لا يمكن فصل الحركات الإسلاموية المتطرفة بعضها، دون الالتفات الى دوافع تأسيسها ومن يقف وراءها، ومن قصر النظر اعتبارها حركات ذات مشروع إسلامي، منسجم مع الأحكام والآداب والقيم الإسلامية العامة، فما لاحظناه من خلال سلوكياتها التي ظهرت بها، انحرافا كبيرا وخطيرا عن تلك القيم السّامية، عرّى عنها خفايا حقيقة لم تكن لتظهر، لو لم تتهافت تلك الحركات على بهدف غصب السلطات، وإرغام الناس على الخضوع لها بالإرهاب، ويتطابق فهم الخوارج القدامى وتعاطيهم مع الإسلام، مع فهم خوارج العصر من الوهابية وما تناسل منها من جماعات ارهابية كتنظيم القاعدة وطالبان، تطابقا أصبح الدين في تصوراتهم مجرد عنوان دخلوا تحته، وأمضوا فيه منطقهم المنحرف.
سقوط تنظيم القاعدة، لم ينهي الجهود التكفيرية المبذولة، من أجل زرع الفتنة الطائفية في الأمة الإسلامية، وفي اعتقادي أن تلك المشاريع الفتنوية ناشئة من طرف أعداء المشروع الإسلامي المحمدي الأصيل، والغاية من وراء ذلك تشويهه وتنفير الناس منه، وخلق أعداء له من داخل منظومته، من أجل زيادة عرقلته، وتصويره دينا متخلّفا غير جدير بقيادة أهله، فضلا عن البشرية قاطبة، فأحكام القصاص التي فرضها الله تعالى، لم تكن في انفاذها الحقيقي، سوى حياة للمجتمع الإسلامي، كما قال جل شانه ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب)(1) غير أنّ تلك الأحكام حُرّفت من أجل الإساءة فقط، ويشاطرني الرأي من تعرّف عن كثب على ثقافة وفكر قادة تلك الحركات إن صحّت تسمية أقوالهم بالفكر والثقافة.
ممارسات بحجم الجرائم الفظيعة حصلت أينما وجد من يحمل عقلية التطرّف، وهي عقلية قديمة قدم ظهور المتطرفين في عالمنا الإسلامي، منفرة للأنفس ومشوّهة لمقاصد شريعتنا السّمحة، فما حصل من تجاوزات خطيرة قديما، وعلى مر الأزمنة، وخصوصا زماننا هذا، فاقت حد التصور في وحشيتها، استهدفت أناسا عزّلا اعتُدِيَ عليهم بغلظة، فعوملوا معاملة غير إنسانية، وقُتل منهم من قُتِل ببشاعة، على خلفية معتقداتهم المخالفة لتلك الحركات المتطرّفة.
نتذكر جيدا في عصرنا ما ارتكبه تنظيم القاعدة الإرهابي من جرائم إبادة، انتقاما من قبائل الهزارة الشيعية بشمال أفغانستان عندما سيطروا على مناطقهم، وما نسجت على منواله حركة طالبان بعد ذلك، وما كان الشعب الأفغاني ليخلص من تلك الجماعات، حتى عادت طالبان من جديد، بعدما ضخّت في عناصرها أمريكا الاعتدة والأموال، لتكتسح بسرعة عجيبة كامل الأراضي الأفغانية، وتسيطر على الحكم هناك، ولم يكن ذلك الا بتدبير وتخطيط محكمين، نجحت فيه المخابرات الأمريكية والبريطانية أيّما نجاح، في إعادة هذه الحركة الإرهابية إلى الواجهة في أفغانستان، وفي رسالة طمأنة للعالم، قال قادتها بأنّ حركتهم غيّرت من سلوكها العدواني، ولسان حالهم يقول خلاف ذلك وما بالطّبع لا يتطبّع، ومن قامت ممارساته على العصبية أولا والفكر الوهابي المتطرف ثانيا فلن يُنتِج غير الإرهاب وسفك الدّماء واستحلال الأعراض والأموال.
