أُقدم لمحة تاريخية بهذا المقال عن هجومات 20 أوت 1955 بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف قائد الولاية التاريخية الثانية (الشمال القسنطيني بالشرق الجزائري) ذات الأثر الايجابي على الثورة التحريرية الجزائرية، وقد أطلقت على هذا الحدث التاريخي الهام ؛عدة مسميات كهجومات الشمال القسنطيني ،وأحداث 20 أوت ،وانتفاضة 20 أوت ،لكن المهم أنها حدثت ،وحققت أهدافها التي كان المجاهدون قد سطروها وأعلم أنه سبقني الآلاف في هذا الموضوع ،لكني ارتأيت أن أكتب مقالا يفيد القاريء الكريم،يتوجه إليه مباشرة عوض البحث وسط صفحات الكتب ،ربحا للوقت والجهد ،أردت أن ينشر هذا العمل على صفحات المحور العربي الغراء بمناسبة الذكرى الـ65 لهذه الذكرى التي حملت شعارا لهذه السنة ” يوم المجاهد …رسالة التحرير إلى جيل التعمير” هذا الجيل لكي يعرف ويحافظ على ارث الأجيال السالفة، هو عمل أراه متواضعا أمام تضحيات شهداء ثورتنا المجيدة ،إكراما لهم وحبا في هذا البلد وتاريخه ،كما لا يفوتني أن أنوه بأن تاريخ 20 أوت هو عنوان لذكرى أخرى لاتقل أهمية عن الهجومات وهي ذكرى مؤتمر الصومام سنة 1956 لرمزية نفس التاريخ والذي سيكون لنا عنه موضوع مستقل بذاته.
نبدأ مقالنا بكلمة قالها الشهيد “زيغود يوسف” قبيل هجومات 20 أوت 1955 …”اليوم أصبحت القضية قضية حياة أو موت ، ففي أول نوفمبر كانت مسؤوليتنا تنحصر في تحرير الوطن وتنفيذ الأوامر ، لكن اليوم وجب علينا ان نختار إحدى الطريقتين : إما أن نشن غارات عامة والشمس بازغة يحدث من خلالها الانفجار الشامل ، وبالتالي نحث كل الجهات على مضاعفة عملياتها ، ويذاع صوت كفاحنا بكل صراحة على المستويين الداخلي والخارجي ، وإما إن يكون هذا بمثابة برهان بأننا عاجزون على أن نقود هذا الشعب إلى الاستقلال وبهذا نكون قد قاتلنا إلى أخر مرة ، وتكون في النهاية عملية انتحارية “
كلمة القائد العقيد “زيغود يوسف” اختصرت كل شيء عن هاته الهجمات، ففي شهر مارس حتى شهر ماي 1955وقعت أعمال عسكرية سبقت هجومات 20 أوت 1955 وخاصة بمناسبة ذكرى مجازر 8 ماي 1945، والتي كانت متمثلة في نصب الكمائن والأعمال الفدائية التي استهدفت الخونة والمعمرين وتهديم الطرق والجسور وغيرها من عمليات عسكرية قام بها جيش التحرير كحرق مزارع المعمرين وتحطيم أعمدة الهاتف …وقابلت السلطة الاستعمارية هذه العمليات بقوة ضخمة لمحاصرة جيش التحرير الوطني واستعمال القمع ضد المدنيين انتقاما للعمليات التي يقوم بها جيش التحرير بهدف القضاء على معنويات الشعب وعزله عن الثورة .
غير انه بعدما سجن بعض القادة واستشهاد البعض الأخر ،وذهب آخرون إلى الخارج لمد الثورة بالسلاح، ضعف هذا النشاط نوعا ما ،ففي الغرب الجزائري كادت الشعلة تنطفيء، وفي وسط البلاد ساد العمليات العسكرية نوع من الركود نتيجة الصعوبات التي كانت تواجه القادة عند تنقلهم للتعريف بالثورة وتدعيمها ، أما في منطقة “الاوراس” بعد إلقاء القبض على “مصطفى بن بوالعيد” في 10 فيفري 1955من طرف الشرطة الفرنسية بالحدود التونسية الليبية بضواحي قرية “بن قردان” وكان ذاهبا إلى ليبيا لمد الثورة بالسلاح ،فقد ساد هذه المنطقة نوعا من التطاحن، ولم تعد أخبار البطولات تصل إلى المنطقة الثانية بعد استشهاد قائد المنطقة الثانية “ديدوش مراد” في 18 جانفي 1955 ، وفي هذه الظروف القاسية والعسيرة شعر المسؤولين بالمنطقة الثانية بأنهم وحدهم في الميدان وان اتصال المناطق الأخرى بهم أصبح منعدما ولم يعد بينهم أي تنسيق.
نظرا للوضعية التي سادت هذه الفترة ، طرأت فكرة تنظيم هجومات على مراكز السلطات الاستعمارية بمنطقة الشمال القسنطيني للرد على إستراتيجية العدو الرامية إلى القضاء على الثورة في عامها الأول والتصدي لسياسة القمع المسلط على الجزائريين وفك الحصار المضروب على منطقتي “الاوراس” و”القبائل” و تحريك بقية المناطق الأخرى وتعيد للثورة قوتها وعنفوانها ،في تلك الفترة تحمل ” زيغود يوسف” قائد منطقة الشمال القسنطيني بصفة شخصية تبعات قراره هذا وعقد اجتماعا حضره مسؤولي النواحي بالشمال القسنطيني ولم يكن التحضير لها من خلال دراستنا لهذا التاريخ المفصلي للثورة عن مغامرة وإنما عن رغبة جامحة لفك الحصار والخناق عن الثورة وكذا المسؤولية المعنوية اتجاه بقية المناطق الأخرى والحالة التطويقية الفرنسية للقضاء على الثورة في المهد .
