نظرة الاستعلاء الصهيونية والأمريكية هذه نتائجها…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

نظرة الاستعلاء الصهيونية والأمريكية هذه نتائجها…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

لقد أوضحت حرب الإبادة وتبعاتها على غزة وبشكل لا لبس فيه العديد من الأخطاء الاستراتيجية لمحور الصهيو-امريكي وذلك يعود بالدرجة الأولى ربما الى النظرة الاستعلائية والدونية الملازمة للقوى الاستعمارية والتي ما زالت الثقافة السائدة لديهم بالرغم من انتهاء حقبة الاستعمار الاستيطاني المباشر والنظر والثقة الزائدة لهذه القوى في قدراتها العسكرية على وجه التحديد والتي عن طريقها يمكن استخدامها بعنف ووحشية إن تطلب الامر لإخضاع الشعوب في أية بقعة في العالم وهذا لا يخفى على المتابع للتاريخ الاجرامي لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى الاستعمارية التي مارست المجازر وعمليات الإبادة للسكان المحليين.

وربما اول خطأ ارتكبه الكيان الصهيوني هو ثقته الزائدة بجيشه وبمخابراته وأجهزة تحسسه التي تراقب كل صغيرة وكبيرة في قطاع غزة وعلى مدار 24 ساعة يوميا. ومن هنا كانت المفاجأة الكبرى الذي مني بها في 7 أكتوبر الذي أحدثت زلزالا عميقا على المستوى الأمني والاستخباراتي والعسكري وعلى الوعي الجمعي في المجتمع الإسرائيلي الذي اهتز وفقد أغلبيته الثقة بالجيش “الذي لا يقهر” وما تبع ذلك من هجرة عكسية والتهرب من الالتحاق بالخدمة العسكرية تحت ذرائع متعددة. والعامل الذي اسقط من حسابات العدو الصهيوني وكذلك الولايات المتحدة الراعي الأول لهذا الكيان الغاصب والذي استخدم لعقود لفرض هيمنتها على المنطقة هو أن هذه الهيمنة لم يكن لقدرات هذا الكيان الذي زود بكل الأسلحة المتطورة والاحدث في المنظومة العسكرية الامريكية ومجمعها الصناعي العسكري والتكنولوجي وإنما لضعف او غياب القرار السياسي الجريء لمواجهة هذا الكيان والتحضير لها أو نتيجة انبطاح النظام العربي الرسمي واستسلامه وتبني أن السلام مع هذا الكيان المؤقت هو خيار استراتيجي الذي نادى به نظام السادات عام 1979 وما تلاه من انبطاح لمزيد من الأنظمة عبر بوابة التطبيع مع بعض الأنظمة العربية.

لم يتسن للعقلية الغربية الاستعمارية الامبريالية أن تستوعب أن عامل الانسان وإرادته في مقاومة الاحتلال وتوقه الى الحرية واستعداده للتضحية لنيل هذه الحرية أكبر وأعظم وأهم من كل أنواع السلاح وأدوات القمع والتدمير وان ما كان يلزم هو القرار السياسي لاتخاذ هذا المسار والتحضير لبدء معركة التحرير واستيعاب على انها عملية تراكمية. وما يؤكد هذا وبوضوح تام هو ما نراه من الصمود الأسطوري للمقاومة في غزة وقدرتها على تطوير أدواتها وقدراتها العسكرية والتكنولوجية عبر سنوات من الجهد المضني دون كلل أو ملل والعمل على مدار الساعة ولسنوات وليس أسابيع او أشهر والا بماذا يمكننا تفسير هذا الصمود طيلة ثمانية أشهر واستعدادها للمزيد منه مهما طالت مدة العدوان على قطاع غزة أو الضفة الغربية.

