الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

هذه ديمقراطية الغرب فاعتبروا…بقلم محمد الرصافي المقداد

الديمقراطية الليبرالية هي فكر الدول الغربية الإستعمارية، وعقيدتها في الظهور بمظهر قيام أنظمتها، على ذلك الأساس من الحرّية، وبتلك الهالة من السّلوك، فهي بنظر الكثيرين من أبناء جلدتنا، ممّن استهوتهم مظاهر دول الغرب، نُظُمٌ مثالية في أدائها السياسي والإجتماعي وحتى الديني، قد انخرط منهم من انخرط مُغْترّا بها، في الترويج لأفكارها المزيّفة في بلداننا، على أنّها الحلّ الأمثل، الذي يتيح لشعوبنا إمكانية اللحاق بركب تلك الدول المصنّعة والمتقدّمة تقنيا، هؤلاء في كل الحالات – وإن أحسنّا الظنّ بهم – بيادق وعملاء الغرب.

 

عندما شاهدنا الاحتجاجات التي اجتاحت فرنسا، صاحبة الريادة في رفع شعارات الديمقراطية والحرية، بلد الثورة على زمن الإستبداد الملكي، تلك الثورة الفريدة التي استمرت عشر سنوات (1789/1799م)، فقد رأينا بأمّ أعيننا كيف قُمِعت تلك الاحتجاجات بقوّة مفرطة، دفعت بالمتظاهرين إلى القيام بردود أفعال غاضبة، أقلّ ما يُقال عنها، أنّها جاءت انتقاما من نعنّت السلطة الفرنسية، في الاستجابة إلى مطالبهم المشروعة في المساواة والعيش الكريم، وقد تكررت الإحتجاجات طوال فترة الرئيس ماكرون، وازدادت توسّعا لتشمل جميع القطاعات، مضافا إليها هذه الأسابيع، تعبير الشارع الفرنسي مزدوج الجنسيات، عن سخط محتجّيه وعدم رضاهم، عن سياسة بلادهم من قضية فلسطين، حيث تصطفّ فرنسا مع أمريكا وبريطانيا، إلى جانب الكيان الصهيوني، في عدوانه على قطاع غزّة.

 

وعلى منوال فرنسا، نسجت بقية الدول الغربية، المعروفة بمناصرتها لدولة الاستيطان الصهيوني، الغاصبة لحقوق الشعب الفلسطيني، لكنّه بأقلّ حدّة، باستثناء الحكومة الأمريكية، التي أذنت لقوّاتها الأمنية – المنتشرة بكثافة حول الجامعات – بقمع الإحتجاجات والمظاهرات الطلّابيّة، المطالبة بوقف العدوان الصهيوني على غزّة، داعية الحكومة الأمريكية إلى التوقّف عن إرسال الأسلحة والذخائر إلى هذا الكيان المعتدي على المدنيين الفلسطينيين، والمستمرّ في عدوانه منذ أن تأسيسه سنة 1948، على حساب حقّ الشعب الفلسطيني في حرّيته واستقلاله على أرضه ووطنِهِ فلسطين.

 

(التظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية، ضد الدعم الأمريكي لإسرائيل، في عدوانها على الفلسطينيين في قطاع غزة، أسقطت قناع الديمقراطية والحرية الزائفة، التي تدعي أمريكا المتمثلة في إدارة (بايدن) تبنيها، كما أن هذه الاحتجاجات تفضح الموقف الأمريكي المؤيد لوحشية الإحتلال، كما أن التظاهرات انطلقت وتمددت داخل الجامعات الأمريكية العريقة، المعروفة بجامعات النخبة، وعلى رأسها جامعات (هارفارد) و(ييل) و(بنسلفانيا) و(كولومبيا) و(برون) و(جورج واشنطن) و(تكساس)) (1).

