بقلم د. عادل بن خليفة بالكحلة (باحث إناسي، الجامعة التونسية)
يريد مكرون أن يستخف الفرنسيين، فيشغلهم عن أزمتهم الاجتماعية والاقتصادية والحضارية بافتعال هُوَام«أزمة إسلام ومسلمين»، وشتم لنبي الإسلام. وقد تزامن ذلك مع حملة الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيع العرب مع الكيان الصهيوني ومع حرائق مرفإ بيروت وغابات الشاطئ السوري، ومع ميلاد النبي(ص) نفسه، حتى يرضى عنه رأس المال الصهيوني الحاقد على النبي محمد (الذي كان متسامحا مع اليهود فجازوه بمحاولة الإطاحة والقتل)،حتى يجازيه بمساعدته على تجاوز أزمته… وقد كانت زيارته لبيروت في هذا السياق نفسه ، وكنت أرجو أن لا يُسْتَقْبَل من التقدميين اللبنانيين، وحتى من السيدة فيروز نفسها…
1) تناقضات مَاكِر-وون وأزمته العميقة:
يتهم مكرون الإسلام بالبعد عن حرية التعبير، بينما هو قتل في بداية احتجاجات 2018 على سياسته الاقتصادية«3 قتلى »، وتسبب في«مئات الجرحى والمعتقلين»،وقد استخدمت شرطته «10آلاف قنبلة صوت وغاز في 24ساعة خلال السبت الأسود» (لوركا خيزران،«القمع الوحشي للمتظاهرين يحرج فرنسا ويفاجئ العالم»،الوطن، 3 ديسمبر2018، العاشرة ليلا). وإذا كان شتم النبي مباحا، فلماذا تمنع فرنسا التحقيق العلمي في علاقة هتلر باليهود حاكمة على غارودي والأب بيار الأحكامالقاسية التي اضطرتهما للهروب من أرض الوطن؟!
وإذا كان« الإسلام والمسلمون في أزمة»، كما يدعي مكرون دون بصيرة علمية، فهل أن سياسته الطبقية والاستعمارية ليست في أزمة؟! لقد كانت التظاهرات ضده«الأطول من نوعها خلال السنوات الأخيرة»، و «الأفضل تنظيما، بسبب« زيادة أسعار المحروقات وسوء الأوضاع الاقتصادية، قبل أن تتحول إلى تظاهرات مناهضة» له. وقد كان«عدد المحتجين 282ألفا حين انطلقوا في تحركهم » (وكالة الأناضول، «الشهر الرابع للسترات الصفراء…»، 30/03/2019).
فعلا، يعيش«الدين الإسلامي أزمة في جميع أنحاء العالم اليوم »، ولكن هل ذلك يعود للدين الإسلامي ولنبيه؟! ماذا قرأ مكرون عن الإسلام وعن القرآن الكريم وعن محمد؟ هل قرأ كلام مواطنه الشاعر لامرتين عن النبي:« بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد؟»! هل قرأما قاله مواطنوه: غارودي وجاك بيرك والرسام إتيان دينيه وفوكو ورينيه غينون وغيرهم عنه؟! هل قرأ ما قاله كارل ماركس عن النبي محمد:«هذا النبي افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة. حري أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة»!!
من الواضح أنه رئيس غير مثقف، لا يفهم في الاقتصاد و تاريخ الأفكار والأديان، وفي معنى الحرية فلسفيا، وفي كيفية إدارة الأزمات. نبي الإسلام يأمره إلهه أن لا يشتم الآخر:﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ﴾. ، ويأمره بالمجادلة ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾… بينمامكرون دون لياقة أخلاقية :«لن نتقهقر عن الرسوم، وإن تقهقر البعض» (بي بي سي نيوز،«تصريحات مكرون…»، 25/10/2020).
يقول النبي محمد (ص) عن ربه في فن الحوار: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾،﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾. أما عندما تم طعن مسلمة قرب برج ايفل( الذي بني بسرقة حديد منجم الجريصة التونسية)، بعد أن قيل لها:«ارجعي إلى بلدك أيتها العربية القذرة!» لم يعلق مكرون شيئا، فعنف الشاب الشيشاني محظور لديه، بينما عنف الشاب الفرنسي على المسلمة مباح.
