من يجرؤ على أمريكا وبريطانيا؟ بقلم محمد الرصافي المقداد

من يجرؤ على أمريكا وبريطانيا؟ بقلم محمد الرصافي المقداد

بحساب الأرقام ومعادلات زيادة القدرات البشرية، والتقنية التنافسية في العالم، تعتبر أمريكا رأس القوى الكبرى، وتليها بريطانيا عجوز الاستعمار الغربي، التي لا يوجد شر على البسيطة في هذا الزمن، إلا وهي صاحبة علامة التأسيس فيه، والمميّزة بكل حدث كان في الشعوب ومعتقداتها، هدفا لمؤامراتها. هاتان الدولتان رافعتا لواء الاستكبار على الشعوب المستضعفة، أوغلتا في استغلال الشعوب والعبث بمقدّراتها على حساب مصالحهما، وقد لا نجد بلدا غير خاضع لإرادتهما، أو واقع تحت سيطرتهما، الا ما رحم ربّك، وهذه دول وشعوب العالم تعاني الى اليوم آثار غطرستهما، من أمريكا اللاتينية، الى أفريقيا وآسيا، كل يرزح بمقدار السقطة التي أوقعوا أنفسهم فيها.  ومنذ أول تاريخ تأسيس الاستكبار فيهما، وتطاول أدواته الاقتصادية والمالية والعسكرية على من دونهما بالإثم والعدوان، لم يوجد من وقف في وجههما، رافضا سياستهما بكل ما يملك، سوى دول معدودة على الأصابع، أبت أن تنزل من علياء استقلالها، الى دركات عبوديّة مهينة، هذه الدول، وإن تمكنت من الخروج من دائرة هيمنة هاتين القوّتين، إلا أنها بشكل أو بآخر، بقيت مترددة في الحسم النهائي معها، خصوصا أمريكا زعيمة الفساد في الأرض.

بلد وحيد اجتاز جميع الحواجز والعقبات التي اعترضته، وخلص منذ أول أيام ثورته الاسلامية المباركة، من تبعية مذلّة، اتخذها الشاه عميل القوّتين العظميين، واستمرّ منذ ذلك التاريخ، يقاوم بنظامه وشعبه عقوبات ارتفع منسوبها، الى مستوى العمل على خنق الاقتصاد الايراني، لمنعه من الوصول الى مقام الاكتفاء والاقتدار، الذي يسمح له بأن يكون رقما صعبا في عالم الاقتصاد والتقنيات لا يمكن تجاهله. إيران الإسلامية اليوم كما يراها المنصفون، ينعم شعبها على اختلاف اجناسه ومذاهبه بالحرّية الفكرية والاعتقادية، التي لا تزال شعوب إسلامية أخرى تفتقدها في سياسات حكوماتها الخارجية والداخلية، وتتفيّأ ظلال العزّة التي لم يعرفها غيرها، بفضل حكمة قيادتها، وحسن إشرافهم ورعايتهم لمسيرة شعبهم، اختلاف أعرقها لم يكن عائقا يحول دون الانسجام الذي يعيشه أهاليها في مناطقهم. عرف أعداء النظام الاسلامي في ايران، منذ بداية تأسيسه، حقيقته وأهدافه التي المعلنة بكل وضوح، والتي تريد استعادة الحقوق المسلوبة للشعب الايراني وبقية الشعوب الاسلامية، وفي مقدّمتها حقوق الشعب الفلسطيني، لذلك وقفوا في وجهه بقوة، وعملوا على عرقلة تقدّمه وتعطيل نموّه، لكنهم مع كل ما قاموا به من اجراءات وعقوبات ظالمة، لم يفلحوا في كبح جماح انطلاقة هذا الشعب الصابر الكادح، وتبيّن لهم في الأخير أن كيدهم في تباب. قال تعالى: “إن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا إنّ الله بما يعملون محيط.” (آل عمران الآية 120) لقد بلغ الشعب الإيراني مستوى عال من الوعي، أصبح يدرك جيّدا من يواجه، ولا أعتقد أن الإعداد للدفاع والمنازلة عن مشروعه الاسلامي، كان غائبا من تخطيط القائمين على حظوظه، فقد كان أولويّة قصوى فرضتها حرب الثماني سنوات العدوانية، التي اشترك فيها العالم المستكبر وعملاؤه ضدّها، فإنّ إن ما كشف عنه خبراءه من تقنيات وقدرات، أربكت حسابات أمريكا وحلفاءها وعملاءها، ووضعتهم في مازق التهديدات الفارغة والوعود الزّائفة، أمانيّ لم تتحقق لدول العمالة لضرب إيران الاسلامية.

