هل تساعد التشريعات الجديدة المؤسسات السجنية التونسية على وظائفها في الإصلاح؟

إعداد: نبيل العرفاوي |

كان يوما على غير العادة داخل اصلاحية مجاز الباب، ذلك اليوم من ايام رمضان شق النزلاء إفطارهم في حديقة الإصلاحية رفقة عائلاتهم بما جادت به القفاف من أكل اعد خصيصا لهذه المناسبة، في كل طاولة عائلة ومع كل عائلة سجين أو بالأحرى نزيل…لم تخل أجواء الإفطار من الموسيقى و الدردشات المتبادلة وأحيانا من المواعظ والدروس…وكانت المفاجأة في نهاية السهرة عندما قدم لنا النزلاء من الجانحين المحكومين عرضا مسرحيا متميزا كشف عن مواهب لم تعرفها الإذاعات و لا التلفزات و لا دور الشباب.

كدنا ننسى أو نسينا أننا داخل أسوار مؤسسة سجنية لم تكن أي تفاصيل من حولنا توحي بذلك، فحتى الناظر و مدير الإصلاحية و المنشطين كانوا يتجولون بأزياء مدنية مثلنا فلا تكاد تميزهم عن بقية العائلات الزائرة…أبدينا تعجبنا الى السيد الناظر هل جرت العادة على مثل هذا “الرفاه” في الإصلاحية؟ كيف؟ و منذ متى؟

لقد ذهب الناظر في إجابته إلى أبعد من ذلك، نزلاء الإصلاحية اليوم يتمتعون بالعروض الموسيقية و المسرحية و اللقاءات المفتوحة بعائلاتهم وبالأنشطة داخل النوادي كما يتمتعون بالرحلات الترفيهية التي تنظمها إدارة السجون و الإصلاح الى المحميات و الشواطئ و المناطق السياحية القريبة منهم.

أبعد من هذا يتذكر الناس تلك الصور التي نقلتها التلفزات منذ أشهر من حفل زواج انتظم بين أسوار أحد السجون التونسية  تتجه التشريعات إلى تطوير المنظومة السجنية من نظام عقابي جزائي إلى نظام إصلاحي.

لقد أعتمد النظام العقابي القديم أساسا على العقوبات البدنية كالقتل و الجلد و القطع، و كانت السجون مجرد أماكن يحجز فيها المتهم في انتظار تنفيذ العقوبة البدنية عليه.

و بتطور السياسة العقابية وقع التخلص من العقوبات البدنية و استبدالها بالعقوبة السالبة للحرية (عقوبة السجن)

في أيامنا هذه فإن جميع الأنظمة العقابية تخلصت من كل العقوبات البدنيةو لم تبقى إلا العقوبة بالقتل( الإعدام) تتراوح بين الإبقاء و الإلغاء – باستثناء بعض البلدان الإسلامية التي ما زالت تعتمد العقوبات البدنية تأثرا بالفقه الجنائي الإسلامي.

العقوبة السالبة للحرية أصبحت حاليا من بين أهم العقوبات الأصلية في التشريعات الجزائية.

و حسب الفصل 5 من المجلة الجزائية فإن العقوبات الأصلية هي:

1- الإعدام

2- السجن مدى الحياة

3- السجن فترة محددة

4- العمل لفائدة المصلحة العامة

5- الخطية

6-التعويض الجزائي

بعد حصول البلاد التونسية على الاستقلال صدر ت العديدمن الأوامر و القرارات المنظمة لإطار السجون وحقوق السجين كما صدر القانون عدد 52 لسنة 2001 وتتولى مؤسسة السجون والإصلاح بمقتضاه:

• تطبيق السياسة السجنية والإصلاحية.

• السهر على تنفيذ الأحكام القضائية السالبة للحرية والإجراءات والتدابير القضائية المقررة لفائدة الأطفال الجانحين.

• المحافظة على أمن السجون ومراكز إصلاح الأطفال الجانحين والمودعين بها.

