سجل للولايات المتحدة الأميركية تفوّقها في اتباع سياسة التجويع عبر اعتمادها على مبدأ الحصار الاقتصادي وصولاً إلى ضغط الشعوب وإثارتها ضدّ حكامها وأنظمتها، وليس من مثال أدلّ على تلك السياسة أفضل من انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1989، في المقابل يجدون تلك الدول الرأسمالية تنعم بالرخاء والإزدهار، وهذا ما كانت عليه لبّ السياسة الأميركية، فمن جهة اتبعت مبدأ مارشال وهو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن جهة الضغط على الدول الاشتراكية في ما بعد والتي اختارت القطب الاشتراكي عبر تطبيقها لسياسة الإحتواء وتقديم الدعم المالي والاقتصادي لكلّ من يخرج عن هذا الركب..
الإحتواء استراتيجية سياسية لبسط النفوذ
عُرف الإحتواء كاستراتيجية سياسية لإحكام السيطرة وبسط النفوذ على أيّ منطقة من العالم وهي سياسة أميركيّة إزاء الاتّحاد السوفياتيّ، واقترحها رئيس قسم التخطيط السياسيّ في وزارة الخارجيّة الأميركيّة جورج كينان، 1947، كتطوير لاستراتيجية «فرّق تسد» التي اتبعتها المملكة البريطانية لبسط نفوذها في العالم، وترتكز إلى فكرة ضرب حصار طويل الأمد، وسياسة حازمة لترويض الاتّحاد السوفياتيّ، و»احتواء سياسته التوسعيّة» – بحسب تعبير كينان – انطلاقاً من فرضيّة ديمومة عداء القيادة السوفياتيّة نحو الغرب، وتوخّياً لفرض الهيمنة الأميركيّة على دول العالم غير الشيوعي، بعد أن توّلت الولايات المتّحدة قيادة المعسكر الغربي، في أثناء الحرب العالميّة الثانية، كما استهدفت هذه السياسة تحقيق المصالح الأميركيّة والغربيّة بالوسائل السلميّة المدعومة بالتهديد العسكريّ المبطّن، بعد أن تعبت شعوب العالم من الحرب، وبعد أن برهن الاتّحاد السوفياتيّ على قدراته العسكريّة الكبيرة في أثناء الحرب العالميّة.
الاحتواء المركب في العالم العربي
ولم تتوقف هذه الاستراتيجية مع انهيار الاتحاد السوفياتي التي كانت أحد أهمّ أسباب انهياره، إنما وتبعاً لنجاحها قامت أميركا بتطبيقها مرات أخرى مع دول عدّة وفي بؤر صراع متعددة، فنجد الولايات المتحدة قد انتقلت بعد ما سمّي بـ»الربيع العربي» من سياسة إثارة الصراعات بين الدول إلى إثارة النزاعات في الدولة الواحدة بين المعارضة والسلطة الحاكمة.
وبالتالي خلقت اختلالاً في توازن القوى داخل الدولة الواحدة فطوّرت استراتيجيتها لتصبح استراتيجية احتواء مزدوج مركب بمعنى عملية داخل عملية وذلك بحسب بيئة كلّ بلد فتكون عملية احتواء مزدوج بين القوّتين الرئيستين في قوى النظام الجديد داخل عملية الاحتواء المزدوج لقوى النظام الجديد وقوى النظام القديم.
فقد نرى صراعات بين الإخوان والسلفيين من جهة، داخل صراع بين إسلاميين وليبراليين، وصراع داخل التيار نفسه بين صقور وحمائم، أو بين محافظين وإصلاحيين، وكذلك صراع ليبرالي ليبرالي ضمن صراع بين قوى الأنظمة الجديدة وقوى الأنظمة السابقة، بعد أن غيّرت جلدها، وهذا ما فعلته أميركا في العراق بين قوى المجتمع العراقي، وبهذا يصبح المجتمع مقسّماً إلى عدة قوى قد يتراوح عددها ما بين 5 إلى 10 قوى وعلى رأس كلّ قوة قيادة تسعى للوصول إلى الحكم، ولكن عدد هذه القوى لا يسمح بانفراد أحدها بالحكم، وبالتالي فإنها تسعى الى التنسيق في ما بينها أو التوافق أو تسعى كلّ منها إلى الحصول على دعم خارجي إما بالمال او بالإعلام أو بأشكال أخرى من الدعم للانتصار على القوى الأخرى في الداخل.
