فيما يمضي الرئيس الأمريكي ترامب قدما نحو تحقيق أمله في إجبار لبنان وسوريا على الخضوع لصفقته بدخول قانون قيصر المفروض عليهما، لتجويع الشعبين ودفعهما إلى رفع الراية البيضاء استسلاما لإرادته الظالمة، وقطعا لجسر المودّة بين المقاومة وشعبها، وفصلا لقضية فلسطين وأهلها، يستمر صمود المقاومة وإعدادها لمعركة الفصل الأخير.
عندما دعت فرنسا راعية مستعمراتها في منظمة الفرنكوفونية، على لسان رئيسها ماكرون العالم، إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان، كان الجميع ينتظرون منه ان يكون مخففا بما يكفي آثار الانفجار المدمّر الذي أصاب جزء كبيرا من العاصمة اللبنانية، وكاد يأتي عليها جميعا، لولا صوامع الحبوب والبحر، اللذين احتويا نسبة هامّة من عاصفة التفجير.
صدمة تلقاها (الفرنكفونيون) اللبنانيون، بياعة الوطن وعملاء فرنسا، وأصدقاء الصهاينة، والحلفاء حتى مع الشيطان، في وجه حركة المقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله، وإذا بهم مطأطئي الرؤوس مهزومين قبل بدء المعركة – معركة إعادة بناء بيروت طبعا، إذ لا قبل لهؤلاء بالمعارك الأخرى- والتي ستتحمل نصيبا منها المقاومة، فليس للبنان سوى محورها الفاعل، في السّلم كما في الحرب، وقد عوّدنا بذلك.
ويبدو أن الإدّعاء على حزب الله، في قضية إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، وتحويل مسار القضية الى المحكمة الدولية، لم يكن كافيا لأعداء المقاومة- ونحن على أبواب إصدار الحكم فيها، فإنّ الإتجاه الغربي الذي تتزعمه أمريكا، قد عزم فيما ظهر من كلام الرئيس الأمريكي ترامب، الذي شدد في كلمته، على وجوب معرفة من يقف وراء هذا الانفجار، وهل كان بالفعل حادثا أم لا.
انتهى المؤتمر في يومه الأحد الماضي، وأعلن مكتب الرئيس الفرنسي ماكرون، أنه تلقى تعهدات بنحو 253 مليون يورو (298 مليون دولار) مساعدات إغاثة فورية، وشتّان ما بين تبرعات انفجار بيروت، وما بين تبرعات ترميم كنيسة نوتردام، التي احترقت السنة الفارطة، حيث فاقت الأموال المرصودة لها خلال يومين فقط المليار دولار، وتبرعت لها دول خليجية ورؤوس أموال عربية تزلّفا لأسيادهم، وهكذا يكون دائما نفاق الساسة، تلوّنا بألوان الدين، وتمظهرا بالولاء للغرب، وتقديما لعرابين الطاعة له.
والغرب كما نراه بأعيننا حريص على ان يظهر مدنيا، متحضّرا وإنسانيا أيضا ولكن في إطار خص فيه انسانيته وربطها بمصلحته الإقتصادية، ففي مجتمعاته نرى كيف يحرص الغربي على الاهتمام الشديد بكلابه وقططه، فيعطيها من ماله ووقته وجهده، ما لا يعطيه أحيانا حتى لنفسه، وعندما يتكلم حكامه عن الإنسانية وحقوقها، تراهم بارعين في صياغة العبارات الرّنّانة، التي تأخذ بألباب مجتمعاتهم، وفي النهاية، عندما يتعلّق الأمر بالإنسان المسلم، المضطهد في بلاده، بسبب غزو أو عدوان، يلوذ الغرب الرّسمي بالصمت، تجاه الجرائم المرتكبة بحقه، واليمن المظلوم أكبر مثال على ذلك، ومصانع الأسلحة الغربية تشتغل لفائدة دول خليجية، أصرت على دمار اليمن وابادة شعبه، وأصرّ الغرب على تجاهل ما يحدث من جرائم فظيعة بأسلحته، نماء لاقتصاده على حساب استباحة بلد مُغَارٌ عليه، لم يسلم منه شيء.
