سؤال يطرح نفسه بإلحاح على كل مسلم واعٍ، سواء كان سنيا أم شيعيا أم أباضيا أم صوفيا، باعتبارهم يمثّلون جميع المكون المجتمعي الإسلامي بتونس، وإن كان التصوّف قاسم مشترك بين مختلف الفرق الإسلامية: هل بجوز التوافق مع البهائية ومع المرتدين عن الإسلام إلى المسيحية، بالإمضاء على وثيقة تعايش سلمي، في بلد غالبية شعبه مسلما بنسبة 99%، علما وأن فقهاء الإسلام القدامى والمعاصرين، كانوا قد أصدروا أحكامهم باتّفاق بشأن ردة المسلم عن دينه إلى دين آخر غير الإسلام، وكما نعلم أنّ البهائية دين مخترع من رجل لُقِّبَ (بهاء الله) منذ قرن ونصف تقريبا، وقد حكم عليه شرعا بالإعدام ونفّذ فيه الحكم؟
ما الفائدة من الإمضاء على وثيقة التعايش السلمي من أساسها، ونحن كمواطنين مسلمين أباضية وشيعة نعيش في إطار سلميّ مع المكوّن السُّنّي العام في البلاد، حتى البهائيين المبتدِعِين لدين جديد لا علاقة له بالديانات السماوية، باعتباره مخترعا حديثا، والمسيحيين المرتدين عن الإسلام كذلك، لا يحتاجون لمثل هذه الوثيقة، وهم يعيشون تحت حكم مدنيّ علماني ضمن لهم حقوقهم الفكرية والرّوحية؟ وحتى أولئك الذين عرِفوا بإلحادهم، من حملة الأفكار الشيوعية، لم يتعرّضهم أحد بسوء، خصوصا في فترة ما بعد 2011، ونرى عبدة الشيطان ونشاطات دعاة المثلية في العاصمة تونس بدأت تظاهراتها تخرج للعلن، دون أن تجابه بقوة أو اعتقال.
فهل تُعْتَبرُ هذه المبادرة مقدمة للتمهيد للدعوة إلى الإبراهيمية، ومرحلة تليها الدّعوة إلى قبول الحرية الجنسية بعد الحرّية الرّوحية، التي تدعو إليها أمريكا؟ أم هو غطاء صهيوني تلوّن بأصباغ الحرّيات، يتقدم بالتّوازي مع التطبيع خطوة بخطوة، نحو فضاء من التلاقي على عزل أكبر عدد من أفراد الشعوب الإسلامية، وسحبهم بعيدا عن بيئتهم ليكون دورهم سلبيّا، ومعاكسا في مناصرة إيران الإسلامية، صاحبة التمهيد الحقيقي لقيام دولة العدل الإلهي في العالم، والذي بلغت فيه مراحل متقدمة جدا بتوفيقاتها الإلهية المباركة؟
لقد أصبح من واجب كل مسلم، مهما كان انتماؤه المذهبي، أن يلتفت إلى ما يحاك ضدّ دينه وبلاده، والتي تأتي غالبا في شكل مبادرات قد لا تكون شخصية، وقادمة من وراء الحدود يكتنف صاحبها غموض، من حيث مستواه العلمي والجهات التي تدعمه، إنّ نظرة سريعة وبسيطة في الفصل السادس من الدستور التونسي، تؤكّد على عدم ضرورة أيّ ملحق متعلّق بنصّه العام الذي جاء فيه:
(الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.)(1)
وعلى أساس هذا الفصل الملزم قانونا باحترامه وعدم تجاوزه تكون الدولة التونسية كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، وبالتّالي فإنّ إنشاء ميثاق للتعايش السّلمي، من طرف أشخاص، إدّعوا أن وزارة الشؤون الدينية تمّ انشاؤه تحت رعايتها، فهو قانونا لا قيمة له بالنسبة لدستور البلاد، ولا مرجعيّة يكتسيها كنص لم يقع تحريره، وإلحاقه ضمن الدستور، لتكون صبغته قانونية.
أعتبر أن الامضاء في ميثاق التعايش السلمي في مجتمع لم يتناحر عقائديا، خطأ يجب التراجع عنه، نأيا باسم أهل البيت عليهم السلام عن الوقوع في إشكال تعايش مشبوه، ليس لله فيه رضا، وحقوق المسلمين الشيعة في تونس لا تقف عند الحسينيات والحوزات العلمية، فهي ليست ضرورية للتعايش السلمي، خصوصا إذا كان الدّاعم لذلك كلّه، الشيطان الأكبر أمريكا وأدواتها في المنطقة، وتأكّدوا تماما أن أعداء الإسلام لن يدّخروا جهدا في الإيقاع بالمسلمين، ونشر أسباب الفرقة بينهم تحت أيّ مشروع خبيث، انتبهوا أيها المؤمنون جيّدا، فإن ما يحاك ضد الإسلام وأتباعه، يفوق ميثاقا مشبوها، ويتجاوزه ليبلغ مداه، في ما سيلي من مراحل خطرة، سوف تأتي تباعا، بعد تمرير أحد أخطر مبادرات التحريض على فتنة مذهبية، بين مكونات شعب تونسي كان يعيش في سلم أهليّ بين أفراده.
المراجع
1 – https://www.constituteproject.org/constitution/Tunisia_2014?lang=ar