وبمرور الوقت يصبح بعض القوى رهائن لدى أطراف خارجية، سواء كانت قوى استعمارية مباشرة أو عبر ثالث، وتصبح كلّ قوة تتهم القوة الأخرى بأنها تتلقى دعم خارجي أنها عميلة للقوة الاستعمارية إما مباشرة أو عبر طرف ثالث، وهذه الاتهامات مستندة إلى تصريحات لمسؤول دولة ما، أو أخبار منشورة في الوكالات الإخبارية، وهذه التصريحات والتسريبات مقصودة من القوة الاستعمارية لغرض إشعال الصراع، وهو ضرورة لتنفيذ الاحتواء المزدوج وتتمّ هذه التسريبات والتصريحات في أوقات معينة لإعادة التوازن بين القوى السياسية حتى لا تسيطر قوة واحدة على البلد أو تختفي قوة من المشهد السياسي وتستنزف طاقات وقدرات البلاد في هذا الصراع.
وبعد غزوها للعراق عام 2003 طبقت هذه الاستراتيجية بين «السنة» و»الشيعة» فدعمت كلا الطرفين للقضاء على الآخر وبدأ إطلاق الاتهامات بالعمالة لأميركا من كلا الطرفين للآخر.
وبذلك يتضح لدينا خارطة الدعم لجميع الأطراف المتصارعة وكيف تصل لها بالتساوي سواء أكان بالدعم المباشر أو بالإشراف أو عبر وسيط أو بتركه يمرّ دون منع مع القدرة على منعه، وهذه الخارطة المعقدة من شرايين الدعم هي التي أوصلتنا لهذه الحدود الجغرافية للقوى المتصارعة على الأرض، والتي تظنّ أنها تعمل في ممرات تقاطع المصالح مع الدول الكبرى، بالوقت التي تدخل هذه القوى في نفق حروب الوكالة والأدوار الوظيفية من حيث تدري أو لا تدري وهي مرهونة لحركة المحور الكبير الذي تلتحق به.
أميركا اللاتينية عامل اقتصادي امتداد لاحتواء مزدوج
وما يحدث في أميركا اللاتينية امتداد لاستراتيجية أميركية مدفوعة بالمخاوف الإنسانية لما تقوم به من تغيير للأنظمة الاشتراكية، في دمج لاستراتيجية الاحتواء المركب مع إدخال أدوات اقتصادية باتت كالقاتل دون سفك للدماء، وخاصة ضمن 42 بلد يضم فيه أكثر من 50 مدينة دموية في العالم، في إحصائية أعدها مجلس المواطن للسلامة العامة والعدالة الجنائية في المكسيك معتمداً على بيانات من منظمات دولية ووسائل إعلامية.
وإذا ما عدنا إلى الثنائية القطبية نجد أنّ الكثير من دول أميركا اللاتينية تدين بالولاء لروسيا الاشتراكية، والأزمة الكوبية حاضرة حيث جاءت في «الحديقة الخلفية» الأميركية، وبعد انتهاء الحرب الباردة حاولت أميركا مراراً وتكراراً إدخال المسار الرأسمالي لأميركا اللاتينية من خلال الشركات الكبرى عبر منظمة التجارة الحرة للأميركتين.
وفي هذا الصّدد، يكشف الكاتب جون بيركنز في «القاتل الاقتصادي» جزءاً من الخطة الأميركية في الفترة بين عامي 1963 و1971 عبر العديد من الشركات الاقتصادية الكبرى لمحاولة إقناع الأنظمة القائمة بالقروض الدولية الضخمة التي ستعيد الأموال إلى الشركات الكبرى والعمل على إفلاس الدول اللاتينية التي تتلقى القروض، وبدأ كتابه بالإكوادور التي شهدت أول عمليات اغتيال لرئيس منتخب عارض السياسة الأميركية.
وفي العام 2016 أصدر أرنست فولف كتابه المهمّ «صندوق النقد الدولي… قوة عظمى في الساحة العالمية»، وقد صنفت مقدّمته من أجمل المقدمات وقال فيها فولف: «هذا الكتاب هدية لبني البشر في أفريقيا وآسيا وجنوب أميركا، الذين لا يستطيعون قراءته، لأنّ سياسة صندوق النقد الدولي قد حرمتهم من الالتحاق بالمدارس».