نفاق السياسة الغربية بحر لا ساحل له، كلما أبحر فيه أهله ازدادوا بعدا عن انسانيتهم، وكلما تبعهم إليه عبدة الغرب والمهووسين بزيته، كلما فقدوا القيمة والكرامة التي تنعموا فيها تحت جناح المقاومة، وقدّموا انفسهم طوعا وبمقابل زهيد لا معنى له، أمام ما نهبه هؤلاء الإستعماريون الجشعون والوقحون، من بلداننا زمن احتلالهم لها.
وحتى لا نذهب بعيدا في إثبات نفي الانسانية عن هذا الغرب المنافق، وقد ثبت ذلك بما ليس بمقدوره نفيه، وجمعيات أحراره الحقوقية تثبت ذلك وتؤيده بتحرّكاتها المحتشمة، نؤكّد من جديد، على أن ما يرمي اليه الغرب، ويدفع أزلامه ووكلاءه وعملاءه للوصول إليه، هو تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بشّرت به (كونداليزا رايس)، وزيرة خارجية أمريكا، في عهد جورج بوش الإبن، قبل ما يزيد عن 11 عاما، والذي بدأ الرئيس الأمريكي الحالي ترامب بتنفيذه، باعتباره القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، وإعلانه عن صفقة القرن السيئة الذّكر.
منطقيا هذه المشاريع الإستعمارية المقدمة من الزعامة الغربية، هديّة إلى رأس حربتهم الكيان الصهيوني، المغروس بالقوة على ارض فلسطين، لا يمكنها أن تنجح في ظل وجود مقاومة مسلّحة، بلغت من القدرة على مقارعة العدوّ الصهيوني، مبلغا لم يكن يتوقعه أعداؤها، ولا حسبوا له حسابا، وقد أثبتت على أرض الواقع، أنها الرّقم الصعب، الذي لا يمكن تجاوزه بالمواجهة العسكرية، من دون خسائر فادحة، ومعالجته السياسية والإستخباراتية والإقتصادية والإعلامية، لم تصل إلى نتيجة تذكر، ولم يبقى من حلّ أمام هذا الغرب الفاسد، سوى اللجوء إلى الخداع، واستعمال أساليب الغدر، وتحريك عملائه بلبنان والعراق، لتحقيق شيء يحوّل فصائل المقاومة، من حالة دينية وطنية وشعبية، نابعة من فتوى المرجعية، بواجب وضرورة مكافحة الارهاب التكفيري، إلى حالة شاذّة عن المجتمع يراد إنهاءها.
وانفجار ميناء بيروت بناء على ذلك، ليس عفويا بالمرة، والمحاولات المحمومة التي ظهرت إعلاميا لتوريط حزب الله، بأنه ناتج عن مخزونات اسلحة له مخبأة بالميناء، لم تصمد أمام حقيقة، أن ما حصل كان نتيجة إهمال متعمّد لا شك في ذلك، وقادم الأيام سوف تكشف نتيجة التحقيق، اذا بقي الملفّ عند الجيش اللبناني، أما إذا ما وقع تدويل حادث الميناء، فإنه سينتهي إلى ما انتهى إليه التحقيق، في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، من توريط حزب الله زورا، وبالتّالي فإنه بات من المؤكّد أن حربا توشك على الإندلاع في المنطقة، والهدف انهاء محور المقاومة، فهو العقبة الوحيدة المتبقية أمام المشروع الأمريكي، الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن.
من لم يفهم حقيقة حزب الله في ميدان مقاومته، ليس مسيحيا فالمسيحيون أقروا بأنه دافع عنهم، وهم يكبرون كل جهوده في الدفاع عنهم من داعش، وليس مسلما سنيّا، ذلك انّ أهل السّنة، لم يتأخروا في الاعتراف بجميل أيادي أبطاله، في هزيمة الإرهاب الوهابي التكفيري، وخلاصهم منه في سوريا ولبنان، وانصاره في هاتين الطائفتين بلبنان وسوريا، أكثر من أن يحجبه خدّام الغرب وصهيونييه وعملائهما، ومن لم يستوعب حقيقة حزب الله، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم وأوطانهم لشياطين الغرب.