السؤال المطروح في هذا المقال – بعد تأسيس هذه الحركات، الذي جاء بعد انتصار الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني في إيران – : لماذا هذا التأسيس الإرهابي؟ لقد شكّل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية نكسة وهزيمة كبرى للسياسة الأمريكية البريطانية في إيران والمنطقة، وتجلّى ذلك بوضوح بعد إعلان مشروع الامام الخميني في مقاومة الاستكبار العالمي الذي تتزعمها الدولتان الغربيتان، والعمل على إنهاء الوجود الصهيوني في فلسطين، بالمساعدة على تأسيس حركات مقاومة إسلامية لوجوده في الأراضي الفلسطينية، وقد أسفرت جهود النظام الإسلامي، على نجاح كبير في التأسيس والتعاطي إيجابا مع القضية الفلسطينية، والساحة الفلسطينية اليوم تشهد تغيّرات هامّة في صالح هذا المشروع المبارك، سوف تزداد تميّزا ووثوقا بقدرة أصحابها على قلب موازين القوى لصالحهم.
لذلك لم تُسْقِط أمريكا من أولوياتها، محاربة النظام الإسلامي في ايران، فخططت لإنهاكه اقتصاديا، بعد فشلها عسكريا في حرب الثماني سنوات ( 1980/1988)، وهي لا تزال ممسكة بدابة الإرهاب ممثلا في طالبان، بعد القضاء على مشروعها داعش في العراق وسوريا، وهي بطرق مختلفة، تعمل على تغذية نزاعات وهمية، من أجل شن حرب جديدة ضدّ إيران، تكون طالبان طرفا ظاهرا فيها، تتصرّف فيه أمريكا كيفما تريد، وقد ظهرت بوادر هذا النزاع المُخْتّلق، عندما هاجم عناصر من طالبان حرس الحدود الإيراني في نقطة (ساسولي) في منطقة (فوج زابول) الحدودية (2).
إن أمريكا بسياساتها العدوانية تجاه إيران بإمكانها عبر حكومة طالبان أن تستغل أيّ خلاف قد يقوم سواء أكان على تقاسم مياه نهر هلمند، أم اشتباها لما قيل أنّه حصل، عندما فتح مهربو المخدرات الأفغان النار على مركز حدودي إيراني، فظن حرس الحدود الأفغان أن ذلك الإطلاق يستهدفهم، فردّوا على النقطة الإيرانية، دون تثبّت في الأمر(3)، وعلى أيّة حال، فإنّ تنظيما كطالبان من السّهل أن يقع استدراجه إلى حرب، خصوصا وعناصره تحمل فكرا معاديا للمسلمين الشيعة، وصل حدّ تكفيرهم والاستهانة بأرواحهم، هناك نقاط رخوة على الحدود الإيرانية يجب التنبّه لها، واعطائها أولوية المعالجة الكاملة، وهي ثلاثة الحدود مع طالبان أوّلا، والحدود مع باكستان ثانيا، والحدود مع أذربيجان ثالثا، والحدود مع كردستان العراق رابعا، وأعتقد أن أعداء إيران قد وضعوها في حساباتهم، وقد أجابت عليها إيران بكل قوّة خصوصا في كردستان العراق بقصف مواقع ومراكز معادية هناك بالصواريخ، وقد أصابت أهدافها بدقة، ولقّنت أعدائها درسا قاسيا.
ويبدو أن قيام حرب من جهة الحدود الأفغانية أصبح محتملا، بحكم الطبيعة التكفيرية، والعقلية القبلية البشتونية للنظام الحاكم في العاصمة الأفغانية (كابل)، في غياب التعقّل من الجانب الافغاني، والتحريض والإستدراج الأمريكي المتكرّر لقادة طالبان، أما في بقية المناطق الحدودية المذكورة، فتبقى مجرّد معابر يمكن استخدامها لإنفاذ الإرهاب عبرها، وتسريب العملاء والجواسيس منها إلى الدّاخل الإيراني، لذلك يجب على أجهزة النظام الإسلامي في إيران أن لا تأخذ بعين الاعتبار إلى مدى ما تتضمّنه تلك المناطق الحدودية من خطورة، وقد سمعنا بأن الموساد الصهيوني والمخابرات المتعاونة معه، أصبحت لهم مراكز تجسس وتدريب واستقطاب قريبة من الحدود الإيرانية، ثقتنا في حسن تعامل حراس النظام الإسلامي الفتي، والمستهدف من طرف أعدائه كبيرة، ومع[MF1] ذلك يستمرّ هذا النظام في بناء موقعه الرّيادي في العالم، رغم أنوف أعدائه.
المراجع
1 – سورة البقرة الآية 179
2 – 3 – وزير داخلية ايران: الاشتباك على الحدود مع أفغانستان كان محدودا.. وتفاوضنا مع طالبان https://www.iranintl.com/ar/202305297843