جلّ الكتاب كان يتحدث عن سياسات صندوق النقد الدولي عبر القروض لتدمير دول أميركا اللاتينية وجعلها رهينة للسياسات الأميركية التي تفرض سيطرتها على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ إنشائها في مؤتمر برتين وودز، الذي نشأ عنه ربط العملات العالمية وتقييم النفط بالدولار الأميركي بدل الذهب، وقد تحدث فولف كيف سعت أميركا لإحلال القواعد النيوليبرالية الجديدة وفق مدرسة شيكاغو الاقتصادية بمراحلها الثلاثة «تحرر واستقرار وخصخصة»، ضمن ثلاثة شروط وضعها صندوق النقد الدولي للموافقة على إقراض الدول وهي «المساعدة المالية والمساعدة الفنية والمراقبة»، وقد مكنت هذه الشروط إدارة صندوق النقد الدولي من التدخل المباشر في سياسات الدول الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح يحدد أين ستنفق الأموال، ويتحكم بالوزراء والحكومات وقيادات البنوك المركزية لتحقيق مصالحه، بعد إضعاف الدول اقتصاديًا.
تطبيق الإغراق الاقتصادي
لفهم مجريات الأمور اللاتينية نعود إلى سياسة التكيّف الهيكلي التي طبّقها صندوق النقد الدولي في تشيلي إبان فترة بيونشيه، وفي الأرجنتين، وبدأت أزمة المديونية الحديثة بعد إعلان المكسيك عام 1982 التوقف عن تسديد ديونها البالغة 80 مليار دولار، ما دفع دول لاتينية أخرى للتوقف عن سداد ديونها وقد تدخل صندوق الدولي لينقذها من الإفلاس هي وبنوكها، وتدخل كوسيط بين مصادر التمويل والدول المدينة، وكان دافعه الأساسي منع النظام النقدي العالمي الذي تسيطر عليه أميركا من الانهيار.
كما أنه من الضروري العودة للأرجنتين في عهد «خورخي فيديلا» عام 1967 الذي حاول تنفيذ برنامجه الاقتصادي على الأسس الليبرالية، معتقداً أنه سيتمكن من خداع صندوق النقد الدولي، فقد ارتفعت الديون الخارجية للبلاد في عصره من 8 مليارات إلى أكثر من 43 مليار دولار، أدّت في النهاية لاستقالة فيديلا، وفي عصر الرئيس الأرجنتيني الجديد «راؤول ألفونسين» أعاد صندوق النقد الدولي استخدام إستراتيجية «برنامج الصدمة» في الأرجنتين سيّئ السمعة الذي نفذه في تشيلي، وقد حاول ألفونسين التحايل على صندوق النقد الدولي لكنه فشل، وعانت البلاد من ركود اقتصادي هو الأكبر في تاريخ الأرجنتين الاقتصادي، وباعت في ما بعد ألفونسين 40 من الشركات المملوكة للدولة، و90 من القطاع المصرفي.
وفي عام 2001 حين أعلن أدولفو روديجت سا أنّ الأرجنتين دولة مفلسة، وأنها أنفقت كلّ احتياطاتها من النقد الأجنبي لتعاني من أكبر عملية إفلاس مرت بها أيّ دولة في التاريخ بعد أن تعثرت في سداد دينها البالغ قدره 132 مليار دولار، علق صندوق النقد الدولي دفعته التي كان من المفترض تسليمها في كانون الأول من نفس العام، وخسر على إثرها 200 ألف عامل وظائفهم مرة واحدة خلال ثلاثة شهور، وانخفض الإنتاج الصناعي إلى 20 وانتشرت الأمراض ذات الصلة بالفقر وسوء التغذية وفقر الدم، وفي العام 2004 اعترف صندوق النقد الدولي بأن أخطاءه أغرقت الأرجنتين وأفلستها، وهكذا تحولت المعجزة الاقتصادية الأرجنتينية فترة التسعينيات إلى كابوس اقتصادي حاليّ.