 

تظاهرات أوقد نار انتشارها وتمدّدها، جرائم الكيان الصهيوني، المنقولة على فضائيات دول العالم، حيث لم يعُدْ هناك مجال لإخفائها بعد أن افتضح أمرها، قد أيقظت ضمائر الطلبة ودعاة حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني، المطالبة بالحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، لقد أوقف طوفان الأقصى هذه الفئات الإجتماعية في المجتمع الأمريكي والأوروبي، على حقيقة أن أنظمتهم كاذبة ومراوغة ولم تصدقهم قولا بشأن قضية الشعب الفلسطيني، فقدّمته لهم شعبا معتديا دخيلا على أرضه، خلافا تماما لحقيقة أن الكيان الصهيوني هو الغاصب لأصحاب الأرض، والمجرم الحقيقي الذي نفّت قطعانه آلاف الجرائم بحق الفلسطينيين، وها هي الصورة اليوم تبرهن على وحشية هذا المعتدي، والمحتمي بأمريكا وحلفائها من دول الغرب.

 

(ويطالب المتظاهرون من طلاب الجامعات، بوقف إطلاق النار في غزة، وقطع الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة، من الشركات التي تدعم الجهد العسكري الإسرائيلي في غزة، بل وقطع كل علاقاتها مع إسرائيل في بعض الحالات، ونظمت تلك الاحتجاجات، تحالفات مجموعات طلابية مستقلة عن بعضها إلى حد كبير.)(2)

 

تظاهرات واعتصامات عديدة، حرّكتها قناعات طلّابية، أصبحت راسخة في عقول نُخَب الجامعات الأمريكية والأوروبية، بأنّ سياسات حكوماتهم المنتهجة تجاه الكيان الصهيوني، متواطئة ومتورطة معه في جرائمه الفظيعة، التي ارتكبها بحق الفلسطينيين وعلى أرضهم، فهي بنظرهم سببا أساسيا في استمرار اعتداءاته وتكرارها، كلّما رغب الكيان في ذلك، متحدّيا المجتمع الدّولي بأسره في جرائمه البشعة، بفعل اعتراضات أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالفيتو، على كل قرار مُتّخذ من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، ملزما كان أم غير ملزم.

 

من خلال هذه التباينات في التطبيق، بين ما يروّج له الغرب بقيادة أمريكا، من دعاية استقامة أفكاره في الترويج لديمقراطيته، على أنّها الأيديولوجية الأمثل للعالم الحرّ، لضمان حقوق الشعوب والدول الأخرى، نستخلص قناعتنا في زيف ما يدّعيه الغرب من قِيَمٍ، قام بإسقاطها تباعا على مدى ظهوره، مروّجا لأفكاره المعاصرة في الحرية والديمقراطية المزيّفين، بعد أن كان قديما ذا طابع وحشي عنيف، تبيّن أنّه جبلّة جُبِل عليها، وما بالطّبع لا يتطبّع.

 

هذا من الجانب الإنساني وفُسْحتُه التي لعب فيها الغرب، إدّعاء وتظاهرا كما شاء وأراد، وكانت أوراق دعاياته تتساقط كلما تورّط في مساندة الكيان الصهيوني في اعتداءاته، التي صوّرها على أنّها دفاع مشروع عن وجوده، بينما اعتبر حركات التحرير الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية والسورية حركات إرهابية، وبمجيء طوفان الأقصى، معلنا عن بدء خريف الكيان الصهيوني، ومعه داعموه من الغرب، سقطت بقية الأوراق الباقية من ادّعاءاته، فلم يعُدْ يستر حقيقته الشيطانية شيء.

 

بانكشاف عورة ادّعاءات الغرب الكاذبة، حيث أظهرته بمظهر صهيوني فاضح، متناقض تماما مع مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة التي أعلنها وجعلها مقدّمة ليقود دول وشعوب العالم إلى وهم تماما كما قال الله جل شأنه: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب) (3)

 

المراجع

 

1 – أمريكا تقمع مظاهرات الطلاب المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة

https://fath-news.com/ar/514852-

 

2 – ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابية؟

https://www.bbc.com/arabic/interactivity-68901631

3 – سورة النور الآية 39

 

 

Check Also

ألمانيا تدفع ثمن أخطائها الإستراتيجية من غزة إلى أوكرانيا…بقلم م. ميشال كلاغاصي

لطالما دعيت بالمحرك الأوروبي بفضل صناعاتها التي ضمنت لها مكانةً إقتصادية هامة, وقوةً عسكرية لا يستهان بها, استطاعت من خلالها رسم حكايتها مع التاريخ القديم والحديث, هي ألمانيا التي خاضت حروبها العالمية وكادت...

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024