الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

هل سينجح قيس سعيد في تقزيم الفساد في تونس؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد أصبح مصمما على استكمال مشروعه الإصلاحي، بكل قوة وعزم فيما يبدو، بعدما صمّ آذنيه على أصوات دولية وحلّية، معبّرة من جهات متعددة، عن تنديدها واستنكارها من الإجراءات التي اتخذها، في إطار ملاحقته للفاسدين، والذي رأوا فيه مجالا مفتوحا مؤدّيا إلى حكم الفرد، فتعالت أصواتهم من الداخل، منادية بضرورة المشاركة في الحكم وإدارة البلاد، على أساس المسار الديمقراطي الذي بدأته البلاد في 14/1/2011، والذي ينص على مشاركة ثلاثة أطراف فيه وهي: رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب.

موقف قيس سعيد من الأصوات الخارجية التي تعالت معبّرة عن قلقها، وهي ناطقة باسم حكوماتها الغربية كأمريكا وفرنسا، لم تجد عنده غير التجاهل ورفض التعبير بالرّدّ عليه أنه شأن داخلي يخص تونس ولا يحق لغيرها حشر أنفها فيه، وهذا بحدّ ذاته تحوّل مهمّ في السياسة الخارجية التونسية، يجعلنا نتفاءل بقرب انعتاقنا من تبعيّة مقيتة لتلك الدّول الإستكبارية، التي ترى لها الحق بالتدخّل في شؤون الغير.

نمط الحكم الذي وقع الإختيار عليه من طرف المجلس التأسيسي، الذي قام اعضاءه المنتخبون من طرف الشعب بصياغة الدستور الجديد، هو نظام جمهوري تتقاسم فيه السلط بين رئاسة البلاد ورئاسة الحكومة ودور البرلمان في صياغة القوانين من جهة، وتزكية تركيبة الحكومة أو إسقاطها من جهة ثانية، وامتدّت هذه الصلاحيات إلى مجالات أخرى غير سياسية، كالاقتصاد وتعاملاته الداخلية والخارجية، والعلاقات العامة في تداخل غير قانوني، لجأ إليه عدد من نوّاب البرلمان، هذا فضلا عن جلسات كانت محلّ استياء من عامة الشعب، بما ظهر فيها من استهتار وتعطيل مقصود لسير عمل المجلس، وهو ما أثر سلبا على الحياة السياسية في البلاد.

إزاء تلك الوضاع المزرية، كان على شخص وطني، أن يستعمل نفوذه، من أجل إيقاف أعمال العبث بمصالح البلاد، ويبدو أنّ فكرة الرئيس قيس سعيد كانت تهدف إلى ذلك، خصوصا وهو رجل قانون، شهد كمواطن نماذج من تلك التجاوزات، فعزم على معالجتها، وكان له ذلك بعد انتخابه رئيسا لتونس، ولم يتمكن من التحرك في بداية فترته بسبب جائحة كورونا، زيادة على خيانة عدد ممن وضع فيهم ثقته، واستطاع أخيرا أن يبدأ مرحلة تبدو مهمّة في الحياة السياسية بتونس، وهي التوجّه الجاد نحو محاربة الفساد ومحاسبة أصحاب شبهاته.

لم يمرّ يوم دون أن تأتي الأخبار، بفتح ملفات شبهات فساد، في مختلف القطاعات المالية والإدارية، ويأتي ملف الإرهاب ومتعلقاته في سلم أولوية قلم التحقيق، الذي وجّه استدعاءات لمن ورد ذكر أسمائهم، في عمليات استنطاق سابقة، وصدرت بطاقات جلب بحق من كانوا خارج البلاد، أو إيداع بالسجن في صورة وجودهم في الداخل، وقد كشفت الأبحاث عن خروقات، وتجاوزات خطيرة بحق أمن الوطن، والعبث بميزانيته المرصودة للتنمية، وضياع الهبات الممنوحة من الدول الشقيقة، وتلاشي تبرعات المواطنين زمن كورونا.