وقد حددت أهداف الهجوم بأنها تشمل جميع المواقع العسكرية من ثكنات ومراكز البوليس والجندرمة والمؤسسات الاقتصادية ومعاقل الأوروبيين، وقد خطط على:
– أن يتم الهجوم في وضح النهار حتى تشاهد الجماهير الشعبية جنودها وتلتحم بهم لرفع المعنويات ولتحطيم قوة العدو.
– تتواصل العملية ثلاثة أيام لكل يوم أهدافه.
– إعدام من لم يستجب لنداء الثورة وتحالف مع العدو.
– تسليم مشعل الثورة للجماهير.
– فك الحصار عن المنطقة الأولى.
– حث باقي المناطق على النهوض حتى تشمل الثورة جميع ربوع الوطن.
– وضع خط أحمر أمام كل متردد.
– الإصداع باللا عودة بعد هذا اليوم.
– 20 أوت تضامن فعال وبالدم مع الشعب المغربي في ذكرى نفي محمد الخامس.
– استكمال شمولية الكفاح في كامل أرجاء المغرب العربي وذاك أحد أهداف أول نوفمبر.
– القضاء على التعتيم الإعلامي الغربي، وإسماع صوت الثورة في المحافل الدولية.
إنها قمّة التحدي وحكمة التخطيط وروعة الفداء.
كانت الظروف الدولية ملائمة اثر انعقاد مؤتمر باندونغ في أفريل 1955 الذي سجلت فيه القضية الجزائرية حضورها رسميا وتم طرحها لأول مرة في المحافل الدولية ، حيث استطاع الوفد الجزائري – المتمثل في كل من “ايت احمد” و”يزيد” الناطقان باسم جبهة التحرير الوطني – من اخذ الكلمة والكشف عن حالة الشعب الجزائري ومعاناته وكذا رفضه للاستعمار الفرنسي واستعداداته لمقاومته ، وفي ذلك المؤتمر تم وضع لائحة أصدرتها 29 دولة تقر”بحق شعوب المغرب في تقرير مصيرها” وتلك المجموعة التي أصدرت اللائحة هي نفسها التي ستكون حاضرة في الدورة العاشرة التي ستعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة والمقررة شهر أوت أو سبتمبر من عام 1955فرأى “زيغود يوسف” ضرورة تزامن الهجومات مع تاريخ انعقاد الجمعية العامة وخصوصا أنه هناك دول حديثة الاستقلال ستحضر الاجتماع.
ومن الأثر العميق بالداخل و الخارج الذي أحدثته العمليات الواسعة التي قام بها الشهيد “زيغود يوسف” في الشمال القسنطيني, حيث فكت القبضة الحديدية الاستعمارية على كل من “الأوراس” و “القبائل” و بدت بوادر البحث عن الحلول السياسية بين الحكومة الفرنسية و المملكة المغربية و تونس ، فانفك الحصار على العاهل المغربي و أسرته في مدغشقر، و بذلك يبقى 20 أوت عربونا للأخوة و التضامن بين الشعبين المغربي و الجزائري وهو ما يجعل هذه التواريخ أيام مشتركة تتحدث عن وحدة المصير في السراء و الضراء.
وأيضا أهم ما تمخض عن هجومات الشمال القسنطيني ترتيب وحدة الشعب والتفافه داخليا حول الثورة التحريرية ، ودحض الادعاءات الفرنسية بأنها ثورات متقطعة لا تتجاوز منطقة “الاوراس ” خاصة بعد استشهاد “مصطفى بن بولعيد” ، أيضا بعد الهجومات دخلت الثورة التحريرية في مرحلة الحسم الذي كان ينتظره الشعب الجزائري ،وبالتالي إبطال مشروع “جاك سوستال “الرامي إلى فصل الشعب عن الثورة.
خارجيا كان لهجومات الشمال القسنطيني صدى دولي من خلال لفت أنظار الرأي العام العالمي لما يجري في الجزائر ودور إقليمي عربي ، خاصة وتضامن الثورة والملك المغربي محمد الخامس ،أيضا كان هناك تعاطف دولي كبير خاصة على المستوى المغاربي مع الثورة التحريرية ، وبالتالي تسهيل ربط الثورة بمحيطها الخارجي عكس ما سعت إليه الإدارة الاستعمارية آنذاك في محاولة منها لعزل الثورة،
وهذا ما انعكس بصورة كبيرة إلى الكميات الهائلة من الأسلحة التي كانت تدخل على الشريط الحدودي الشرقي من الجارة تونس ،وهذه العملية نتيجة مباشرة للتعاطف الكبير والمصير الواحد الذي باتت كل من تونس والمغرب يحسونه في تعاطيهم مع الثورة الجزائرية باعتبارها خارطة طريق لانعتاق المنطقة برمتها من ويلات الاحتلال الفرنسي آنذاك .
وأخيرا ما يستنتج من القرارالتاريخي للشهيد “زيغود يوسف ” بالتخطيط والتنفيذ لهجمات الشمال القسنطيني والذي أسس لانطلاقة ثانية للثورة التحريرية ، وهو أمر ليس بالغريب فالمتأمل والدارس لتاريخ الثورة الجزائرية يستنبط أن مكمن عظمتها في التضحيات التي قدمتها كعربون لتحقيق الاستقلال الوطني المدون في بيان أول نوفمبر 1954،أين عاهدت الطليعة الثورية نفسها بأن تكون وقودا للكفاح المسلح نصرا أو استشهادا.
الشهيد العقيد زيغود يوسف