• تنسيق التعاون مع مختلف الهياكل الوطنية في مجالات إصلاح وتأهيل وإدماج المساجين والأطفال الجانحين.

• مساعدة قضاة تنفيذ العقوبات في متابعة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية وعقوبة العمل

لفائدة المصلحة العامة.(بوابة السجون و الاصلاح).

جدلية العقاب و الإصلاح : كيف ترتب الأولويات؟

لقد تبنى المشرع التونسي مجمل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء و التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955 و قد أصبح لعقوبة السجن من منظور السياسة العقابية الحديثة وظيفة الإصلاح و التهذيب و إعداد السجين لكي يستعيد مكانته في المجتمع.

فالسجون” هي أماكن معدة لإيواء الأشخاص المودعين لديها من طرف السلط القضائية ذات النظر و ذلك بهدف اصلاحهم و تهذيبهم خاصة و تقويم سلوكهم و تأهيلهم للإندماج من جديد في الحياة العامة.

ويتمتع السجين على هذا الأساس بالرعاية الصحية و النفسية و بالتكوين و التعلم و الرعاية الإجتماعية مع العمل على الحفاظ على الروابط العائلية”.

و تنقسم السجون التونسية إلى ثلاثة أصناف:

– سجون الإيقاف و تأوي الأشخاص الموقوفين تحفظيا .

– سجون التنفيذ و تأوي الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية أو بعقوبة أشد.

– السجون شبه المفتوحة و تأوي الأشخاص المحكوم عليهم من أجل الجنح و المؤهلين في العمل الفلاحي.

و يتم اعتماد هذا التصنيف حسب الإمكانيات المتاحة على أنه يجب التفريق في كل الحالات داخل السجون بين الموقوفين تحفظيا و المحكوم عليهم.”

و مع ذلك فإن المؤسسات العقابية في البلدان العربية و بلدان العالم الثالث عموما مازالت تشكو العديد من النقائص حيث أن هذه المؤسسات غير مهيأة لإيواء جميع المساجين، ما يفسر ظاهرة اكتظاظ السجون.

إن ظاهرة اكتظاظ السجون تعتبر السبب الرئيسي للمشاكل التي يعانيها المساجين .

يقول الأستاذ خالد المؤدب في دراسة قانونية أعدها عن السجون التونسية: ” إنه في احصائيات وضعها ” المركز الدولي للدراسات السجنية ” التابع لجامعة كامبريدج البريطانية سنة 2002 نجد أن عدد المساجين في تونس لسنة 2002 هو 23165 سجين و قد أشارت هذه المنظمة التي تعنى بالسجون في العالم أنه في كل مائة ألف نسمة في تونس هناك 253 سجين بينما في المغرب نجد 191 سجين عن كل مائة الف نسمة و في الجزائر 111 سجين عن كل مائة ألف نسمة ” و يلاحظ الأستاذ خالد أنه

“في هذا السياق فأن سجن 9 أفريل الذي وقع انشاؤه سنة 1909 لا تتجاوز طاقة استيعابه 1500 سجين أصبح في سنواته الأخيرة يحوي ما لا يقل عن 6000 سجين و لهذا السبب وقع هدمه و بناء سجن جديد بالمرناقية” و يمكن بالتالي تمثل الحالة داخل هذا المرفق في علاقتها بالمعايير الدولية.

هل أن وظيفة الإصلاح مكفولة دائما داخل السجون؟

لعقوبة السجن آثار سلبية و مساوئ لا يمكن إنكارها خاصة إذا وقع تنفيذ العقوبة في سجون مغلقة تفتقد لبنية تحتية سليمة، وهو حال أغلب سجون البلدان العربية و العالم الثالث ما يمنع دائما وظيفة الإصلاح و إعادة الإدماج في الحياة العامة.

