وقاحة دول الغرب يدركها كل متابع للشأن السياسي لدوله، خصوصا تلك التي تعتبر أنفسها كبرى في عالمنا، الذي طغى على بقيته استضعاف يريد هذا الغرب أن يستغله، ليبقى مستداما، قائما على قاعدة إخضاع الدول التي صنفها من خلال تعامله معها، على أنها تابعة له اقتصاديا وسياسيا، بنحو من الإجمال، باعتبارها من مستعمراته زمن هيمنته عليها، ما بين للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بأسلوبه الإرهابي، حيث استغلها واستباحها كما شاء، وارتكب فيها جرائمه المختلفة دون رقيب ولا حسيب، ومضت تلك الجرائم المصنفة جرائم إبادة عرقية، وجرائم حرب، وأعمال إرهابية، لا تقل وحشية عما اقترفته داعش في زماننا هذا.
فرنسا دولة مصنفة استعمارية، ولا تزال تعيش بعقلية المستعمر، لم تخجل من تلك الجرائم لما قررت القيام بها ولا اعتذرت عنها فيما بعد، استوى عندها حصد أرواح الجزائريين، استوى عندها الطفل والمسنّ الرجل والمرأة، وكل من عارض وجودها، مثال ذلك المجاهدة (يمينة الشايب) التي
(قضت حياتها كواحدة من أبرز المناضلات الجزائريات، حيت تحدّت بنضالها قادة الإحتلال الفرنسي، بحث عنها المستعمر طويلا، فلما قبض عليها، قام بتعذيبها بشكل وحشي، وسحلها بعد ربطها بسيارة عسكرية في شوارع الجزائر، من أجل إرهاب الجزائريين، بعد أن يئس من اجبارها على أسماء رفاقها المجاهدين،
في نهاية المطاف، قرر قادة الاحتلال الفرنسي قتل المناضلة يمينة الشايب، برميها من على متن طائرة هيلوكوبتر، وكان ذلك يوم 25 اكتوبر سنة 1957) (1)
وفرنسا نفسها تداولت على إرهاب الشعب الفيتنامي مع أمريكا، فكانت البادية في العدوان، فلما عجزت عن مواصلة إرهابها، خرجت يائسة(2) لتحل محلّها أمريكا وتواصل إرهابا يفوق في وحشيته إرهاب فرنسا، لكن إرادة الشعب الفيتنامي كانت أقوى، فانتصر مقاوموه على إرهاب الجيش الأمريكي فخرج منهزما بشكل مخْزٍ(3) رغم قوة اعتدته وتفوق آلياته وطائراته، الدرس الفيتنامي لم تستوعبه لا فرنسا ولا أمريكا، فعقلية الاستكبار التي سيطرت عليهما، منعتهما من تغيير سلوكهما العدواني.
رغم كل الجرائم التي ارتكبها الحلف الاستعماري الغربي، وما خلّفته من آثار سلبية على الشعوب المستعمَرة، لم تبدر من دوله اعتذارات رسمية، وتعويضات على كل تلك الجرائم، بل أصرّوا على مواقفهم، كأنّ لهم الحق في القيام بها، ولا تزال العقلية الإستعمارية سائدة في سياسات دوله تحكم بأحكامها، وتفرض منطقها الأرعن على دول عالمنا العربي والإسلامي، فمن تعامل معها من الدول وحكوماتها، على أساس عقلية التابع الخاضع، الذي لا يرى رأيا أو يُمضي سياسة، إلّا إذا كانت موافقة لسياسات الغرب.
عقلية الإستكبار الغربي بزعامة أمريكا، عملت على قلب الحقائق منذ زمن، فكل ما يعارض مشاريع هيمنتها على دول العالم، صنّفته إرهابا وأعدّت له لائحة سوداء ضمّنتها أسماؤه، وعلى رأسها حركات مقاومة الاستكبار والصهيونية، في فلسطين ولبنان واليمن، والتي يسهر النظام الإسلامي في إيران على رعايتها كما ينبغي، وتلبية احتياجاتها الضرورية للدفاع عن حقوق شعوبها، هؤلاء بنظر أمريكا وحلفائها إرهابيون، رغم أنهم مدافعون عن مصائر بلدانهم، من أن تضيع في فلك الإستعمار والتبعية لهذا الغرب، الذي لم يتخلى عن عقلية العدوان، واستعباد الدول وشعوبها أبدا.
