انتهت حفلة التطبيع الخليجي الاسرائيلي التي استضافها ترمب في بيته رشوة لحملته الانتخابيه والتي لم استطع مشاهدتها لما تحمله من بشاعه حيث رايتها في مخيلتي صوره لرقصة شيطان فوق رفات النظام الرسمي العربي ومع انه في ظاهره تطبيع مع دولتين فقط من دول الخليج الا ان خروج هاتين الدولتين عن الصف العربي ياتي مقدمة لتطبيع عربي اوسع مع دولة الاحتلال ، وبالتالي فهو بداية لنهاية والى غير رجعه للالتزام الاخلاقي العربي الرسمي بقضية الشعب الفلسطيني التي كانت تشكل بؤره الجذب لكل حكام العرب الذين لم يكن يجمعهم غير فلسطين كونها كانت وما زالت بوصلة وجدان كل الشعوب العربيه بمن فيهم شعبي الامارات والبحرين الشقيقين الذين وللاسف سيكونان من اوائل ضحايا اي حرب قادمه في المنطقه بسبب زج حكامهم بهم حتى يكونوا في الخطوط الاماميه في هذه الحرب التي ربما تفتعلها اسرائيل حماية لامنها، ادراكا منا بان اي اتفاق سلام تصيغه اسرائيل مع اي دوله عربيه سيكون سلام مقابل امن اسرائيل كونها كيان مغتصب للارض العربيه.
ما سبق هو مقدمه على امل ان تؤسس لمراجعه موضوعيه لحساباتنا كفلسطينيين متظللين بما بقي من جدران المعبد العربي خصوصا واننا كنا وسنبقى ام الولد ونحن يوسف الصديق الذي وبالرغم من كل الالم الذي انزله به اخوانه الا انه توجه الى احدهم وهو يودعه قائلا لاتخبر ابي بما فعلوه بي اخوتي حتى لا يغضب عليهم ويخسرهم فالاب ما زال بحاجه لهم بعد ان قرر الله ان يبعد يوسف عن ابيه وهو الاقرب له من كل اخوانه من اجل مهمه اخرى . ما ذكره الله لنا في كتابه العزيز من قصص لا اعتقد انها كانت لمجرد التسليه وانما لما فيها من عبر ودروس الاخذ بها نجاة والقفز عنها قد يودي الى التهلكه خصوصا وان معظم القصص تكررت في الاديان السماويه جميعها للمتعظين فقط من اتباع هذه الديانات.
الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينيه ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني لم ياتي من فراغ او هبه من احد بل انتزعته المنظمه انتزاعا بعد ان تمكنت المنظمة من اثبات وحُسن قدرتها على الولايه لشعبها الفلسطيني وربما ساهم الانتصار في معركة الكرامه التي مرغت بها قوات الثوره الفلسطينيه أنف موشي ديان في التراب بعد الغرور الذي اصابه بسبب انتصاره في حرب 67 ما جعله يعتقد واهما بان الثوره الفلسطينيه في يده كالبيضه ممكن ان يكسرها في اي وقت وهو ما تراجع عنه بعد هزيمته مقرا بان الحمار فقط هو من لا يتراجع .
انتصار الكرامة في سنة 68 اعاد الكرامه للعرب وعزز من قوة منظمة التحرير ولا محاله ساهم كثيرا في التاسيس للاعتراف العربي والدولي بالمنظمه ما مكنها من التربع على قمة الهرم السياسي العربي واملاء شروطها.
طبعا الخوض في التسلسل الزمني للوصول الى قمة الوهج الذي حققته المنظمه على الصعيدين العربي والدولي ثم التوقف ثم الانحسار بحاجه الى تأريخ وتدوين وتوثيق قد لا يكون هذا المقال مجاله ولكن استعادة ذلك المجد ما زال ممكنا لان الشعب الفلسطيني الذي صنع الانتصارات ما زال واقفا بشموخ وصامدا على ارضه بالرغم من كل طعنات ذوي القربى.