،«مكرون يسيء للنبي…» 24/10/2020 )sochals.com)
كان النبي يقبل النقد، ومازال، فلا يقتل من يتهمه بالحيف الاقتصادي :«أعدل يا محمد!»،ولا من ينقد سياسته الخارجية(تمرد بعض الصحابة على صلح الحديبية، تمرد عبد الله بن أبي …). أما مكرون فقد قابل الاحتجاجات على سياسته بالقمع والقتل.
فليتواضع هذا المتكبر، المتعجرف، الاستعماري-الامبريالي مع محمد ومع الإسلام ليتعلم منه حرية التعبير وفنه والإدارة الديمقراطية للأزمة.
2) أزمة المسلمين اليوم:
إن هذه الأزمة يتحمل الحمل الأكبر منها المسلمون، وهم أبعد ما يكونون عن معقولية الإسلام وعن معقولية الحكيم محمد (ص).
ولكن الإمبريالية الفرنسية (وغيرها من الإمبرياليات) تتحمل جزءا كبيرا منها : تدميرا اقتصاديا وبيئيا وثقافيا، ومازال ذلك متواصلا. وحتى إرهاب«الجهاد السلفي»، ثبت بالأدلة القاطعة أن الاستخبارات الغربية(ومنها الفرنسية) تورطها فيه، ومنها تسفير«الجهاديين»الفرنسيين ذوي الأصل المغاربي، وإسقاط الدولة الليبية مع سركوزي (سلفه) وحلف شمال الأطلسي، والتنسيق العلني مع حركة الإخوان المسلمين في ليبيا، وقد استقبلت تلك الحركة في تونس مكرون في أواخر يناير 2018(عادل بالكحلة، «شرفتم يا مكرون بابا يا بتوع الاستعمار!»،الحرية أولا، 07/02/2018) أحسن استقبال، بينما هي متورطة في الإجهاز على الحراك الثوري العربي الذي اندلع في 17 ديسمبر 2010.
3) ردود المسلمين والعرب على الإساءة المكرونية :
لم يكن رد المسلمين، وخاصةنخبه وسلطاته السياسية والدينية، كالعادة، في مستوى عظمة النبي محمد(ص) وحكمته واصلاحيته. فلقد كنت أتمنى إنجاز تظاهرات تجمع المنمنمات الإسلامية (الهندية والإيرانية والأناضولية) التي تمثلت رسول الله (ص)، ومسرحيات، وأفلام قصيرة تجسد سيرته، ومحاضرات في معقوليته ونزعته العدالية… بل كانت جل هذه المظاهرات من متعصبين سلفيين وإخوانيين يشتركون مع مكرون في التعصب والتحالف مع الامبريالية والصهيونية وتمثل النبي قاتلا ، غازيا، كارها، مدمرا للأديان الأخرى…
لم نسمع من جل رجال الدين المسيحيين العرب ، ومن كل رجال الدين اليهود العرب (في تونس، في مصر، في المغرب،…) حتى مجرد احتجاج (باستثناء رجال الدين الفلسطينيين). فشتم النبي محمد (ص) هو شتم للنبوة في الحقيقة، أي شتم للمسيح عيسى ولموسى بن عمران. وهذا أمر محير جدا ومؤسف. فهل إن رجل الدين اليهودي التونسي تونسي فعلا في هذه الحالة.وهل إن رجل الدين المسيحي المصري (مثلا) مصري في هذه الحالة؟!
خاتمة:
1-يحمل مكرون حقدا تاريخيا : صليبيا و إمبرياليا على الإسلام وعلى محمد(ص)، يريد به كما فعل أسلافه-(جول فيري، دي توك فيل…) امتصاص الأزمة الاجتماعية-الطبقية الفرنسية. ففرنسا لم تغسل إلى حد الآن خطيئتها في الجزائر وإفريقيا عموما وجنوب شرق آسيا حتى بمجرد الاعتذار.
2- يحمل مكرون تواطؤا مع الصهيونية، لعل رأس مالها العالمي يساعده على تجاوز أزمته.
3- على الحركة التقدمية العربية التواصل مع الحركة التقدمية الفرنسية (نخبا، أحزابا، جمعيات…) من أجل التحالف ضد العدو الواحد(الإمبريالية والصهيونية والرأسمالية المتوحشة…). فالسلفيون والإخوان المتظاهرون يتظاهرون وحدهم في فرنسا دون أي تنسيق مع أهل البلد الأصليين كأنهم فيه فاتحون، ودون محاولة حوار مع المجلة المسيئة مباشرة ولا مع جمعيات حقوق الإنسان والمثقفين التقدميين…