والخطأ الثاني الذي ارتكبه محور الأعداء هو الاستهزاء بمحور المقاومة ووحدة الساحات أو على الأقل التقليل من قدراته ومن إمكانية ان يهب لنصرة المقاومة الفلسطينية التي تشكل أحد أعمدة هذا المحور لان حركة حماس لم تبلغ أحدا من أطراف هذا المحور بساعة الصفر لطوفان الأقصى. وما رأيناه على أرض الواقع هو عكس التوقعات لمحور الأعداء فقد دخلت المقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية كجبهات اسناد للمقاومة الفلسطينية وبشكل تدريجي ومتساوق ومتوازي عما يحدث في قطاع غزة من تدمير وإبادة وقد شكلت هذه الجبهات عاملا أساسيا في صمود المقاومة بربط عملها ودرجة تصعيدها ملتزمة بمزيد من تفعيل هذه الجبهات الا ان تتوقف حرب الإبادة على قطاع غزة على وجه التحديد. ورفضت هذه الجبهات كل أنواع المساومة لفك ارتباط أعمالها العسكرية بما يدور في غزة وذهبت الى تبني شعار اننا لن نترك غزة تقاتل لوحدها ولن نسمح باستفراد أي طرف من أطراف المقاومة مثبتة وحدة الساحات على أرض الواقع والميدان.

ولم ترهب هذه الجبهات استحضار الاساطيل الامريكية وحاملات الطائرات الى المنطقة والتهديدات الامريكية على وجه الخصوص التي جندت دول حلف الناتو للمجيء الى المنطقة ملوحة بشن الحرب على هذه الجبهات. وهذه الجبهات لم تكتف فقط بتوجيه الضربات الموجعة لداخل الكيان الصهيوني، بل تعدت وخاصة الجبهة اليمنية بالتعرض وضرب السفن المحملة والمتجهة الى موانئ فلسطين المحتلة وقد وصل هذا التصعيد الى ضرب السفن الامريكية والبريطانية العاملة في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي وكان آخرها ضرب حاملة الطائرات الامريكية ايزنهاور شمال البحر الأحمر ب 6 صواريخ مجنحة و 4 مسيرات وإصابتها إصابات مباشرة كما أظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية الصينية والتي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعية. لقد فرضت المقاومة اليمنية ممثلة بأنصار الله سيطرتها على المياه المحيطة باليمن وباب المندب خاصة وأجبرت السفن المتوجهة الى الموانئ في فلسطين المحتلة على تغيير مسارها والا فإنه سيتم استهدافها بغض النظر عن العلم الذي تحمله هذه السفن والبوارج الا أن يتم وقف العدوان على قطاع غزة.

بالرغم من كل هذا وما حملته الوقائع على الأرض ما زال الكيان الصهيوني وحكومته اليمينية المتطرفة والفاشية يكابر ولا يريد ان يبلع الهزيمة وكل يوم نسمع بتهديدات نخبه العسكرية بضرب لبنان على سبيل المثال وتحويل بيروت كما هو الحال في غزة وما زال يكابر بأن الحرب على غزة لن تتوقف الا بالقضاء على حماس واسترجاع “المخطوفين” و الاسرى من أفراد جيشه وها نحن قاربنا على دخول الشهر التاسع دون أن يتمكن من تحرير اسير واحد او اعتقال او قتل قيادات حماس العسكرية بالرغم من كل الدعم اللوحيستي والعسكري والسياسي من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو. ان العدو الصهيوني يصارع الان من أجل بقاءه وهذا ما يدركه صناع القرار في الولايات المتحدة وان “إسرائيل” فقدت دورها وحلم هيمنتها على المنطقة عسكريا وأمنيا واقتصاديا كما سقط رهان أنظمة التطبيع على الحماية الإسرائيلية ولا شك أن البعض الذي كان يتمنى وما زال بالقضاء على المقاومة الفلسطينية سيعود لإعادة حساباته إن لم يكن اليوم سيكون قريبا وخاصة بعد ضرب حاملة الطائرات الامريكية ايزنهاور رمز الجبروت والهيمنة والسطوة الامريكية وفخر الصناعات العسكرية والتي تجوب المحيطات والبحار للترهيب وإثارة الرعب.

كاتب واكاديمي فلسطيني

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023