الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

نتنياهو ومحاولة إسقاط العرب في الشِّباك…بقلم عماد خالد الحطبة

في خضم انشغال العالم العربي بمشاهد وأخبار الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان، كانت تطورات خطرة متسارعة تحدث في خلفية الحدث من دون أن تسترعي ما يكفي من الاهتمام. أكثر ما لفت النظر في الفترة الماضية، «المطاردة» اليائسة التي قام بها نتنياهو لوزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو.. من باريس إلى لندن وبروكسل، حتى تمّ اللقاء في لشبونة في البرتغال. بالنسبة للكثير من المراقبين، عبّرت تلك «المطاردة» عن محاولة يائسة من جانب نتنياهو لكسب دعم الولايات المتحدة لتشكيله حكومة في «إسرائيل»، لحماية نفسه من احتمالات المقاضاة بتهم الفساد، برغم ما في هذه الآراء من صحة، فإن التصميم على اللقاء المباشر، يحمل أبعاداً تشير إلى محاولات إسرائيلية لإقناع الولايات المتحدة باتخاذ خطوات أكثر جذرية على الأرض، وبشكل خاص ضد سورية وإيران، لتحقيق «انتصارات استراتيجية».
المدخل إلى هذه الرؤية يأتي مما قاله نتنياهو في المؤتمر الصحفي المشترك في لشبونة: «الموضوع الأول لهذا الاجتماع هو إيران، والموضوع الثاني هو إيران، والموضوع الثالث هو إيران». في الوقت نفسه كان وزير خارجية الكيان الإسرائيلي يسرائيل كايتس «يغرد» على «تويتر» حول «ضرورة إقامة تحالف عربي – إسرائيلي – أميركي لمواجهة إيران».
هذا الاندفاع الإسرائيلي مبني على تقديرات سياسية واستخبارية إسرائيلية تشير إلى أن الضغوط الاقتصادية التي ترافقت مع تشديد الحصار الاقتصادي على سورية، والعقوبات على إيران وحزب الله، شكلت محاولات لحرف الاحتجاجات الشعبية في شوارع لبنان والعراق وإيران عن قاعدتها المطلبية، وتوجيهها نحو تحقيق أهداف سياسية، تطول المنطقة بأسرها.
لكن الواضح (حتى الآن على الأقل) أن الولايات المتحدة الأميركية لا تشارك نتنياهو أحلامه وأوهامه، وتعتقد أن السلوكيات الإسرائيلية – إضافة إلى عدم دقة استنتاجاتها – لا تأخذ في الحسبان المصالح الأميركية، ولا تهتم كثيراً بالخسائر البشرية والاقتصادية التي يمكن أن تلحق بالولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج، لهذا السبب سارعت الخارجية الأميركية إلى نفي ما ورد في تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» بشأن نية أميركية لنشر 14 ألف جندي إضافي في منطقة الشرق الأوسط، بهدف مواجهة إيران، وهو الأمر الذي أكدته صحيفة «نيويورك تايمز» «حول عدم وجود» توجه أميركي للتصعيد العسكري تجاه إيران بعد ورود تقارير استخبارية تفيد بنشر إيران شبكة من الصواريخ قصيرة المدى في الدول الحليفة لها، وخاصة العراق. وبأن هذه الصواريخ قادرة على إصابة أهداف أميركية وخليجية وإسرائيلية في حال اندلاع حرب في المنطقة.
يبدو أن الولايات المتحدة ستكتفي بالضغوط الاقتصادية، وتشديد الحصار على سورية وإيران وحلفائهما، وهو ما أظهرته سلسلة العقوبات الجديدة على شخصيات من الحشد الشعبي العراقي. تضاف إليها ضغوط سياسية من خلال تقارير ملفقة حول «استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، والإحاطة التي قدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، واتهمت فيها إيران «بتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية»، واعتبار ذلك خرقاً للاتفاق النووي، وأخيراً الحرص على استمرار الحراكات الاحتجاجية في العراق ولبنان، من خلال إعاقة الوصول إلى حلول، بالتعاون مع عملاء الغرب في هذين البلدين.
