عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى العاصمة بيروت فرض على اللبنانيين عندها وتحت الحراب الإسرائيلية “انتخاب” الرئيس بشير جميل الذي وصل الى قبة مجلس النواب اللبناني تحت حماية الجيش الإسرائيلي لضمان وصوله وسلامته. كما أجبر العديد من النواب للوصول الى مجلس النواب لضمان النصاب القانوني. وكان الهدف آنذاك ضمان مجيء رئيس يرعى المصالح الإسرائيلية والأمريكية في لبنان وجر لبنان الى التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد أن أخلت المقاومة الفلسطينية معظم كوادرها من المخيمات الفلسطينية وتركت لبنان وانتقلت قيادتها الرسمية الى تونس. ولكن هذه الفرحة لم تدم في النهاية فقد تم اغتيال بشير جميل وأجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب الى الجنوب تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية وكذلك جنين المقاومة الإسلامية التي قام أحد أفرادها بتفجير السفارة الامريكية حيث تم قتل ما يقرب من 200 عنصر من المارينز الأمريكيين.
واليوم تريد أمريكا والكيان الصهيوني والدول الغربية بالتعاون مع الأدوات في المنطقة والتيارات اللبنانية التي تعاونت مع شارون آنذاك “لترتيب الأوضاع الداخلية” ظنا منها أن الظروف مواتية لذلك وخاصة بعد عمليات الاغتيالات التي قام بها الكيان الصهيوني والتي أدت الى استشهاد الصف الأول ومعظم الصف الثاني من القيادات في المقاومة اللبنانية وعلى ان ذلك قد أدى الى خلل في الهرم القيادي انعكس على أداء المقاومين في الجنوب وعلى ان الجيش الإسرائيلي أصبح قادرا على اجتياح الجنوب والقضاء على البنية التحتية الاستراتيجية للمقاومة الذي يمكن استثماره سياسيا. وهذا التفكير انعكس على السلوك الأمريكي تجاه لبنان الذي وقبل عملية الاغتيالات كان “يدعو ويعمل” على وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية وبعد عملية الاغتيالات لم يعد يدعو الى وقف إطلاق النار، بل أعطى الأولوية الان الى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ومن ثم تطبيق 1701 القرار الاممي بالمفهوم الإسرائيلي. وهذا يعيدنا الى سيناريو 1982 عندما “انتخب” الرئيس تحت الحراب الإسرائيلية والتهديدات الامريكية.
هذه هي الاماني، ولكن كما يقول المثل العامي “تجري المياه بما لا تشتهي السفن”. هؤلاء الاوغاد مجتمعين لم يدخل في حساباتهم ان المقاومة استردت عافيتها كما بدأ العديد يشهد بذلك بعد الأداء المميز للمقاومة في جنوب لبنان وأنها ما زالت قادرة على إدارة الميدان والتصدي لكل محاولات جيش العدو الى اجتياح الحدود وتكبده الخسائر في صفوف جنوده وآلياته وما زال مقاتليها يقاتلون من مسافة صفر. ليس هذا وفقط بل وصلت صواريخها الى حيفا وتل أبيب الى جانب العدد الكبير من مستوطناته التي أجبر سكانها على الاخلاء لينضموا الى من أخلو منازلهم من قبل. ما نجح فيه العدو للان هو قتل المدنيين وتدمير المناطق السكنية بشكل همجي ووحشي آملا منه أن بفك هذه الصلة واللحمة بين المقاومة وبيئتها العقائدية وكذلك إثارة النعرات الطائفية والمذهبية الذي لن ينجح بها لان كل لبناني أصبح يشعر ويلمس يوميا انه مستهدف وهو ما نستنتجه من هذه اللحمة بين المواطنين بعض النظر عن مذهبهم او طائفتهم الا في حالة العملاء والأدوات.
ترتيب الأوضاع الداخلية بما يلائم المخططات الصهيو-أمريكية في لبنان او في المنطقة لن ينجح أسقط عام 1982 وكذلك 2006 وسيسقط الان بوحدة ساحات المعركة. ارادوها وجودية فليكن والأمور بخواتيمها على الأرض وليس بالأمنيات.
كاتب وأكاديمي فلسطيني