نهج أميركي لتغير أنظمة الحكم
أما في فنزويلا، فكانت قد تحالفت الولايات المتحدة الأميركية كما المعتاد مع الأوليغارشية الفنزويلية للإطاحة بهوغو شافيز الرئيس الفنزويلي الذي فاز بتفويض من عمال فنزويلا، لتلبية احتياجاتهم في دولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي مثبت عالمياً، وجاءت محاولة الانقلاب الأولى عام 2002 على شافيز حينما دعت أميركا الجيش والأوليغارشية – جماعات المال والمصالح – للإطاحة بشافيز لكنهم فشلوا أمام شعبيته الكبيرة، شافيز الذي طالب شركات النفط أن تدفع حقوق ملكية أعلى للنفط الذي نهبته من فنزويلا، هنا الحديث عن جدلية علاقة «النفط بالدولار»، وعن مسار الشركات متعدّدة الجنسيات، وعلى إثره دخلت فنزويلا حصاراً أميركياً، وقد كان حلّ الأزمة الإنسانية أولاً هناك سهل يتمثل بعدم زعزعة استقرار فنزويلا وتركها تدير إيراداتها الخارجية ورفع الحصار لتكون قادرة على استيراد السلع واستخدام الموارد لإحلال التنوّع الاقتصادي، لكن هذا ما لا تريده الولايات المتحدة الأميركية التي تسيطر على العالم من خلال سياساتها الرأسمالية التي بنت عليها مشروع مارشال، ومن خلال سيطرتها على الدولار الذي يتحكم بمسار النفط.
وفي عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب كثفت أميركا عقوباتها الاقتصادية على فنزويلا كنهج أميركي لتغير أنظمة الحكم.. وبالرغم من أنّ المسار الديمقراطي لنيكولاس مادورو لم ينته، وإنْ اتهمه العديد من الدول بتزوير الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بولاية رئاسية ثانية، فإنّ أميركا ومعها دول الاتحاد الأوروبي رأت انعدام الديمقراطية مطلقاً في كثير من دول الشرق الأوسط وتصدر ديكتاتوريات على حكم البلاد ولم تحرك ساكناً
وزادت العقوبات الأميركية في آب 2017 على فنزويلا طالت السندات الفنزويلية، وقال البيت الأبيض «هذه الإجراءات درست بعناية لحرمان نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من مصدر تمويل مهم للحفاظ على حكمه غير الشرعي وحماية النظام المالي للولايات المتحدة من التواطؤ في الفساد في فنزويلا، ولن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى فنزويلا تنهار».
وعودة إلى السياق لقد أعلنت الأرجنتين إفلاسها، وأعلنت المكسيك عجزها عن سداد الديون وكانت أميركا ترى هذا الانهيار أمام عيونها، ثم مررت سياسات صندوق النقد الدولي، كما زادت واشنطن دفعة جديدة من العقوبات في أيار 2018 على فنزويلا وحظرت واشنطن شراء أيّ من أدوات الدين التي أصدرتها الحكومة الفنزويلية، بما في ذلك الحسابات التي تتصل مباشرة بالنفط.
فيما سارعت 50 دولة تدور في الفلك الأميركي مباشرة للاعتراف بـ»خوان غوايدو» رئيس المعارضة رئيساً للبلاد لإحداث انقلاب ناعم هناك يغيّر نظام الحكم تماماً، ثم بدأت أميركا بضخّ المساعدات إلى فنزويلا التي تكدّست بالأطنان على مقربة من حدود كولمبيا مع فنزويلا، تحت إطار التدخل لإنقاذ حياة الناس.
يرجعنا هذا إلى التساؤل: هل فعلاً المساعدات الأميركية مليئة بالمخاوف الإنسانية؟ يقول هنا مادورو: «لقد سرقت أميركا 30 مليار دولار منا ويعرضون الآن كسرات على شكل مساعدات من الأغذية العفنة»، إذاً المساعدة الأميركية مشروطة تماماً بشكل النظام السياسي ومواءمته للسياسة الأميركية وليس بإنسانية وعالمية هذه المساعدات وارتباطها بالإنسان أولاً.
ومع أنّ واشنطن زادت عقوباتها على مسؤولين مقرّبين من مادورو، ورحب رئيس المعارضة غوايدو بالعقوبات الجديدة، ووصف بعدها مادورو الوضع بأنه حرب «الأوليغارشية» وهم المتعطشون لرأسملة النظام والشركات لتحقيق أعلى ثراء مقابل إهلاك الطبقات الوسطى والفقيرة، وقد استهدفت العقوبات الجديدة شخصيات مرتبطة بشركة النفط الحكومية «بيديفيسا» ومسؤولين من الاستخبارات والأمن، وقد رحب غوايدو بها.