ما جرى في الخامس عشر من هذا الشهر لم يكن وليد اللحظه ولا صنيعة بضع سنوات بدليل ما قاله الشاعر المرحوم الجواهري بفطنته في سنة 1929 : “سيُلحقون فلسطينا باندلس ويعطفون عليها البيت والحرما …ويسلبونك بغداد وجلقة(دمشق) ويتركونك لا لحما ولا عظما”.
عندما جاءت الجيوش العربيه في سنة 1948 اعتقدنا انها جاءت للدفاع عن عروبة كل فلسطين من نهرها لى بحرها الا ان ما حصل انها جاءت لحماية قيام الكيان الصهيوني ليس فقط على حدود التقسيم على نصف فلسطين وانما على ثلاثة ارباعها. وهنا لا بد من ان نستثني وننحني اجلالا لكل من سال دمه على ارض فلسطين ومن استشهد من الشرفاء من الجنود والضباط العرب الذين ضحو باغلى ما يملكون ظنا منهم انهم ضحوا من اجل فلسطين دون علما منهم بانهم ضحوا من اجل حماية عروش زعمائهم الوظيفيه لان من خلق تلك العروش هو الذي خلق الكيان الصهيوني .
الحكام في حينه خانوا فلسطين حفاظا على عروشهم الوظيفيه وهاهم الاحفاد يكملون مسيرة الخيانه لنفس الاسباب ولنفس الغايات وبتضليل كامل لشعوبهم كون الشعوب محصنه اصلا ضد الخيانه حيث لا يوجد شعب خائن وهذا يذكرنا بما قاله الزعيم العربي الجزائري الراحل هواري بومدين بخصوص خيانة الحكام ان “من خانك مره سيخونك مائة مره.” وفي نفس السياق نذكر بمذكره بعث بها الشهيد الفلسطيني البطل عبد القادر الحسيني الى امين عام جامعة الدول العربيه وكان ذلك في السادس من ابريل سنة 48 يقول فيها ” اني احملكم المسؤوليه بعد ان تركتم جنودي في اوج انتصاراتهم بدون عون او سلاح” في اليوم التالي استشهد الحسيني وبعدها بيومين وقعت مذبحة دير ياسين.
التطبيع الخليجي الاسرائيلي وما رافقه من صمت “القبول” الرسمي العربي هو خروج سافر على المبادره العربيه، ما يجعلنا نضع علامات استفهام كبيره حول جدواها بمعنى انها تاتي وكانها تكرارا كربونيا لمبادرة الاجداد من الحكام العرب حيال ثورة ال 36 حيث كانت مبادره لانهاء الثوره الفلسطينيه في حينه وبطلب من السيد البريطاني من اجل تسهيل اقامة الكيان الصهيوني تماما كما المبادره المذكوره التي اعتمدها حكام العرب في بيروت ونقضوها في واشنطن ما يؤكد انها اعتُمِدت من اجل مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل وذلك خدمة لحماية مصالح نفس هذا الكيان وما محاولات استخدام قضية الشعب الفلسطيني ورقة توت لحكام الدولتين المطبعتين لتبرير فعلتهما النكراء الا دليل على ذلك.
ختاما وعلى امل ان نتمكن من اصلاح ما افسده هذا الظرف وقبل ان نلعنه الف مره لا بد وان ان نقر بداية باننا وبصفتنا ام الولد ساهمنا في صناعة هذا الظرف الذي هو الاسوأ في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ساهمنا بسبب الانقسام الذي شرع باب البيت الفلسطيني لكل من هب ودب وساهمنا بسبب اننا وقعنا في فخ خيانة الذكاء عندما قبلنا بالتفاوض مع الذئب ونحن لا نملك لا عصا ولا سكين ننهر بها هذا الذئب ان هو حاول ان يلتهمنا ونحن نجالسه على مائدة التفاوض وفي ذلك اضعف الايمان وساهمنا وساهمنا ولكن وللتخيف من جلد الذات اقول ان كل ذلك ربما هو تدبير من الله اراد ان يكشف به خيانة حكام العرب لشعوبهم قبل ضياع البيت والحرم وكشفهم لنا كفلسطيننين بعد ان تعمدنا غض الطرف عن خياناتهم طيلة السنين السابقة وذلك قبل ان تلحق فلسطين لا قدر الله بالاندلس كما يقول الجواهري.