اختتمت قمة “بريكس” الخامسة عشرة معلنة نشوء نظام عالمي جديد محتمل، بما يتضمنه ذلك من تمثيل أكبر للأسواق الناشئة والدول النامية في المنظمات الدولية والمنتديات المتعددة الأطراف التي تلعب فيها دوراً مهماً”.
وحسب مقال نشره موقع “إنفورميشن كليرينغ هاوس” فإن مجموعة “بريكس” التي ستشهد التوسع الأكبر منذ إنشائها بانضمام ست دول إضافية, هي الأرجنتين, مصر, إثيوبيا, إيران, المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ستمثل دول “بريكس” الآن ما يقرب من نصف سكان العالم وما يقرب من نصف إنتاج العالم من النفط أيضاً. وبذلك فهي تتفوق بسرعة على نظيرتها البديلة، مجموعة السبع، التي تتألف من كندا, فرنسا, ألمانيا, إيطاليا, اليابان, المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ومع التوسع الأخير، يتابع الكاتب, ستضم “بريكس” الآن ثلاث قوى نووية عسكرية (روسيا والصين والهند)، وثلاثة من كبار منتجي الطاقة في الشرق الأوسط (المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة)، إضافة إلى دول إفريقية وعربية مهمة ذات موقع استراتيجي (إثيوبيا ومصر) وكذلك الأرجنتين، إحدى دول أمريكا اللاتينية ذات الأهمية التاريخية.
ومن الممكن أن يشمل التوسع القادم دولاً مثل الجزائر, إندونيسيا, كازاخستان, نيجيريا, باكستان, تركيا أو فيتنام، ما يعني قوة أكبر من حيث الطاقة والسكان ونمو الناتج المحلي الإجمالي والقدرات النووية العسكرية والوضع والموقع الجغرافي الاستراتيجي.
وبناء على هذا يتساءل كاتب المقال عما إذا كانت “بريكس” ستحمل اسماً جديداً وفقاً لصيغتها الموسعة مقترحاً تسميتها بـ”مجموعة الـ11″، لتمييزها عن مجموعة السبع.
ويضيف كاتب المقال محذراً: مع المزيد من التوسعات قد تصبح “مجموعة الـ 11” قريباً شبيهة بمجموعة العشرين من دون الدول الغربية, لتصبح مجموعة العشرين الأصلية، التي اختلط فيها الغرب العالمي وأجزاء من بقية العالم لعقود من الزمن، غير ذات أهمية.
في بداية الأمر أظهر الغرب العالمي ووسائله الإعلامية الرفض تجاه مجموعة “بريكس”، مع التركيز على عيوبها وتوتراتها الداخلية. وفي أحسن الأحوال اعتبروها نادياً اقتصادياً غير منسق وضعيف وهش. أما في أسوأ الأحوال فقد اعتبروها مجموعة غير واقعية وغير متجانسة من البلدان التي التزمت بإطلاق نظام حكم عالمي بديل لا يتمتع بالكفاءة. وبعبارة أخرى فقد اعتبروها محاولة “خرقاء وساذجة” للانتقال من النظام العالمي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأطراف غير محدد ولا يمكن التنبؤ به.
وإلى حد ما، فإن مثل هذه الأحكام لها ما يبررها, ولا تستطيع مجموعة “بريكس” أن تفاخر بديناميكية التفاعل والتشاور والعمل والتي ظلت فترة طويلة حكراً على الغرب العالمي عبر مجموعة السبع، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وأوكوس ــ وغير ذلك من المنتديات.
ففي نهاية المطاف، كما يجزم الكاتب, فقد وصلت دول “بريكس” متأخرة إلى “أعمال الحوكمة العالمية”، التي كانت لعقود من الزمن امتيازاً غربياً، ابتكرتها وقادتها الولايات المتحدة. ومع ذلك تؤكد مثل هذه الأحكام الموجزة مدى خطورة انفصال أعضاء الغرب العالمي عن الواقع.
ولو لم تهدر واشنطن وحلفاؤها الرئيسيون “نصر” نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، ولم تستغل مواقفهم، فمن المرجح أن “بريكس” لم تكن لتولد على الإطلاق.
وكما يؤكد كاتب المقال، فقد ألحق الغرب العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية بالبشرية حروباً طويلة متعارضة مع القانون الدولي، والعقوبات الأحادية الجانب، واستخدمت الدولار كسلاح، عدا خطط التكيف الاقتصادي الكلي المنافقة، وقواعد “التحول الأخضر” التي تم تطبيقها بمعايير مزدوجة صارخة. وآخر مثال على ذلك هو اليابان، التي بدأت، في ظل الصمت المطبق لشركائها في مجموعة السبع، تصب في المحيط الهادي 1.3 مليون طن متر من المياه المشعة من محطة فوكوشيما النووية).
أما بالنسبة لصعود مجموعة «بريكس» فهو يعكس القلق المتزايد في أجزاء كبيرة من بقية العالم إزاء سياسات الغرب العالمي على مدى العقود القليلة الماضية. وأن تعاظم حجمها دليل على أن رد الفعل هذا قد وصل إلى نقطة حرجة. وما يثير الدهشة ليس حقيقة أن بقية العالم لديها رد الفعل هذا، بل إن رد الفعل هذا قد استغرق وقتاً طويلاً حتى يظهر.