هذه العقلية برزت خلال السنوات الأخيرة وباء متحوّرا، تحاول دول الغرب فرضه، بمنطق المقايضة، بمعنى أن على الدّول التي تريد أن تعيش بأمان، بعيدا عن المشاكل الإقتصادية التي قد تفتعلها أمريكا، ومن ورائها الدول الغربية، بمنأى عن تهديدات انهيارات إقتصادياتها وإمكان إفلاسها، أن تمتثل لمقرّراتها التعسّفية، وتخضع لمشاريعها التي تمهّد لتمام هيمنتها، فلا ترى مانعا من صبغ قوانينها، بصبغة الإنحلال والتفسّخ الغربي، في إجازة كل ما يتعارض مع الأحكام الإسلامية والأعراف الإنسانية.
أمريكا ودول الغرب يسعون لتغيير نمط عيش شعوب العالم، بالتحريض سرّا على الكراهية الدينية، وما يستتبعه من قيام جماعات وعصابات إرهابية، بمنطق ديني أو عنصري، وتحريض الأقلّيات على الإنفكاك والخروج على دولها، وتشجيع المثلية الجنسية، لتفكيك المجتمعات، ومسخ طبائعها التي طبعها الله بها، تبعية رأت حكومات أنها مجبرة على الخضوع لسياسات أمريكا وحلفائها، تفاديا للتصنيفات والعقوبات التي ما فتئت أمريكا تلوّح بها، مهددة أي دولة تحاول الخروج عن سياقها السياسي، والتمرّد على مخططات هيمنتها، باعتبارها القطب الذي يجب أن يخضه له الجميع.
لكن ما حالنا اليوم إزاء هذه الأوضاع الخطيرة، ونحن شعوب مسلمة، يحرم عليها إتباع دول الغرب بما يهينها، ويفقدها كرامتها وحتى انسانيتها ويسقط ما تأمله من استعادة أراضيها المنزوعة بالقوّة، بمساعدة دول الغرب ورضاها، ويتسبب في الإضرار بعقائدها ومقدّساتها؟ مع أن القرآن الكريم قد نهانا بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّهم منهم) (4)،عن اتباع تلك الدّول، فيما تطرحه من برامج خطيرة علينا نحن المسلمين، كمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تبذل أمريكا قصارى جهودها لتحقيقه، ومشروع الديانة الإبراهيمية، التي تُعْتَبَرُ محاولة خبيثة يائسة لجرّ الدول الإسلامية إليه بأساليب ترغيبية مختلفة، وقد استجابت إليه دول كالإمارات والبحرين، في سبق متوقع منهما، بعد دخولهما علنا في تطبيع مشين مع العدو الصهيوني، موقفا يُعتبر انسلاخا من الإسلام تماما، اتّباعا لملّة الغرب الصهيونية (ولن ترضى عنكم اليهود ولا النّصارى حتى تتّبع ملّتهم )(5)
حالنا غير جيّدة بالمرّة، وستتفاقم أوضاعنا إلى الأسوأ، إذا لم نواجه مؤامرات أمريكا والغرب، بكشف مخططاتهم وفضحها، والتصدّي لها إعلاميا، بإظهار خطورتها لشعوبنا، ودعوتهم لحماية دينهم والدفاع عن عقائدهم وأوطانهم، فلا حياة كريمة تكون، إلا لمن عاش تحت عزّة مبادئه، وألوان الغرب وأمنياته مجرّد خداع وأوهام لن تجني منها شعوبنا مكسبا، وإن حصل وجنت شيئا، فمقابله ضريبة قاسية، وخسارة دين عزيز وأوطان كريمة، هذا ما يجب أن تعيه شعوبنا، فلا تلقي بحبل انقيادها، بسيطرة أمريكا ودول الغرب عليها، فقاوموا سياسات هؤلاء الذين يظهرون الصداقة كذبا، تتخلّصون من مخاطر جمّة أعدّوها.
الإرهاب من ناحية، هو مشروع أمريكي غربي، لضرب استقرار دولنا العربية والإسلامية، وصِفَة أطلقها هذا التحالف الماكر، على مؤسساتنا وحركات نضال شعوبنا، التي تكافح من أجل الخروج من سيطرة وهيمنة دول الغرب، عدوّة مقدّساتنا ومعرْقِلة نموّنا، ولن يتحقٌق ذلك من دون الإعتماد على أنفسنا، وترك وعود أعدائنا الذين لا يريدون لنا خيرا أبدا.
المصادر
1 – يمينة الشايب: المناضلة الجزائرية التي تحدَّت الاستعمار الفرنسي
https://basaer-online.com/2020/12/
2 – فيتنام تحتفل بالذكرى الستين لانتصارها على الفرنسيين في ديان بيان فو
https://www.france24.com/ar/20140507-
3 – حرب فيتنام https://www.marefa.org
4 – سورة المائدة الآية 51
5 – سورة البقرة الآية 120