إن تعلم الإجرام هو أول ما يمكن أن يتأثر به النزلاء فالاختلاط بين المجرمين المبتدئين و المجرمين المحترفين يجعل الفريق الأول يتعلم من الفريق الثاني تقنيات جديدة في عالم الإجرام، فالسجن في هذه الحالة يصبح فضاء لتعليم الإجرام و التوغل في عالمه.كما يشعر العديد من المساجين بصدمة نفسية عند دخولهم لأول مرة للسجن و بسبب ضيق المكان و الاكتظاظ فإن ذلك من شأنه أن يسبب بعض العوارض كالقلق و الاكتئاب و الاضطرابات الهضمية و آلام الظهر و آلام الأسنان.

كما أن الاكتظاظ و الاحتقان و يولدان التوتر و يفرزان ما يعرف بظاهرة العنف المتبادل بين المساجين و كذلك العنف الموجه إلى الذات حيث يتعمد بعض المساجين إلى المس من سلامتهم البدنية و ذلك بإحداث جروح عميقة و تمزيق العروق باستعمال آلات حادة.

و يعمد بعض المساجين الذين يعانون من رفضهم لوضعيتهم داخل السجون إلى الإضراب عن الأكل كوسيلة للاحتجاج ولفت النظر لمطالبهم و الإضراب عن الأكل نوعان إضراب كلي و يعرف بالإضراب الوحشي و إضراب جزئي.

و قد يصل الأمر بالسجين إلى حد الفرار من السجن فالفرار من السجن يعد جريمة إذ ينص الفصل 147 م ج أنه” يزاد عام في مدة عقاب المحكوم عليه بالسجن لمدة معينة الذي فر أو حاول الفرار و تكون الزيادة بثلاثة أعوام إذا وقع عنف، أو كسر السجن، أو وفاق بين المساجين و تكون الزيادة خمسة أعوام في صورة وقع إرشاء أو محاولة ارشاء الحارس”

و يعاقب السجين إذا فر أو حاول الفرار إذا وقع نقله لمصلحة أو مستشفى إذا جاء بالفقرة الرابعة من الفصل 146 م ج ” يعاقب بالسجن مدة عام كل سجين وقع نقله لمصلحة أو مستشفى وفر بأي وسيلة كانت أو حاول الفرار من المكان الواقع نقله إليه”

لقد اهتم المختصون في سوسيولوجيا الحياة السجنية، بظاهرة الجنسية المثلية في الفضاء السجني حيث لا يخلو أي سجن من الملاوطين و الشواذ جنسيا،. و لتطويق هذه الظاهرة يقع في أغلب سجون العالم جمع الشواذ في غرفة واحدة.

و في هذا الإطار و للتخفيف على المساجين المتزوجين بمقتضى عقود زواج صحيحة سمحت بعض الأنظمة العقابية لهؤلاء بممارسته حقوقهم الزوجية في مواعيد دورية و أماكن مخصصه داخل المؤسسة السجنية و هو ما يعرف “بالخلوة الشرعية”

فقد نصت المادة 12 من لائحة تنظيم العمل بالسجون السودانية لسنت 1992 أنه ” يجوز السماح لزوج النزيل أو النزيلة بعد التثبت الشرعي لقيام الزوجية بزيارة زوجية و تحدد اللوائح كيفية ذلك”

و نصت المادة 20 من قانون مراكز الإصلاح و التأهيل الأردني على أنه ” لكل محكوم عليه لمدة سنة أو أكثر الإختلاء بزوجه الشرعي في مكان من المراكز يخصص لهذه الغاية تتوفر فيه شروط الخلوة الشرعية وفق تعليمات يصدرها مدير الأمن العام”

كما أشار قانون السجون السعودي لحق السجين في الإختلاء الشرعي بزوجته مرة كل أسبوع لمدة ثلاث ساعات و بما لا يقل من مرتين شهريا.

كما أن كثرة المؤسسات العقابية و كثرة المساجين يتطلب من الدولة أعباء مالية ترهق ميزانيتها حيث أن الدولة مسؤولة على بناء السجون و السهر على صيانتها و توفير الطعام و العلاج للمساجين و خلاص أجور موظفي و أعوان السجون.