الفساد في تونس مرتبط ببداية استقلال البلاد، وقد بدأت علاماته في عهد بورقيبة، وازدادت سوء وتعقيدا في عهد بن علي، واستمرّ خلال العشرية الفارطة من الحكم التوافقي، الذي كان لحركة النهضة دور محوري فيه، وسبب اختلالا في سير دواليب الدولة، وتعطيلا لتحرّرها من قبضة لوبيات الفساد، وما عُرِفَ بنفوذ الدولة العميقة، وتأثيرها الكبير في عرقلة العمل الطبيعي للحكومة وإفشال إي مسعى إصلاحي، من شأنه أن يجتثّ عروق الفساد، الممتدة إلى كل مفاصل الدولة.

(عندما نبحث جيداً في موضوع الفساد من جميع جوانبه، نجد أن إقرار علاقة الديمقراطية بالفساد مبني على تفاؤل مفرط من النخب الفكرية، والسياسية لأن الديمقراطية يمكن أن تكون حاضنةً للفساد وغطاءً له، ومرضاً من أمراضها. كما يمكن أن تكون الديمقراطية إطاراً عاماً لانتعاشه ونموه خاصة في الدول الموصوفة بالنامية ومنها الدولة التونسية التي شرعت في تكريس مبادئ ديمقراطية حديثة في مرحلة انتقالها من نظام تسلطي دام خمسين سنة، إلى نظام جمهوري يكرس مدنية الدولة. الفساد ملازم للديمقراطية فلا ينفصل عنها بل ينتعش في ظلها ويحتمي بها ويصرف النظر على وجوده، وذلك ما وجب أن ننتبه له، فلا نسلم بقرينة وجود الديمقراطية على أنها كافية وحدها لمنع الفساد، وكافية لتجفيف منابعه، واقتلاع جذوره1)(.)

قرارات الرئيس قيس سعيد لم تعجب من كانوا ماسكين بالسلطة والبرلمانيين المنتفعين بموقعهم والحالمين بمركز ونفوذ أكبر، يستجيب لطموحاتهم، ولهؤلاء أنصارهم من داخل الشعب، بل إنّهم عملوا ما في وسعهم لضرب مصداقيته، وتشويه حسن نواياه وجدّيّته في مشروعه الذي إن نجح فيه، فإنّ تونس سوف تتخلص من نسبة كبيرة من الفاسدين، وفسادهم الذي أضرّ باقتصاد البلاد.

ارتهان نجاح الرئيس قيس سعيد مرتبط أساسا بحاضنته الشعبية، التي يجب أن تكبر وتتفاعل مع قراراته، لما لها من تأثر على المشهد العام للبلاد، فكلّ نجاح يتحقّق في هذا المجال، سيزيد من شعبية الرئيس ومساندته بقوة، في حربه التي أعلنها على الفساد والفاسدين.

وطبيعي أن تتحرك جبهة الفساد باتجاه إرهاب كل من يمتلك دلائل تُثبت تورط عناصرها، فقد أُعلِن عن عمليات انتقامية وتهديدات تعرض لها المُبَلّغون عن عناصرها، وقد تحقيق كشف (العربي الجديد) كيف تعرّض المبلّغون عن الفساد في تونس إلى اعتداءات متنوعة، ومحاولات قتل، رغم أن بعضهم يحظى بقرارات حماية من هيئة المكافحة الوطنية، لكن إغلاقها في أغسطس الماضي، بقرار رئاسي فاقم معاناتهم.)(2) ويبدو أن قرار الرئيس اغلاق مقرّ الهيئة نابع عن قناعة بدورها السلبي في هذا المجال، ولولا ذلك لما كان هناك دافع للقيام بذلك.

يعلم الكثيرون من أنصار الرئيس قيس سعيد صعوبة مشروعه، وهو ما يتطلب مهم دعما متواصلا، لأنّه في صورة فشله لا قدّر الله، فإن الفساد سيزداد تأثيره السلبي على كامل مرافق البلاد، عرقلة لنموّها ومفاقمة لمشاكلها، ودور الشعب هنا مفصليّ في هذه المواجهة المفتوحة، من شأنه أن يرفد الرئيس ويزيد من حظوظ نجاح مشروعه الإصلاحي، فهل سينجح قيس سعيد في تقزيم الفساد في بلاده؟

المراجع

1 – كيف حول الفساد تونس إلى دولة فاشلة؟ مفاهيم ومعطيات(2من2)

https://arabi21.com/story/1424853/

2 – الفساد في تونس تدابير الرئيس تفاقم التنكيل بالمبلغين

https://www.alaraby.co.uk/investigations/

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024