من بعده، بعدما بذلوا ما في وسعهم من جهود، من أجل أن يبقى منهجهم طريق الأحرار، ومسارهم طريق الثورة والتضحيات الجسام، وما ثورة الإمام الحسين التي بقيت مستلهم ثوارهم على مدى التاريخ، إلا نموذجا بقي خالدا لطلب الاصلاح في الامة، وان غلا ثمنه، فقد جعلوه هيّنا من أجل مبادئ الاسلام المحمدي الاصيل، والحيلولة دون اندراسها، ومن كان بتلك الثقافة والقيمة الروحية، فإنه باب المستحيل أن يكون مختلفا مع السنة النبوية، أو متآمرا أو متواطئا مع أعداء الله سبحانه.
فمبدئية أن يكون أئمة المسلمين الحقانيين للمظلوم عونا وللظالم خصما، كما أوصى بها علي ابنيه الحسن والحسين، ومن ورائهم من مشى على طريقتهم المثلى، لم تتغير في زمن من الازمنة ولا في جيل من أجيال الشيعة الامامية الاثني عشرية، ومن خالف ذلك وهم شواذّ قليلون لا قيمة لهم، أمام اجتماع من أثبت انتماءه لنهج الأحرار، ففي كل منهج نجد المنتمي الحقيقي قولا وعملا، ونجد الدّعي المتقوّل بلا عمل يثبت انتماءه.
من جملة الناعقين ضد أتباع اهل بيت النبي، علم من الأعلام لمن تبعه، وشيخ الاسلام لمن لقّبه، وكان شديدا على منهاج التشيع أئمة وأتباعا، في كتاباته وفتاواه شكلت أساس التطرف في الدين، شيخهم ابن تيمية الحراني، الذي استنفد كل ما في قلبه من حقد، ليصوغه موقفا غير قابل للتغيير في زمن من الازمنة، فقد قال عن المسلمين الشيعة: ( فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على المسلمين. (1)
وقال : (. . . و كذلك إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره ، تكون الرافضة من أعظم أعوانهم ، فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم.)(2) كان من الممكن أن تستمرّ مهاترات ابن تيمية ومن كان على شاكلته تفكيرا واعتقادا ان يستمرّ مقتنعا بما اخترعوه من تزييف حقائق، لا يمكنها أن تنطلي على احد أو تستمر لو وجد لموجتها الحاقدة صدّ يمنعها من التغلغل في عقول كثير من المسلمين فتحوّل رابط الأخوة والوحدة الى عامل عداء وتفرقة.
القضية الفلسطينية التي التفّت حولها أنظمة العرب، منذ قيام الكيان الصهيوني، وأظهر كل نظام مطلق دعمه لإخوانه الفلسطينيين، الى حد صدّقت فيه شعوبها أنها باتت على وشك حلّها عسكريا، ولما طال عليها الأمد، وهي لا تدري ما جرى في كواليس السياسة بشأن القضية، ذهب منها من ذهب الى الاعتقاد بأن الحلّ السلمي ( حل الدّولتين)، سوف يحققه حكام العرب بجامعتهم – هذا والمسلمين الشيعة راسخ اعتقادهم بأن حل القضية يكمن في مقاومة المحتل واخراجه من كامل فلسطين – وأخيرا افتضح المستور من علاقات انظمة عربية مع الكيان الصهيوني، كانوا يخفونها على شعوبهم.
نعم لم يعد هناك غطاء يتستّر خلفه المتآمرون على القضية، فالمفاوضات انتهت الى القبول بما يرضى به العدوّ الصهيوني، وكانت صفقة القرن التي عرضها الصهيوني ترامب، آخر الوضع النهائي المأسوي للشعب الفلسطيني، وسقط القناع عن انظمة الخليج، لتكشف عن مودّة وتعاون خفيين، بدأ منذ تأسيسها لكن أبقي عليه سرّا الى هذا الوقت، رفع الغطاء التلقائي على أنظمة العمالة والخيانة، بدأ وسيستمر الى أن يجتمع حكام العرب – دون أن ننسى تركيا – في إطار المودّة لأعدى أعداء الله، ولا أقول ليت ابن تيمية حي ليرى افتضاح كذبه على الشيعة الثوار المقاومون، وتاج رؤوسهم ايران الاسلامية ومحور مقاومتها، التي أعلنت منذ اليوم الأول لإنتصار ثورتها(1979) وقوفها الفعلي ودعمها العملي للقضية الفلسطينية وشعبها المقاوم، متحمّلة من أجل ذلك، عقوبات وحصار ومصاعب جمّة، ليس بمقدور انظمة العرب مجتمعة على تحمّلها طيلة 41 سنة، لكنها مع ذلك بقيت وفيّة لمبدئها الذ تبنّته، وصمدت بيقين تامّ مقتنعة تماما، أن طريقها الذي سلكته يمثل الحل الصحيح لها، ذلك أن الكيان الصهيوني هو مشروع غرس على ارض فلسطين لتفكيك الأمة الاسلامية والسيطرة عليها.
أتباع ابن تيمية من ائمة وشيوخ، أخرجوا رؤوسهم من تحت جلابيب سلاطينهم، ليعلنوا تأييدهم لمسارات التطبيع الواقعة في بلدانهم، ولا اعتقد أن الوهابية والصهيونية سوى وجهين لمصيبة واحدة، ابتليت بها الامة، نفس الأساليب في الكذب والادعاء بالباطل، ونفس نزعة الاجرام والعدوان، وما فعله كلاهما في فلسطين وفي سوريا والعراق، كاف ليظهرهم في نفس المستنقع الآسن، فلينظر عاقل الى ما يجري أمام عينيه وليعتبر، فإن كثيرا من الشيوخ تبعا لسلاطينهم (إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون) (3).
المراجع
1 – منهاج السنة ابن تيمية ج3ص38
2 – منهاج السنة ابن تيمية ج3ص378
3 – سورة النّمل الآية 34