كيف يمكن بالتالي الحد من مساوئ العقوبات السالبة للحرية؟

إن السياسة الجنائية الحديثة تدعو إلى وضع حلول مناسبة للحد من مساوئ عقوبة السجن و يمكن حصر هذه الحلول في الحد من التجريم و الحد من العقاب و إيجاد وسائل و بدائل للتخفيف من وطأة السجن.

و يمكن تعريف الحد من التجريم بأنه ” عدم الإفراط في التجريم سواء بعدم التدخل لتجريم أنماط من السلوك أو إلغاء تجريم معين أي أنه الاعتراف بمشروعية سلوك في الحياة و اعتباره أمرا مباحا و لا عقاب عليه، فهو لايشكل جريمة جنائية و لا ترتبط مخالفته بأي جزاء جنائي” كما حصل مع فعل استهلاك مادة الزطلة لأول مرة .

وبالتالي فإن نظام الحد من العقاب المقصود به التخلي عن تسليط عقوبات سالبة للحرية (عقوبة السجن) لصالح بدائل و وسائل أخرى .

و من أهم مظاهر الحد من العقاب يمكن ذكر تعليق العقوبة و العقوبات البديلة .

• تعليق العقوبة :

يتم تعليق العقوبة من خلال تأجيل تنفيذ العقوبة و ذلك بعد صدور حكم بات أو من خلال السراح الشرطي و الذي يحدث بعد بداية تنفيذ عقوبة السجن.

– تأجيل تنفيذ العقوبة:

و تقوم المحكمة عند القضاء بتأجيل التنفيذ بإنذار المحكوم عليه بأنه لو رجع إلى الجريمة ثانية ينفذ عليه العقاب المؤجل كما يعاقب من أجل الجريمة المرتكبة بوصفه عائدا (الفقرة 18 من الفصل 53 م ج)

و يبقى الجاني مهددا بالعقاب خلال مدة محددة

و بموجب السراح الشرطي يقع الإفراج عن المحكوم عليه من السجن قبل انتهاء مدة عقوبته.

جاء بالفصل 353 م اج أنه ” يمكن أن يتمتع بالسراح الشرطي كل سجين محكوم عليه بعقوبة واحدة أو عدة عقوبات سالبة للحرية إذا برهن بسيرته داخل السجن عن ارتداعه أو إذا ما ظهر سراحه مفيدا لصالح المجتمع”

و تتمثل العقوبات البديلة في التشريع التونسي في العمل لفائدة المصلحة العامة و التعويض الجزائي . و رغم أن هاتين العقوبتين وقع ذكرهما ضمن العقوبات الأصلية بالفصل 5 م ج إلا أنهما يعتبران عقوبات بديلة.

– العمل لفائدة المصلحة العامة:

حسب الفصل 15 مكرر من المجلة الجزائية ، للمحكمة إذا قضت بالسجن النافذ لمدة أقصاها عام واحد أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة و ذلك دون أجر و لمدة لا تتجاوز ستمائة ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن.

كما جاء بالفصل 15 رابعا من المجلة الجزائية ما يلي:” تهدف عقوبة التعويض الجزائي إلى إستبدال عقوبة السجن المحكوم بها بتعويض مالي يلزم المحكوم عليه بأدائه لمن ترتب له ضرر شخصي و مباشر من الجريمة.

و لا يمكن أن يقل مبلغ التعويض عن عشرين دينارا (20 د) و لا أن يتجاوز خمسة آلاف دينار (5000د) و أن تعدد المتضررون.

في التشريع الفرنسي يجوز للقاضي في مواد الجنح أن يقرر تنفيذ حبس المحكوم عليه إذا كانت مدته لا تجاوز سنة على فترات متقطعة لا تقل كل منها عن يومين و ذلك خلال مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، إذا دعت لذلك اعتبارات جدية ذات طابع طبي أو عائلي أو مهني أو إجتماعي.

• كل الأسماء المذكورة الخاصة بالنزلاء بالإصلاحية مستعارة.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023