بالنسبة لـ «إسرائيل»، فاللحظة التاريخية مصيرية، فهي تمر بأفضل مرحلة فيما يتعلق بوضعها في المنطقة والعالم. في واشنطن تتفاوض «إسرائيل» مع دول خليجية على توقيع معاهدة عدم اعتداء بعد رحلة متسارعة من التطبيع العلني مع هذه الدول.. في إربيل يعمل الخبراء العسكريون الإسرائيليون مع الأكراد على توظيف الأسلحة التي وصلت الإقليم من دولة خليجية، لتكريس حالة الانقسام، وإنشاء كيان كردي يهدد وحدة العراق وسورية وإيران.. في لندن التقى رئيس الكيان الإسرائيلي مع مستشار الملك عبد الله الثاني لمناقشة مواضيع تتعلق بالسياحة الدينية، وهو ما نجمت عنه إعادة السماح للإسرائيليين بزيارة مقام النبي هارون في جنوب الأردن، في الوقت نفسه تتحدث الأنباء عن نية الأردن تفعيل المناطق الاقتصادية الحرة مع «إسرائيل»، وهي الاتفاقية الموقعة في عام 1998. في تونس، وبرغم موقف الرئيس المُنتخب من التطبيع، فإن وزير السياحة التونسي طلب فصل الديني والسياحي عن السياسي، ودعا إلى منح الإسرائيليين من أصل تونسي، الجنسية التونسية، وتمكينهم من استعادة ممتلكاتهم، وفي دولة خليجية التقى الحاخام الإسرائيلي موشيه عمّار برجال دين من دول خليجية أخرى ومن مصر والأردن، إضافة إلى لقائه ملك الدولة المضيفة له.
عالمياً؛ أقرت الجمعية العمومية الفرنسية قانونا يساوي بين معاداة الصهيونية و معاداة السامية، ما يجعل انتقاد كيان الاحتلال الإسرائيلي وممارساته «جرماً» يعاقب عليه القانون. أما في بوليفيا، فبعد إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع «إسرائيل» منذ عام 2008، عاد وزير خارجية الحكومة الانقلابية ليعلن طلب بلاده المساعدة من «إسرائيل» في مكافحة الاحتجاجات التي يقوم بها أفراد يساريون ومناصرون للرئيس إيفو موراليس، حسب تعبيره.
وسط كل هذا يبقى محور المقاومة غصّة في الحلق الإسرائيلي، ومركز هذا المحور بالنسبة لـ «إسرائيل» يقع في سورية، فأي مواجهة واسعة في المستقبل لا بد من أن تمر عبر سورية، لذلك، فإن الحرب خيار غير مطروح في المرحلة الحالية، والبديل هو قطع الإمدادات عن سورية من خلال الضغط على حلفائها في إيران والعراق ولبنان، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، يضاف إلى ذلك وضع المزيد من الضغوط على الاقتصاد السوري، وإعادة تأهيل المجموعات الإرهابية والانفصالية، بهدف «دفع» سورية إلى «القبول» بالشروط الأميركية للتسوية، وتحييد دورها في أي مواجهة إقليمية مقبلة.
بغض النظر عن التحليلات التي تدّعي الموضوعية، وتختبئ وراء أقنعة إنسانية، أو وراء رطانة ثورية، فالواضح أن «إسرائيل» مقتنعة بأنها أسقطت معظم العرب في شباكها، وأن تحويل مكاسبها الإقليمية إلى واقع جيوسياسي في المنطقة لا يعوقه اليوم إلا محور المقاومة بقيادة سورية.
لا نستطيع احتكار الحقيقة، لكننا من دون شك نحتكر المقاومة والمواجهة مع العدوين الرأسمالي والصهيوني، هذا الاحتكار لم يأتِ من بيانات أو مواقف نظرية، بل من دم مقاوم بذله أبطالنا في كل ساحات القتال.. هذا الدم يجعلنا لا نخشى رفع صوتنا بالقول إن كل ما ومن يمس محور المقاومة هو عدو وخائن للأمة وقضاياها.

 

*كاتب من الأردن

 

شاهد أيضاً

المطبعون العرب.. شركاء في حرب ابادة غزة…بقلم ميلاد عمر المزوغي

على ايام حكم العسكر, والتفرد بالسلطة لم نشهد انحطاطا في شتى المجالات كما نشهده اليوم, …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024