العامل الفلسطيني…
رغم أنّ سياسة التدمير الاقتصادي كانت هدفاً أميركياً تجاه أميركا اللاتينية لإعادة هندسة الأنظمة هناك سياسياً واقتصادياً، فإنها في السياق نفسه، تريد من خلال تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدول التي تتلقى المساعدات الأميركية إذا صوّتت في الأمم المتحدة ضدّ قرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، يكشف ذلك استجابة غواتيمالا مباشرة لنقل سفارتها إلى القدس، لكن الدخول للساحة اللاتينية عبر إعادة هندسة الأنظمة وتصعيد اليمين على حساب اليسار كان هدفاً استراتيجياً تسعى إليه أميركا ويستفيد منه الاحتلال الإسرائيلي، في ساحة تعتبر بكراً بالموارد الطبيعية.
سياسياً في عام 2014 وصفت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف الحرب على قطاع غزة بأنها مجزرة، وسحبت سفيرها من تل أبيب، وقد اشتاط الاحتلال غضباً وكان هذا موقف غالبية دول أميركا اللاتينية التي تمثل ثقلاً مهماً في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، وقد وصف المتحدث باسم الخارجية «الإسرائيلية» وقتها تصريح روسيف قائلاً: «إنه تجسيد مؤسف للسبب الذي يجعل البرازيل العملاق الاقتصادي والثقافي أن تبقى قزماً دبلوماسياً».
ثم ركز الاحتلال الإسرائيلي جهده مع أميركا للوصول إلى الساحة اللاتينية، وكانت زيارة بنيامين نتيناهو رئيس حكومة الاحتلال هي الأولى في تاريخ الاحتلال «الإسرائيلي» للبرازيل بعد فوز الرئيس الجديد خايير بولسونارو اليميني المتطرف أمام خسارة اليسار الاشتراكي، وقد توعّد الأخير بإغلاق السفارة الفلسطينية في البرازيل وفتح سفارة بلاده في القدس.
قتل الدول اقتصادياً من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار وإخضاعها بعد الإفلاس لسياسات الصندوق الدولي والنيوليبرالية الجديدة هو طريق ذو نفس طويل لكنه أقلّ تكلفة من الحرب مثلما حدث في العراق بعد فشل سنوات الحصار.. لكن الحديث كان اقتصادياً تقنياً بامتياز، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ بولسونارو هو إنجيلي متديّن ينتمي إلى تيار يدعم الاحتلال الإسرائيلي من منطلقات دينية، وركز حديثه مع نتنياهو الذي حضر حفل تنصيبه على مشاريع مختلفة متعلقة بالتكنولوجيا والزراعة ومصايد الأسماك والأمن والتقانة العسكرية، وهي مشاريع يبرع فيها الاحتلال «الإسرائيلي» وتحتاجها البرازيل في المستقبل لتكون مورّداً أساسياً لأميركا اللاتينية، وهنا ينجح الاحتلال «الإسرائيلي» في تعزيز العلاقات الدبلوماسية أولاً ثم إنشاء مركزاً موزعاً لتقانته هناك، ولا ننسى زيارة نتنياهو للهند أيضاً كمركز جديد في شرق آسيا.
ورغم أنّ سياسة التدمير الاقتصادي كانت هدفاً أميركياً تجاه أميركا اللاتينية فإنها في نفس السياق تريد إعادة هندسة الأنظمة هناك سياسياً واقتصادياً.. في حين أنّ سبب الأزمة العقوبات – الحصار الأميركي – على فنزويلا أمام صادرات نفطها التي تمثل المورّد الأساسي للبلاد، إذًاً لقد حان الوقت لتغيير النظام وإخضاع أكبر مورد للنفط في العالم إلى سياسات صندوق النقد الدولي..
قتل الدول اقتصادياً أقلّ تكلفة من الحرب
خلاصة القول إنّ قتل الدول اقتصادياً من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار وإخضاعها بعد الإفلاس لسياسات الصندوق الدولي والنيوليبرالية الجديدة هو طريق ذو نفس طويل لكنه أقلّ تكلفة من الحرب مثلما حدث في العراق بعد فشل سنوات الحصار، وتهدف هذه السياسة أساساً لإعادة هندسة أنظمة الحكم وفق الرؤية والمصلحة الأميركية، وليس وفق معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا مبرّر آخر للتناقض الأميركي الغربي في التعامل مع أسس الديمقراطية العالمية وحقوق الإنسان التي تختلف من دولة لدولة، والشرق الأوسط بعد «الربيع العربي» أكبر دليل..
البناء