لقد بلغت إيران اليوم بفضل ثورتها الفريدة، ونظامها الاسلامي العتيد، مستوى من التقدّم والتطوّر أهّلها للوقوف بندّية أمام طواغيت الاستكبار العالمي، وفرض منطقها وسياساتها الاقليمية، من المنظور الاسلامي، وقد أقنعت العالم عدوّا كان أم صديقا – وما أقل الاصدقاء في زمن التفريط في المبادئ – بأن السياسة في الإسلام التي حجبها أعداؤه، عادت اليوم بفضل “قوم سلمان”، فارضة وجودها في شكل نظام إسلامي، أثبت جدارته في القيادة، إستنادا إلى الوحي والنبوّة، لتتبوّأ مكانتها الطبيعية، كنموذج صالح يراعي الحقوق الانسانية، وسط توحّش سياسات شياطين الإنس.  لقد سلك النظام الإسلامي منذ تأسيسه، منهجا سعى إلى كسب عزته، من خلال اعتماده على الله وحده ولا شيء غيره، منابذا ما كان عليه نظام إيران السابق من ذلّ تبعية، لم يحصل منها على شيء، سوى مزيد من السقوط في مستنقع فقد الهويّة وضياع الشخصيّة، ونظام الشاه كما قال بشأنه المولى تعالى: “الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا.” (سورة النساء الآية 139)  ومنذ أن وجّه الإمام الخميني بوصلة حكومته وشعبه، إلى طريق الأخذ بالأسباب في ابتغاء العزة، شقّ طريقه بعزم وإرادة، وحقق اكتفاء ذاتيا في جميع المجالات، وجعل من مسألة الدفاع العسكري أولويّة قصوى في كسبها، مستعينا بالله فيما عزم عليه، فنال مبتغاه وحقق اكتفاءه. قال تعالى: “من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور.” (سورة فاطر الآية 10).

حادثة الإحتجاز التعسّفي لناقلة النفط الإيرانية، المتّجهة بحمولتها الى سوريا من طرف بريطانيا، تنفيذا لرغبة أمريكية لم تمرّ في الخفاء، فقد أظهرت بعدها أن جمهورية ايران الاسلامية أصبحت رقم قوّة يصعب تجاهله، باتخاذها إجراءات مماثلة، باحتجاز ناقلة نفط بريطانية، في إعلان واضح بأنها دخلت مرحلة المعاملة بالمثل، بل سيكون بمستوى أقوى وأعلى، حسب ما تقتضيه الحال. سياسة جديدة بعنوانها الإسلامي، نهض بها نظام جاءت به ثورة إسلامية عتيدة، فريدة من نوعها في تاريخ البشرية، شعبية وقوة واقتدار قيادة، ممثلة في الامام الخميني المؤسس لهذا النظام الإسلامي الصّادق بمبادئه وشعاراته، والإمام الخامنئي الذي استلم الأمانة من بعده، وسهر على حسن أداء هياكل الدّولة في إيران الإسلام، الى أن أوصلها مصاف الدّول القويّة، التي يحسب لها ألف حساب. على مستوى السياسة العالمية، لم نجد في مجال عالمنا الإسلامي، دولة وقفت في وجه أمريكا وبريطانيا، حتى في ابسط الاستحقاقات، جميعهم خاضعون مستكينون، ينتظرون المعونة والمساعدة، ومن أجلها مستعدون لبيع كل شيء حتى مبادئهم وحقوقهم، فقط وجدنا ايران وحدها مختلفة عن البقية، رافضة كل تعامل مع قوى الاستكبار على حساب مبادئها، هذه ايران الاسلامية قد برزت بالجرأة على أمريكا وبريطانيا، فمن يجرؤ عليهما غيرها؟

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023