ويشير كاتب المقال إلى أنه من الخطأ أن يتم تفسير الاتجاه الحالي على أنه حملة عمياء مناهضة للغرب، تغذيها المظالم القديمة بشأن السياسات الاستعمارية الماضية أو التحركات الأحادية الجانب خلال لحظة الأحادية القطبية لواشنطن. ولذلك يروج الغرب العالمي كذباً لفكرة مفادها أن النظام العالمي وصل إلى نقطة انعطاف ملحمية تتسم بالمواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، استناداً إلى منطق “إما معنا أو ضدنا”.
وعلى ما يبدو فإن قادة الغرب العالمي اليوم غير قادرين على تصور السياسة العالمية في إطار يتجاوز عقلية الحرب الباردة الثنائية.
وفي الوقت نفسه الذي تلعب فيه الصين وروسيا أدواراً أساسية ضمن مجموعة “بريكس”، فإن دور الهند آخذ في التزايد. لكن لا بكين ولا موسكو تتمتعان بموقف مهيمن داخل المجموعة يشبه دور الولايات المتحدة ضمن المفاصل الرئيسية للغرب العالمي. وتفضل مجموعة “بريكس” العمل من خلال الإجماع، وهو ما له تأثيراته السلبية.
ويتابع المقال موضحاً: إن البعد العسكري لـ«مجموعة الـ11 » لا يزال في مرحلة جنينية، على أقل تقدير. لكن هذا لا أن يعني أن التنسيق المتزايد بين أعضائها لا يشكل تهديداً. وعلى ما يبدو فإنهم ملتزمون بالتخلي عن “الدولرة” وإطلاق نظام مالي خارج غرف المقاصة في نيويورك ولندن ووزارة الخزانة الأمريكية. وفي الوقت المناسب قد يؤدي هذا إلى إضعاف القوة العالمية الأمريكية، التي تضرب بجذورها على نطاق واسع عبر الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية.
ويضيف كاتب المقال: لقد خرجت روسيا بالفعل عن الدوائر المالية الغربية، وتبذل الصين قصارى جهدها لمتابعة ذلك. وربما من السابق لأوانه الحديث عن عملة “مجموعة الـ11″، لكن العملات الخمس التي استخدمها المؤسسون من الممكن أن تلعب دوراً متزايداً في التجارة الثنائية بين الأعضاء.
إذ تقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والصين بسحب استثماراتها بشكل متزايد من الديون الأمريكية عن طريق بيع سندات الخزانة الأمريكية. وقد بدأ بالفعل إحدى الركائز الأساسية لتجارة الطاقة العالمية والقوة المالية للولايات المتحدة، وهو البترودولار، بدأ بالانهيار. فروسيا تطلب ربط الروبل بالذهب مقابل الحصول على نفطها، في حين تسعى الصين إلى سداد ثمن إمداداتها من الطاقة من الخليج بالـ”رنمينبي”.
وفي حال استمرار التحول من البترودولار إلى العملات البديلة داخل “أوبك+”، حيث تحدد المملكة العربية السعودية وروسيا حصص إنتاج النفط العالمية وبالتالي سعره، فإن التداعيات على وضع الدولار قد تكون هائلة. وهناك خطر محتمل من تأثيرات “سلوك القطيع”. ويمكن أن يمتد هذا الاتجاه إلى الطاقة الخضراء، حيث إن المواد الخام وقدرات التصنيع ذات الصلة موجودة بشكل كبير بين أعضاء «مجموعة الـ11.»
ويشير المقال إلى أن “بريكس” وأعضاءها الجدد وصلوا إلى مفترق طرق دقيق فيما يتعلق بتجارة الطاقة وأنظمة الدفع، وهو ما قد يؤدي في الوقت المناسب إلى مؤتمر “بريتون وودز الثالث”، الذي يعيد تشكيل سياسات الطاقة والمالية العالمية. وسوف يتحد جميع الأعضاء الحاليين والمحتملين في المستقبل في كتلة بريكس ” مجموعة الـ11″ حول الهدف المشترك المتمثل في تعطيل هيمنة الدولار الأمريكي. وقد تكون العواقب ضخمة، خاصة إذا أدت الترتيبات المخصصة للتداول بالعملات المحلية إلى إنشاء تكتلات تجارية إقليمية محددة.
ومن المؤكد أن الدولار الأمريكي لن يفقد مكانته بين عشية وضحاها، لكن ينبغي على واشنطن أن تنتبه لهذه التطورات. ومن الآن وصاعداً ينبغي لها أن تكون أكثر حذراً بشأن استخدام عملتها كسلاح، كما فعلت على مدى عقود من الزمن.. لكون التجميد الأخير لاحتياطيات العملة الصعبة الروسية و(الفنزويلية) المحتفظ بها في البنوك الغربية قد يتبين قريباً أنه واحد من أكبر الأخطاء في القرن الحادي والعشرين. ومن وجهة نظر بقية العالم فإن الرسالة الواضحة المتمثلة في مثل هذه التحركات أشبه بالرسالة التي يتلقاها المواطن العادي الذي يذهب إلى فرع بنكه المحلي ليُرفض طلب سحب مدخراته.
ويختم المقال مؤكداً أن هناك عالماً جديداً يولد، النوتة الخضراء “الدولار” تفقد الكثير من جاذبيتها. وفي الوقت نفسه لم يعد سيدها يثير الخوف أو الاحترام.
عن موقع: إنفورميشن كليرينغ هاوس Information Clearing House